هل تقرأ الكتاب الذي تكتب عنه؟! سؤال طرحه عليّ أحد الزملاء، وهو كاتب معروف في الصحافة. والسؤال كما يتبدى من غرابته، يحمل اجابته، وهي اجابة استنكارية تقول بعدم وجود ضرورة لقراءة الكتاب. وحين يوضح صاحب السؤال يقول انه اذا قرأ الكتب التي يكتب عنها، فمعنى ذلك انه لن يكتب اصلاً، لانه ببساطة لن يجد وقتاً كافياً لذلك! قد يبدو السؤال، والنقاش حوله دعابة غير جادة. لكن الامر في الحقيقة ليس كذلك، اذ ان السائل يتحدث بجدية، وهو بالتأكيد ليس وحيداً في ذلك، اذ ان كثيرين من بين الكتّاب من يقومون بهذه الممارسة الغريبة، وهم على "حق" في استغرابهم حين يتحدثون عن قلّة الوقت. ذاك ان من يكتب عشرين قراءة لعشرين كتاباً في مختلف الموضوعات خلال شهر واحد، لا يمكنه بالتأكيد ان يجد وقتاً لقراءتها. ومع ذلك يبرز السؤال الاهم: وما هو ذنب القارئ في هذا؟ اعرف ان صاحب السؤال وامثاله، يحتالون على قراءة الكتاب بقراءة المقدمة والفهرست. فمن المقدمة يمكن اقتطاع استشهاد ما، فقرة او اكثر، اما من الفهرست فيمكن بقليل من الخبرة، الوقوف على الفصل الذي يمكن قراءة بعض فقراته للاستشهاد بها. وهكذا لن يستطيع احد ان يشك في جدية الناقد العتيد، وقراءته للكتاب. ومن هنا كثرت في الصحافة اليومية مراجعات الكتب التي تتكوّن من مقدمة قصيرة ثم عرض تقسيمي للكتاب من خلال عناوين فصوله، دون ان يقدم الناقد رأياً في الكتاب سواء كان هذا الرأي ايجابياً ام سلبياً. والذي يحدث احياناً ان الاعتماد على مثل هذه "المراجعات" لا يغني في التعرف على الكتاب، لأنه لا يتعدى الخبر الطويل الذي لا يمس جوهر معالجة المؤلف لموضوعه. جزء كبير من "نجاح" هؤلاء المراجعين، يعود الى حاجة الصحافة اليومية التي تظل عروض الكتب جزءاً من تغطياتها النقدية في الصفحات الثقافية، ما يجعل بعض المحررين المسؤولين عن هذه الصفحات ينظرون بجدية اقل واهتمام اقل الى عروض الكتب، مع انها في الصحافة العالمية ذات شأن كبير، بل هي فن قائم بذاته، لا يمارسه الا نقّاد لهم ثقافة رفيعة وذائقة نقدية حساسة، ويتصفون بجدية عالية. وهو امر نجده بدرجات اقل بكثير في الصحافة اليومية العربية، حيث نجد اسماء كبيرة من المثقفين العرب يقدم اصحابها عروضاً نقدية جادة لأحدث ما تقدمه المطابع من كتب مختلفة، ليست مترجمة الى العربية بالضرورة. مثل هذه العروض الجادة تقدم مثالاً حياً على اهمية هذا اللون من الكتابة، وترفعه الى مقامه الذي يستحق. اما اولئك اللاهثون خلف النشر فهم، على كثرتهم، لا يتركون بصمة او اثراً، لأنهم في كل مرة يكتبون المقالة ذاتها، وبالكلمات ذاتها.