بعد ولاية الإسباني فيديريكو مايور التي دامت 12 عاماً، إذ انتخب عام 1987 وأعيد إنتخابه في 1993، يحضّر المجلس التنفيذي أعماله لإنتخاب مدير عام جديد لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة، "يونيسكو"، بعد غد الاثنين. وتحمل هذه الإنتخابات أهمية كبرى بالنسبة للدول العربية ولدول آسيا، ويوجد إدراك عند كل المجموعات الجغرافية داخل المنظمة، أن مجموعة آسيا، وكذلك المجموعة العربية، لم تتوليا إدارة المنظمة منذ تأسيسها سنة 1945. جاء الى المديرية العامة على التوالي انكليزي ثم مكسيكي فاميركيان وبعدهما حصل إيطالي على هذا المنصب ثم فرنسي ليلحقه سنغالي وأخيراً اسباني. واليوم، مع اقتراب الإنتخابات الحاسمة التي تثير حساسيات عديدة، يبرز إسمان عربيان السعودي غازي القصيبي والمصري اسماعيل سراج الدين واسمان من منطقة آسيا أو آسيا/ المحيط الهادي الياباني كويتشيرو ماتسورا والاسترالي غاريث ايفانس ويبدو أن المعركة، حسب المؤشرات العديدة، ستُخاض بين هؤلاء المرشحين الاربعة. ويوضّح مصدر مطّلع في المنظمة الدولية، أن المجموعة الاسيوية داخل ال"يونيسكو" أصدرت بيانا رسميا جاء فيه، بشكل أساسي، على أنها ستنظر الى الأمر بغرابة إن لم تتولَ المنصب ومن جهتها. أصدرت المجموعة العربية بيانا مشابها. ويؤكّد المصدر بأن هناك إجماعا حول أمر مهمّ أنه لو تقدّم العرب بمرشّح واحد لكانت حظوظه أوفر للوصول الى منصب مدير عام المنظمة. وتأتي هذه الإنتخابات في وقت لا تزال المنظمة الدولية تواجه فيه مشاكل عدّة وإنتقادات مختلفة كوجود بيروقراطية ساحقة داخلها وإدارة سيئة وافتقار الى الشفافية، ولكنها تأتي أيضاً في وقت لا يزال ميثاق تأسيس ال"يونيسكو" قائماً وراهناً. وكان الشاعر الاميركي ارشيبالد ماكليش لخّص ركائز المنظمة في الميثاق قائلاً: "بما أن الحروب تتولّد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام... وإن كرامة الإنسان تقتضي نشر الثقافة وتنشئة الناس جميعاً على مبادئ العدالة والحرية والسلام. وهذا العمل بالنسبة الى جميع الأمم واجب مقدّس ينبغي القيام به بروح من التعاون المتبادل". عند خروج العالم من الحرب العالمية الثانية عام 1945، كانت مهمة ال"يونيسكو" خلق عقل السلام في العالم" وكان أوّل مدير عام لها العالِم البريطاني جوليان هاكسلي. وأضيفت كلمة العلوم الى شعار المنظمة نزولاً عند رغبة البريطانيين، واليوم أصبحت كلمة الاتصال تدخل في مشاريع وبرامج المنظمة، إلا أنها لم تُضف الى الشعار. ومنذ البداية، ضمّ المجلس التنفيذي للمنظمة التي قال عنها نهرو ذات يوم أنها "ضمير العالم" الأسماء الشهيرة أمثال انديرا غاندي وارشيبالد ماكليش ورينيه كاسان. وكان جاك مازيتان عرض أن يحقّق فيها "توافق العقول من خلال فكرة عملية واحدة، وليس من خلال فكرة نظرية واحدة قائلا: "قد يبدو ذلك قليلاً إذ أنها آخر خلوة لتوافق العقول. لكنه كافٍ، مع ذلك، من أجل الشروع بعمل كبير". ولكن، بعد مرور 54 عاماً على البدء بهذا العمل الكبير،لا تزال مهمة المنظمة صعبة وموازنتها منخفضّة. فمنذ ان غادرتها الولاياتالمتحدة تواجه ال"يونيسكو" أزمة مالية ذلك أن الولاياتالمتحدة كانت تساهم بنحو 25 في المئة. وأصبحت اليابان اليوم المساهم الاول، فهي زادت حصتها مع السنوات لتصل حالياً إلى 25 في المئة! وإضافة الى الناحية المالية، أضعف خروج الولاياتالمتحدة المنظمة من نواحي مهمّة أخرى. فالولاياتالمتحدة أوّل قوّة علمية في العالم وأوّل منتج للثروات الثقافية. وكانت هذه الاخيرة غادرت ال"يونيسكو" عام 1984 ولحقها البريطانيون عام 1985 الذين عادوا إلى المنظمة منذ سنتين على أثر مآخذ جدية على سياسة المدير العام السابق امادو مختار أمبو، إذ اعتبرت الدولتان وقتها انه يعمل باسلوب "التشويه الايديولوجي والتسّيس المفرط، وبإدارة سيئة". وعلى رغم التقشّف الذي فرضه فيديريكو مايور منذ توليه منصب المدير العام سنة 1987 والتحسّن في الادارة وفي بعض البرامج، تبقى الولاياتالمتحدة خارج المنظمة. وعلى رغم النشاط المكثّف لإطلاق برامج كبرى، كبرنامج التربية للقرن الواحد والعشرين، والبرنامج العالمي للثقافة والتنمية و"مشروع الجينات البشرية" وايكالها الى شخصيات بارزة أمثال جاك ديلور وخافيير بيريز ديكويار أو الى لجنة دولية لاخلاقيات البيولوجيا تتكوّن من 50 شخصية من 40 بلداً مختلفاً تبقى المنظمة، حسب كلام أحد المراقبين،"معروفة في العالم اجمع، وإنما تجد صعوبة في الوصول الى الجمهور الواسع". وكي لا تتحوّل ال"يونيسكو" الى وكالة بالية وتقنية سيعتمد مستقبلها على قدرتها في الاصلاح وفي إعادة تحديد استراتيجيات جديدة تتكيّف مع القرن الواحد والعشرين، مع خلق البرامج الفعّالة وتنظيم الطاقات البشرية المهيّئة لهذه البرامج... وبالتالي يبدو التحدّي الذي ينتظر المدير العام الجديد للمنظمة كبيراً جداً. ونعرض في ما يلي تعريفاً بالمرشحين الاربعة المتقدمين في السباق الى هذا المنصب وببعض افكارهم المتعلّقة بمستقبل ال"يونيسكو": الدكتور غازي القصيبي، السيد كويتشيرو ماتسورا، الدكتور إسماعيل سراج الدين والسيد غاريث ايفانس