إزاء المجاعة التي راحت تخبط الشعب السوفياتي طوال ما لا يقل عن عامين، واذ أعيت الحزب الحيل التي لجأ اليها منظروه وإطاراته لايجاد حل للمشكلة الزراعية لم يكن أمام ستالين الا ان يضرب ضربته الكبرى: ان يلتفت الى عالم الزراعة ويحدث فيها، وبسرعة، واحدة من اكبر الثورات في تاريخ هذا البلد. كانت ثورة لا بد منها، وواسعة بأكثر مما كان حال الثورة الروسية البلشفية نفسها، لأنها هذه المرة - ثورة طاولت البنية التحتية الزراعية وأدت الى إحداث انقلاب جذري في ريف - يشكل معظم الاراضي السوفياتية - وكان استقر على اوضاعه الاقطاعية منذ عصر بطرس الاكبر على اقل تقدير. بدأت الثورة، يوم الخامس من كانون الثاني يناير 1930، حين أصدر ستالين ذلك المرسوم الشهير الذي ينص على تمويل المزارع الصغرى والمتوسطة الى كولخوزات، اي الى مزارع جماعية. وبذلك المرسوم الذي عاد ستالين وبرره خلال المؤتمر التالي للحزب الشيوعي السوفياتي حزيران/ يونيو 1930 عبر خطاب دام القاؤه عشر ساعات، حول "ابو الشعب الصغير" الاتحاد السوفياتي كله الى مزرعة تعاونية كبيرة. والحقيقة ان ما شجع ستالين على اتخاذ تلك السبيل كان ما سبق ان حققته من نجاح، تجارب اولى اجريت في ذلك المضمار، اضافة الى استجابة المزارعين المحرومين للقرار. وهكذا، ما ان اعلن المرسوم، حتى ارسل ستالين عشرات الالوف من مندوبي الحزب الى المناطق الريفية ليشجعوا المحرومين على الاستيلاء على الاراضي الزراعية، ويردعوا صغار ومتوسطي وكبار الملاّك عن معارضة تلك الاجراءات. اذاً، كان الامر عبارة عن حرب كبيرة فتحت جبهتها العملية بعد ثلاثة اسابيع من صدور المرسوم، وكانت نتيجتها، خلال اسابيع قليلة ان وزعت ملايين الافدنة على العائلات المزارعة. وتلك العائلات، لئن كانت ابدت في بداية الامر خشيتها من ان تنقلب الامور عليها، فانها وجدت تشجيعاً لها على التحرك، خصوصاً حين قرر ستالين ان يمنح كل عائلة تشاركها في المزارع الجماعية، بيتاً وعربة واسطبلاً، وان يسمح لها بأن تبيع، في اسواق حرة، ما تجنيه من مزروعات في حدائق البيوت. ازاء كل ذلك كان من الطبيعي لتلك "الثورة الزراعية" ان تنجح، خصوصاً وان مندوبي الحزب نفذوا تعليمات ستالين حرفياً، فوزعت الاراضي، وافقر الملاّك الكولاك وقُتل الكثير منهم وسُجن آخرون وفي بعض التقديرات ان عدد القتلى من كبار الملاك كان يصل الى اكثر من اربعين في كل يوم. ولكن رغم ذلك النجاح كله… دهش العالم حين ثار الفلاحون خلال الاسابيع التالية ولا سيما في اوكرانيا، التي كانت شروط حياة المزارعين فيها افضل - على اية حال - من شروط حياة الروس. وهكذا، في لحظة من اللحظات، وتحديداً صباح الثاني من آذار مارس من العام نفسه فوجئ قراء صحيفة "برافدا" بمقال يحمل توقيع… جوزف ستالين، وفيه يوجه هذا الاخير انتقاداً حاداً لممارسات مندوبي الحزب في المناطق الزراعية، ومتهماً اياهم بأنهم - بممارساتهم العنيفة - هم السبب في ثورة الفلاحين! مهما يكن في الامر فان عدد المزارعين الذي شملتهم الاجراءات الستالينية قبل انتقاد ستالين لها زاد عن 14 مليوناً. كان الواحد منهم يطالب بأن يسلم للجمعيات التعاونية الخاضعة لسيطرة الحزب ورقابة لجانه، بالطبع ارضه وحيواناته والبذور وما يملك من ادوات ليحصل في المقابل على حق استخدام الجرافات والجرارات… اما الانتاج فيسلم للدولة بشكل جماعي وهي تحدد مآله وما يتعلق بذلك في الصورة فلاحون يتظاهرون ضد اساليب الحزبيين، وقد شجعتهم مقالة ستالين. اذاً، هل فشلت "ثورة ستالين الزراعية" ام فُشلت؟ كان هذا هو السؤال الذي أرق الزعيم الاوحد وجعله حاد الانتقاد لانصار الثورة ولاعدائها سواء بسواء، ما أثار ارتباك الاحزاب الشيوعية في العالم اجمع، واثار انشقاقات، خصوصاً وان ذلك كله تواكب مع محاكمات موسكو الشهيرة التي كانت القضية الزراعية على اية حال واحدة من اسبابها وخلفية اساسية لها.