بدأ البرلمان الهولندي، امس، اولى جلسات الاستجواب بصدد فضيحة الغازات السامة التي كانت تحملها طائرة البوينغ 747 تابعة لشركة "العال" الاسرائيلية، والتي سقطت فوق ضاحية سكنية بالقرب من امستردام في الرابع من تشرين الأول اكتوبر 1992. وكانت الجلسات الاجرائية للبرلمان بدأت منذ مطلع هذا الاسبوع وسمّت 70 شاهداً للاستماع الى رواياتهم، بينهم عشرة اسرائيليين وآخرون اميركيون، الى جانب عدد من الوزراء في الحكومة السابقة، منهم نائبة رئيس الوزراء آنا ماري يوريتسما ووزير الداخلية إد فان تاين ووزيرة النقل هانيا فان فيخين. ووفقاً للوثائق والتقارير التي كشفت خلال الاسابيع الاخيرة فإن البرلمان الهولندي سيشهد الكثير من المفاجآت خصوصاً ان هناك ادلة دامغة على اخفاء الحقائق عن الرأي العام والتغطية على الطبيعة الخطيرة لحمولة الطائرة، وصولاً الى الاهمال والتسرع في اغلاق التحقيقات. ويتعين ان توضح اعمال التحقيق البرلماني الخاص، وهو الرابع من نوعه في تاريخ هولندا الحديث، سبعة ملفات يلفها الغموض ويكتنفها تلاعب واسع. وكانت التحقيقات اللاحقة كشفت ان الطائرة الاسرائيلية حملت 240 كلغ من مادة ديمتيل - ميتيل فوسفونات المعروفة باسم DMMP، وهي العنصر الاساسي لغاز السارين السام، الذي يعد الأخطر بين الغازات المحرمة. وادعت السفارة الاسرائيلية في لاهاي ان الطائرة كانت تحمل وروداً وأجهزة تسجيل فقط. واضطرت الحكومة الهولندية قبل اسبوع للاعتراف بسر آخر كانت انكرته في السابق، وهو انها سمحت لفريق اسرائيلي من الموساد يتكوّن من 40 خبيراً بالتفتيش في حطام الطائرة بعد سقوطها فوق بيلمير، الحي الخاص بالمهاجرين الاجانب. وعرفت هذه القضية باسم "فريق البدلات البيضاء" وهو لون البدلات الواقية من الاشعاع النووي والسام التي استخدمها عملاء الموساد في عملية البحث قبل ان يضع المسؤولون الهولنديون يدهم على الموقع. واصطدمت الحكومة الهولندية بمفاجأة اخرى جاءت من مواطن هولندي غاضب على تزوير الحقائق، وهو يعمل في شركة "العال"، اذ سلم الى احد اعضاء البرلمان الهولندي ملفاً كاملاً يؤكد ان اسرائيل زورت وثائق الحمولة. وكشف الملف وجود نسختين مختلفتين للحمولة تعاملت بها اسرائيل مع الحادث. وللمرة الأولى في تاريخ الطيران المدني فشلت مساعي المحققين الهولنديين في معرفة مصير تسجيل اتصالات الطيار وقمرة القيادة مع تل أبيب. وكان عمال الانقاذ سلموا الصندوق المهم للغاية في عملية التحقق من سبب الحادث، الى المسؤولين الرسميين لكنه اختفى وقيل انه اتلف بمحض الصدفة. وتشير شهادات ضباط برج المراقبة الى ان ضابط الموساد جيروم بليتنبرخ الذي تسلم المسؤولية من الطيار تلقى امراً صارماً من قيادته بعدم الهبوط فوق سطح مياه بحيرة مجاورة مما كان سيجنب السكان الكارثة. وفي الاتصالات ما يثبت ان الحكومة الاسرائيلية ارادت تحطم الطائرة وليس هبوطها اضطرارياً. كما اختفت 152 كلغ من اليورانيوم غير المخصّب من الحطام بشكل غامض. ولم تقدم اسرائيل تفسيراً لذلك. وتشتبه اللجنة البرلمانية بالادعاءات الاسرائيلية حول المكان الذي جاءت منه الطائرة. اذ كشف التحقيق ان هناك ثغرة زمنية في سجل الطيران تبلغ 48 ساعة بين وقت اقلاعها من نيويورك ووصولها الى امستردام في طريقها الى تل أبيب. ويعتقد على نطاق واسع ان طائرة "العال" حملت المواد السامة من مكان آخر لا ترغب تل أبيب في الكشف عنه. وأخيراً يحقق البرلمان، الذي سيستمع الى ستة او سبعة شهود يومياً، في حقيقة عدد الضحايا والأمراض الغامضة التي سُجّل وجودها بين الضحايا. وكانت التقديرات الأولى للضحايا ذكرت رقم 250 قتيلاً، ثم ارتفع العدد في التقرير الرسمي اللاحق ليصل الى 1580 قتيلاً. ولكن عمدة امستردام اصدر فجأة امراً بانهاء البحث عن الجثث خلال اربعة ايام وأعلن في بيان رسمي ان الضحايا عددهم 43 شخصاً فقط، بينهم أربعة اسرائيليين. وسيشمل التحقيق استجواب العمدة إد فان تاين الذي اصبح لاحقاً وزيراً للداخلية في الحكومة السابقة.