المفاوضات ايضاً، في شأن الجنوب اللبناني، دخلت عنصراً في اطار المزايدة الانتخابية في اسرائيل لا التصعيد العسكري ولهجة التهديد بعمل عسكري ضد لبنان، فقط. واذا كان العنوان والهدف والدافع للشعارات المطروحة داخل اسرائيل حول الجنوب تأمين حماية الجنود الاسرائىليين ووقف تعرضهم للقتل، فمن الطبيعي ان يغلب التطرف في المزايدة لتحقيق هذا الهدف أو هذا العنوان، فترجح كفة التهديدات بالتصعيد العسكري ضد لبنان وسورية، لاجتذاب الناخب الاسرائىلي من قبل المتنافسين على كسب اصواته. إلا أن موردخاي دخل باب المزايدة من باب التفاوض وهو يسعى الى كسب انصار السلام، ليضيف اليهم انصار الانسحاب الاسرائىلي من الجنوب و"حركة الامهات الاربع" التي فرضت حالة انسانية سياسية ضاغطة على القادة الاسرائىليين، هدفها وقف استقبال جثث الجنود الاسرائىليين. لكن واقعة تحوّل التفاوض جزءاً من المزايدة الانتخابية على لسان موردخاي نفسه لا يلغي واقعة اخرى هي انه بخروج وزير الدفاع من الحكومة احد عوامل فرملة التصعيد العسكري في الجنوب من جهة، وفرملة تهوّر وزير الخارجية أرييل شارون صاحب خيار الانسحاب الأحادي الجانب على مراحل من الجنوب مقابل ضرب البنى التحتية والقوات السورية في لبنان اذا استمرت عمليات المقاومة، من جهة ثانية. وهو الخيار الذي وقف ضده موردخاي الداعي الى انسحاب بالتفاوض على ترتيبات تضمنها سورية وبالاتفاق معها. وبخروج موردخاي أخليت ساحة القرار، في الفترة الفاصلة مع الانتخابات في أيار مايو المقبل لبنيامين نتانياهو وشارون، وهما رجلان برأس واحد، في العمق على الاقل في ما يتعلق بالخيارات في الجنوب. ان الخلاف الاسرائىلي الداخلي على الخروج من لبنان بترتيب مسبق، أو من دون هذا الترتيب، يجعل المزايدة عنصراً ضاغطاً على الولاياتالمتحدة الاميركية من اجل التمهيد للانسحاب إما باتفاق تحت الطاولة أو باتفاق فوق الطاولة، وأميركا تفضّل الخيار الثاني وترى أنه مؤجل لان الادارة فيها معطلة. والفارق بين نوعي التفاوض بالنسبة الى طرفي المزايدة الاسرائىلية هو تماماً الفرق بين اقتراح نتانياهو بتعديل تفاهم نيسان ابريل، محصلته وقف العمليات مقابل انسحابات جزئية اختبارية لا الاكتفاء بتجنّب المدنيين، وبين التوجه الاميركي القاضي بتجاوز الاتفاق، وفقاً لما نصّت عليه فقرته الاخيرة، نحو حلّ دائم في اطار سلام شامل يتم التوصل اليه "في مناخ هادىء ومستقرّ".