تقاسم خبران الصحف الإسرائيلية أمس، فهي كادت تقف صفحاتها على الحرب في جنوبلبنان، وعلى عودة ديفيد ليفي وحزب غيشر إلى الائتلاف الحكومي. واكتفي اليوم بلبنان، فقد كنت قبل يومين فقط كتبت في هذه الزاوية أن أسعد قراءة عربية هذه الأيام هي ما تنشره الصحف الإسرائيلية عن هزيمة الجيش الإسرائيلي أمام المقاومة في جنوبلبنان. ونشرت الزاوية، فقتل جنديان إسرائيليان في عملية جديدة، لعل الجرأة فيها أهم من الاصابات، فهي في المكان ذاته الذي قتل فيه ثلاثة جنود إسرائيليين الأسبوع الماضي، ما ارغم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على قطع جولته الأوروبية والعودة إلى إسرائيل أمس لمواجهة الأزمة الناشئة عن تعاظم خسائر الإسرائيليين في جنوبلبنان. الإسرائيليون لن ينسحبوا غداً، فهم لا يستطيعون بعد ترجمة الهزيمة العسكرية إلى قرار سياسي، وعندما يتحدث نتانياهو عن الانسحاب مقابل "ترتيبات أمنية"، فهو يجمع ألف شرط في كلمتين، لأنه يريد من الجيش اللبناني، وربما سورية وإيران والعالم، لعب دور شرطي لحماية الإسرائيليين، غير أن نجاحه مع السلطة الوطنية الفلسطينية لا يعني أنه سينجح مع المقاومة اللبنانية. مع ذلك، هذه المقاومة أوقعت شرخاً بعمق الأكاذيب الإسرائيلية بين السياسيين، وأبو الارهاب في المنطقة، وزير الخارجية اريل شارون، الذي "اقترف" السياسة الإسرائيلية الاجرامية ضد لبنان، أصبح يدعو إلى انسحاب من طرف واحد يؤيده فيه صنوه في التطرف نتانياهو. والمفارقة أن "المعتدلين" في المؤسسة السياسية الإسرائيلية يعارضون مثل هذا الانسحاب، فوزير الدفاع اسحق موردخاي يفضل ضمانات دولية تسبق أي انسحاب، ويؤيده في ذلك ايهود باراك، رئيس العمل، وهو رئيس أركان سابق. أما يوسي بيلين زعيم "الحمائم" في إسرائيل فهو مع شارون ونتانياهو، ربما للمرة الأولى في حياته، في الدعوة إلى انسحاب من طرف واحد. مع ذلك، تحليلي الشخصي ان الانسحاب الإسرائيلي غير وشيك، وان نتانياهو وشارون وحلفاءهما يناورون ويحاولون أن يحولوا الهزيمة العسكرية إلى نصر سياسي. إذا حدث انسحاب رغم كل شيء، فالأرجح أن ترافقه ضربة عسكرية هائلة بحجة حماية الجنود المنسحبين، إلا أنها في الواقع موجهة لضرب البنية التحتية في مناطق من لبنان، وربما سورية، أولاً لارغام اللبنانيين للتفاوض، وثانياً لإلغاء تفاهم نيسان واحلال وقف اطلاق نار جديد محله. وإذا عدنا إلى شارون، فإن ثمة احتمالاً ثانياً، لأنه عندما اطلق الدعوة إلى الانسحاب من طرف واحد قبل أشهر، قال في الوقت نفسه إن الخيار الآخر هو ضربة عسكرية ضد أهداف لبنانية وسورية تدمر البنية التحتية، وترغم الطرفين على التفاوض على ترتيبات أمنية. وهناك الآن من يطالب بالضربة هذه من دون انسحاب. بل ان بعض الإسرائيليين مثل النائب اوزي لانداو يطالب بضربة ضد سورية وحدها، تشمل أهدافاً اقتصادية في سورية، والجيش السوري في لبنان. وبين الاقتراحات الأخرى انسحاب محدود، مع تركيز الوجود اللبناني في جنوبلبنان في مواقع قليلة، الدفاع عنها أسهل مما هو الآن، أو زيادة الوجود العسكري رداً على هجمات حزب الله، مع ان هذا الاقتراح الأخير يحظى بتأييد قلة قليلة من المتطرفين. في جميع الأحوال، لن يحدث شيء اليوم أو غداً، فالحكومة الإسرائيلية لن تصل إلى قرار في جلسة واحدة، وربما لا تصل إلى قرار في جلسات، لأن ثمة خلافاً واضحاً بين أركانها على اسلوب التعامل مع لبنان، بعد أن أربكت المقاومة العسكر والسياسيين، ووضعتهم في مكان لم يعتادوا على مثله في مواجهاتهم السابقة مع العرب. والأرجح أن ترجئ الحكومة الإسرائيلية اعلان أي موقف إلى ما بعد تلقي موردخاي الأسبوع القادم التقويم نصف السنوي للوضع العسكري في جنوبلبنان. في غضون ذلك، من الأفضل أن تلتزم الحكومتان السورية واللبنانية الحذر الكامل ازاء النوايا الإسرائيلية، أو هي نية واحدة هي نية الغدر، وهذه كلمة ربما استعملها للمرة الأولى في تعليق لي، فواجب العدو، وحقه، أن يغدر، إلا أن واجبنا هو ألا يغدر بنا، فنلتهي بالانجازات الميدانية عن رؤية ما تدبر إسرائيل تحت شعار الترتيبات الأمنية