تعهد التونسيون والفرنسيون تطوير علاقاتهم، في الفترة المقبلة، على جميع الصعد. وأوضح مصدر فرنسي ل "الحياة" أن تعزيز التعاون الثنائي لا يتنافى والتزامات تونس تجاه الاتحاد الأوروبي التي توصلت إلى اتفاق شراكة مع بلدانه الخمسة عشر في العام 1995، ودخل مرحلة التنفيذ الفعلي في آذار مارس الماضي. وأكد المصدر "أن العلاقتين متكاملتان كون فرنسا تلعب دوراً محورياً في الاتحاد". وشكلت اجتماعات اللجنة المشتركة للتعاون التي رأسها وزير الدولة التونسي للشؤون الخارجية طاهر صيود والأمين العام للخارجية الفرنسية لويك هانكين، في غياب الوزير هوبير فيدرين الذي اضطر للبقاء في باريس لمتابعة الأوضاع في كوسوفو، الخميس والجمعة الماضيين، مؤشراً إلى الاستقرار الذي شهدته العلاقات الثنائية منذ وصول الرئيس جاك شيراك إلى الرئاسة بعد "الخضات" التي عرفتها على أيام الرئيس الراحل فرنسوا ميتران. وتركزت الاجتماعات على تقويم حصاد التعاون في العامين الماضيين، خصوصاً في المجالات المالية والاقتصادية. ووضعت خطة لتوسعته في المرحلة المقبلة تحت عنوان "تجديد الشراكة". وفي سياق تجديد إطار التعاون، اتفق الجانبان على مراجعة الاتفاق الثقافي والعلمي والفني واتفاق منع الازدواج الضريبي الذي يربط الجانبين منذ سنوات، إضافة إلى تعهد الفرنسيين بإنشاء صندوق لتمويل الدراسات وتقديم الدعم للقطاع الخاص المحلي في إطار مشاريع تحديث المصانع الصغيرة والمتوسطة أو انشاء مصانع جديدة انسجاماً مع استحقاقات اتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي. وأفادت مصادر تونسية ان الجانبين اتفقا على تنقية الملف الاجتماعي من "المنغصات" التي سببت ضيقاً مستمراً للرأي العام التونسي، خصوصاً مسألة الحصول على تأشيرة دخول إلى فرنسا، وأوضاع الجالية التونسية فيها. وأكدت ان اللجنة المشتركة المتخصصة بالشؤون القنصلية والاجتماعية توصلت إلى إطار جديد لإدارة الملف، إلا أنها لم تكشف مضمون الإطار الجديد الذي قالت إنه سيدخل مرونة أكبر على التعاطي في هذه المسائل. وأشارت المصادر إلى أن ملف حقوق الإنسان ما زال يثير احتكاكات مع أوساط سياسية فرنسية بينها شخصيات رسمية، وان التونسيين نقلوا لمحاوريهم إصرارهم على رفض "أي تدخل في شؤونهم الداخلية تحت أي عنوان". كان الجانب التونسي رأى أن تباعد المواقف في هذه المسألة مع مجموعات فرنسية، خصوصاً مع قطاعات في الحزب الاشتراكي الحاكم، لا يؤثر في تنفيذ خطة تطوير التعاون بمعناه الشامل في المرحلة المقبلة، ولا يضعف إصرار الحكومتين على نقله إلى مستوى أعلى كون هذا الخيار "جاء ثمرة اتفاق سياسي في أعلى مستوى بين الرئيسين بن علي وشيراك خلال لقاءاتهما الأخيرة، خصوصاً المحادثات التي أجرياها على هامش الزيارة الخاصة التي قام بها شيراك لتونس في تشرين الثاني نوفمبر الماضي والتي اتفقا في اعقابها على إعطاء دفعة للتعاون الثنائي وتكثيف المشاورات في القضايا الاقليمية والدولية. ويعتبر "الاتفاق الاطاري للشراكة" الذي وضعته اللجنة المشتركة أخيراً، والذي حدد آليات التعاون في غير قطاع خلال الفترة من أواخر العام الماضي إلى السنة ألفين تكريساً للانسجام بين القيادتين السياسيتين. ويعتقد مراقبون ان فرنسا ستحافظ على مركزها في الموقع الأول بين شركاء تونس أياً كانت السحب التي تتلبد بين وقت وآخر في سماء العلاقات الثنائية، واستدلوا على ذلك باستكمال باريس تحويل الاعتمادات التي تعهدت منحها تونس والتي حددت ب 522 مليون فرنك نحو 110 ملايين دولار بالنسبة إلى العامين الماضيين، أي ما شكل نحو 11 في المئة من التدفقات الخارجية التي استقطبتها تونس في تلك الفترة.