يقف جين هاكمان في فيلمه الاخير "عدو الامة" على سطح ناطحة سحاب، يجادل ويل سميث في الاجهزة الامنية التي تطارده. يقول انها الاجهزة قوية ولديها قدرات تكنولوجية حديثة تستطيع ان تعرف كل شيء عنه في اي لحظة. وفي الحقيقة، فقلم سميث او كعب حذائه او زر قميصه قد لا يكون سوى جهاز يفضح مكانه اينما اتجه وكيفما هرب من مطارديه. اذا كان لديك شك في ذلك اسأل جين هاكمان. انه "الرجل الذي يعرف اكثر من اللازم" كما يقول عنوان فيلم شهير لألفريد هيتشكوك. ففي 1974 لعب بطولة "المحادثة" ومثل شخصية مهندس، عمله هو استراق السمع وتسجيل المحادثات ونقلها الى الجهة التي تدفع له مقابل هذه المهمة. انه مرتزق يستخدم أدق ادوات التنصت الجديدة آنذاك وليس لديه اي رادع اخلاقي او سياسي. الى ان يكتشف ان الشخصين اللذين يتجسس عليهما لمصلحة رجل مجهول يواجهان الموت. فيحرك شيء ما في داخله ويدفعه الى محاولة منع الضرر. انها بداية نهايته كجاسوس، حسب فيلم لا يزال واحداً من افضل افلام جيله ومن المخرج فرنسيس فورد كوبولا. دوره في "عدو الامة" ليس سوى امتداداً للدور السابق، كما لو ان صانعي الفيلم الجديد، المخرج توني سكوت في المقدمة، يريدون مواصلة الحديث عن بطل الفيلم السابق. وبالفعل، يبدأ تقديم هاكمان هنا ضمن المعطيات نفسها فهو "متنصت"، خبير سابق يجد نفسه خارج الخدمة بسبب رفضه القيام ذات مرة بمهمة محددة. ذكرت الملاحظات السابقة لجين هاكمان في حديث جمعنا قبل ايام فيوافق قائلاً: "فوجئت بأن الدور مرسوم على هذا النحو، وكانت المفاجأة سارة،. اعتقد ان "المحادثة" واحد من افضل الافلام التي اعتز ببطولتها. وحين قرأت سيناريو "عدو الامة" تراءت لي صور الفيلم. لكنني لم اكن اعلم ان نية المخرج توني سكوت كانت الاستعارة مباشرة من "المحادثة" عبر مشاهد محددة بعضها مأخوذ عن فيلم كوبولا ذاته". هل ينتابك شعور بأنك مراقب؟ او هل ولّد فيك احد هذين الفيلمين مثل هذا الشعور؟ - اعيش في ولاية نيو مكسيكو بعيداً عن كل هذه الزحمة. لكنني اعلم بوجود قدرات تقنية تستطيع ان تعلم بوجودنا هنا، وعما نتحدث عنه من دون ان نراها. عندما استلمت سيناريو هذا الفيلم كيف بدأت ابحاثك عن الدور؟ - كان لدينا خبيران في هذا الحقل طوال الوقت. خبيران عملا لحساب "ناسا" واستعرضا لنا كل المعدات الحديثة. وقرأت الكثير عن هذا الموضوع. الى جانب ذلك شاهدنا فيلمين تسجيليين عن فنون التنصت والتجسس الحديثة زادتنا معرفة. الحقيقة ان المرء لا يريد ان يصدق ان هناك اجهزة حكومية يمكن ان تقوم بالتنصت على مواطنيها. لكن ذلك صحيح. وهذا ما يبدو غريباً وغير واقعي. اعتقد انني ساذج في التفكير بأن الحكومة لا تقدم على مثل هذه الافعال. ليليث دفعته الى بوني وكلايد لو تنصتت الحكومة على جين هاكمان لوجدته انساناً مسالماً يعيش حياة هادئة. يحب عائلته والسينما. وهو قرر قبل بضعة اشهر ان يمنح العائلة المزيد من وقته واصبح الآن في التاسعة والستين من عمره. ولو فتحت ملفاته لوجدت انه ولد في 30/1/1930 في مدينة سان برناردينو، تحت اسم يوجين هاكمان، درس الصحافة ثم الانتاج التلفزيوني، ثم تقنيات الاذاعة على اساس ان يصبح مهندس صوت، ستكتشف انه انضم الى البحرية شاباً، وامضى ثلاث سنوات في الخدمة وعندما عاد الى البر انتقل للعيش في نيويورك، حيث اشتغل في حرف مختلفة، من بينها قيادة شاحنات وبيع الاحذية. وهذا ما حتم عليه الانتقال كثيراً بين المدن الصغيرة والكبيرة ساعياً الى ايجاد العمل الافضل. كل ذلك احتل الجزء الاكبر من سنواته العشرين الاولى. في مطلع العقد الثالث من عمره قرر ان يصبح ممثلاً وان هوليوود هي المكان المناسب لذلك. شد الرحال وظهر في ادوار صغيرة وثانوية، ما بين 1961 و1966. ادوار من تلك التي لا يشعر بها احد. احد هذه الادوار كانت في فيلم "ليليث" 1964 لكنه دور غيّر مجرى حياته بعد ثلاث سنوات، كما يقول هاكمان حين سألته: "في ذلك الفيلم التقيت وورن بيتي. كان لقاء عابراً لمشهد تم تصويره في يومين، ثم ذهبت في طريقي ومثلت في فيلم آخر اسمه "هاواي". عندها لم اكن اعلم ان هذا اللقاء القصير سيكون السبب في دعوة وورن بيتي لي لأمثل دور شقيقه في فيلم "بوني وكلايد". هذه من الامور التي تحصل كثيراً او عندما تحصل لا يمكن نسيانها". قبل بضع سنوات عندما ظهرت في فيلم "غير المسامح" لكلينت ايستوود ذكرت انك مثلت بما يكفي من افلام قائمة على العنف وانك لا تريد ان تمثل هذه الافلام بعد الآن. هل تغير هذا القرار؟ - امثل افلاماً اقل الآن مما كنت افعل قبل ست سنوات، لكنني لم اقل ذلك عقب فيلم "غير المسامح" بل بعده باكثر من عام وما دفعني اليه موجة افلام العنف المجانية التي كنا وربما ما زلنا نشاهدها. انا الآن اكثر دقة في الاختيار مما كنت عليه سابقاً. واعتقد ان ذلك نتيجة طبيعية في مثل سني. ويضيف: - "بوني وكلايد" كان فيلماً عنيفاً، بالفعل، لكنه عنف مناسب مخلص للبيئة وللواقع. وفي تلك الفترة، في الستينات ولسنوات قليلة لاحقة، لم يكن المرء يشعر بأن عنف الشاشة يؤثر في الناس. الآن بات يخشى مثل هذا التأثير. العالم من حولنا تغير على نحو ما وصار من المفضل الاقلال من هذا المد، على ما اعتقد. هناك الكثير من العنف في هذا العالم الذي نعيش فيه. عنف مجنون نستطيع ان نعيش من دونه. اعتزال لفترة كنت كثير الظهور. قبل نحو سبع سنوات اعتبرتك احدى المجلات السينمائية هنا اكثر الممثلين العاملين في مجال التمثيل. كنت تمثل في ثلاثة افلام كل عام لنحو ثلاثة او اربعة اعوام. ثم دخلت مرحلة نقاهة وقللت ظهورك. كيف هي حياتك اليوم؟ - اعتقد انني في المكان الصائب في حياتي الخاصة. قبل تمثيلي "عدو الامة" توقفت عن العمل حوالي عام واتجهت للرسم. وحاولت ان اكتب شيئاً او اشياء كثيرة. هذه امور سارة لي لكنها ليست مرضية، لكي امارسها وحدها بقية حياتي. من الصعب جداً ان اتوقف عن التمثيل. انا ممثل منذ سبع واربعين سنة واكتشفت العام الماضي كم من الصعب التوقف. هل قلت لي انني قررت قبل فترة وجيزة الاعتزال؟ فكرت بذلك واتخذت قراراً به. قلت لزوجتي انني ظهرت بما فيه الكفاية من الافلام وحان الوقت للبقاء في البيت والعناية بالحديثة اكثر. بعد فترة من الشعور بالرضا لمثل هذا القرار نظرت الى نفسي في المرآة وقلت: لا استطيع ان اترك هذه المهنة. احب ان امثل. في تونس ما هو الذي يرضيك اكثر في مهنة التمثيل؟ - النجاح حين التصوير. انت محاط بتسعين شخصاً ينتظرون منك ان تقدم اداءك الخاص لمشهد ما. اذا كان لديك الاستعداد الكامل ستنجح في تأديته، وستستقبل مباشرة سرور وتهنئة العاملين كلهم. تستطيع ان تتخذهم نواة جمهور وتعرف منهم مقدار نجاحك. عملت على المسرح وتطلب الامر سنوات من قبل ان افهم ان هؤلاء العاملين حولي في الفيلم هم كناية عن الجمهور المسرحي. قبل حوالى خمس عشرة سنة التقينا في تونس خلال تصوير "سوء فهم" لجيري تشاتزبيرغ، وقلت لي انك تود العمل مع مخرجين جيدين. هل تعتقد انك حققت ذلك؟ - نعم عملت مع خرجين ممتازين، قبل وبعد ذلك الفيلم. "سوء فهم" كان من تلك الافلام التي لم تنجح، لكن العمل فيه كان ممتعاً. نعم عملت مع مخرجين جيدين: جون فرانكنهايمر في "فرينش كونيكشين"، وذكر آرثر بن وكوبولا وتوني سكوت، مخرج "عدو الامة" وتعلم انها المرة الثانية التي نلتقي معاً الاولى كانت في "تيار قرمزي" قبل اربع سنوات. بالنسبة الي بات من الصعب ان اعمل مع مخرجين جدد اليوم. مع التقدم في السن يصبح الامر ثقيلاً واصبح انا كثير الشكوى. هو ليس لديه خبرة كافية وأنا ليس لدي الصبر الكافي. تشابه في الزمان والفضيحة في "عدو الامة" يظهر هاكمان في النصف الثاني من الفيلم، اي عندما لا يجد ويل سميث، وهو بطل الفيلم الاول، من يساعده على الخروج من ورطته. بعدما اكتشف ان في حوزته شريط فيديو يدين رئيساً في جهاز امن الدولة جون فويت ارتكب جريمة قتل عندما رفض سيناتور جاسون روباردس الموافقة على مشروع يتعلق بتجارة السلاح. كل الدنيا تنهار امام سميث، حياته كلها تصبح عبارة عن سعي للبقاء حياً من مطاردين مسلحين واجهزة تنصت تتيح لهم معرفة مكافه في كل لحظة. في هذا الوضع اليائس يتدخل هاكمان الذي يحاول عدم التورط اولاً، لكن عندما يجد نفسه وقد تورط ينصرف لانقاذ حياته وحياة شريكه. هذا ما يعيد الى البال موضوع فيلم "المحادثة". يبدو ان "المحادثة" و"عدو الامة" مرتبطان على نحو وثيق كما لو ان شخصيتك هنا هي امتداد لشخصيتك هناك. - تكلمنا، سكوت وأنا، عن هذا الموضوع خلال التحضير واتفقنا ان هناك الكثير من التشابه بين الفيلمين. لكن ذلك مقصود. هناك المشهد الذي نرى فيه شخصاً يحمل كيس ورق يسترق السمع. هذا هو مشهد مماثل لما في "المحادثة". عندما ظهرت في فيلم كوبولا "المحاثة" كان نيكسون، بطل فضيحة "ووترغيت" رئيساً للولايات المتحدة. الآن مع فيلم "عدو الامة" هناك فضيحة اخرى تتعلق بالرئيس كلينتون. ما هو رأيك في ذلك؟ - إنه عالم مختلف اليوم. عندما كنا نصوّر "المحادثة" أخذت فضيحة "ووترغيت" تبرز. التفت إلينا فرنسيس وقال: لا أعلم إذا ما كان يجب أن نذكر هذه الكلمة في الفيلم أم لا. وأضاف عندما يعرض الفيلم سيكون الناس نسوا المسألة ولا يعود لكلمة "ووترغيت" أي قيمة. كان مخطئاً بالطبع، فكلمة "ووترغيت" ما زالت حتى اليوم. ما تغير هو ان الناس باتت تعلم كل شيء. إنه من المخجل أن نعلم كل شيء عن الناس، عن حياتهم العادية. شخصياً لا اريد ان اعرف الشيء الكثير عن حياة الرئيس، ولا أن اتدخل في حياته. لا أكترث لذلك حقيقة. هل لديك علاقة وثيقة بالتكنولوجيا؟ - في الحقيقة لا. لا اعرف كيف أدير جهاز كومبيوتر. ليس لديّ أي فكرة عن أي شيء من هذا النوع. هناك ذلك المشهد في الفيلم الذي كان من أصعب المشاهد عليّ. المشهد الذي أقوم فيه بالطبع على الكومبيوتر فتتبدى صور معينة على الشاشة. كان المخرج يريدها حقيقية. جئنا بخبير يعلمني وتطلب الأمر بعد المعاناة وضع ارقام على الطابعة لكي أضغط على الأزرار بالتتابع حتى تظهر الصور المطلوبة، اتذكر ذلك المشهد. كان صعباً وكنت يائساً. في العام الماضي، وبعد أشهر طويلة من التأجيل، شاهدنا لك "غسق" وكان من بطولة بول نيومان وجيمس غاردنر. الآن يقال انكم ستلتقون معاً في فيلم جديد هو "الرجل المستقيم"، هل هي سلسلة؟ - لست واثقاً من أن صانعي الفيلم يريدون التذكير بذلك، خصوصاً أن الفيلم السابق لم يحقق نجاحاً تجارياً. كان نوعاً من أفلام الراشدين، الجمهور اليوم من الصغار. بعد ذلك؟ - لا ادري. أحياناً أقرأ في الصحف انني مقبل على تمثيل دور في فيلم ما، وأنا آخر من يعلم. ما أعرفه الآن انني أكثر دقة في الاختيار مما كنت عليه.