يلتهم خروفا في 30 دقيقة    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    إصابة طبيب في قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    3 أهلاويين مهددون بالإيقاف    اختبارات الدور الثاني للطلاب المكملين.. اليوم    "مركز الأرصاد" يصدر تنبيهًا من أمطار غزيرة على منطقة الباحة    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    «الغرف»: تشكيل أول لجنة من نوعها ل«الطاقة» والبتروكيماويات    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    رصد أول إصابة بجدري الماء في اليمن    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    المملكة تعزز التعاون لمكافحة الفساد والجريمة واسترداد الأصول    نائب وزير التجارة تبحث تعزيز الشراكة السعودية – البريطانية    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    القِبلة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    المدى السعودي بلا مدى    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الاولى - قسم ثاني . بوش : وجدت من الصعب ان أصدق أن صدام سيغزو الكويت . ثاتشر : اذا انتصر العراق فإن أي دولة صغيرة لن تكون آمنة
نشر في الحياة يوم 28 - 09 - 1998


جورج بوش
"انْتُقِدَت غلاسبي، وهي ديبلوماسية مخضرمة كنت أثق بها كامل الثقة، انتقاداً كبيراً على ما حدث في اجتماعها مع صدام. لقد كذب عليها، ومن الواضح انها بينت بوضوح اننا لا يمكن أن نتغاضى عن تسوية النزاعات بأي وسائل سوى الوسائل السلمية. وانها لاساءة فهم كاملة لهذه المحادثة أن يستنتج أحد اننا كنا نعطي صدام ضوءاً أخضر ليحتل بلداً مجاوراً له. ولا أحد، خصوصاً صدام حسين، يستطيع أن يشك في أن الولايات المتحدة لها مصالح قوية في الخليج ولا تتغاضى عن العدوان. وقولها "كما تعلم، نحن لا نتخذ موقفاً من النزاعات الجغرافية" وهذا مصطلح معياري تستخدمه وزارة الخارجية الأميركية بمعنى أننا لا نتخذ مواقف من مزايا نزاع حدودي، ولكن نتوقع أن تتم تسويته سلمياً أسيء تفسيره اساءة جسيمة بأنه يعني ضمناً أننا سنغض طرفنا. ويؤسفني أن الكونغرس علق غلاسبي فوق الفحم المشتعل".
ويسرد الكتاب بعدئذ انه "بينما كانت غلاسبي تتحدث مع صدام في بغداد، كانت الديبلوماسية العربية تشتغل في اجتماع اوبك الحاسم في جنيف. وهناك قبلت الكويت والامارات العربية المتحدة ترتيبات قال العراق انها مرضية …. وأُعْلِنَ عن المحادثات مع الكويت والتي قبل بها العراق، وأعلن مبارك أن صدام أبلغه شخصياً أن لا نية لدى العراق لتحريك قوات نحو الكويت. وبدا لنا، وللزعماء العرب، بأن أسوأ ما في الأزمة ربما يكون قد انقضى".
برنت سكوكروفت
"وزارة الخارجية. ونحن في مجلس الأمن القومي، تشجعنا بما اعتبرناه بعض التقدم، في كل من محادثة غلاسبي مع صدام ونتائج اجتماع أوبك. وبدا أن الديبلوماسية تحقق نجاحاً، ولو ببطء، وكان الزعماء العرب متفائلين. وَخُفِّفَ الكلام الطنان العراقي وانحسرت الهجمات الإعلامية. كانت غلاسبي تقترح علينا ألا نخلخل الوضع بعد، وان ندع المفاوضات تأخذ مجراها قبل أن نفعل أي شيء. ولكي نستفيد قدر المستطاع من هذا التحسن، أوصى أعضاء مجلس الأمن القومي بارسال برقية رئاسية الى صدام - وهي خطوة غير معتادة الى حد كبير - صغناها لنقول اننا مسرورون بالتطورات الأخيرة ولكن لنحذر أيضاً من مزيد من الأعمال العدائية. وذكَّرت البرقية صدام بأن لنا مصالح في المنطقة …. أُرسِلَت الرسالة في 28 تموز يوليو. اتصل الملك حسين بالرئيس في اليوم التالي وقال ان الرسالة "استقبلت استقبالاً حسناً ولن يحدث أي شيء".
برغم اتفاق أوبك الجديد في 25 تموز، والتحذيرات الديبلوماسية، وتأكيداته للزعماء العرب، استمر صدام في زيادة عدد قواته على الحدود الكويتية. وكان محللونا قد قرروا في حلول 24 تموز يوليو ان لديه قوات وامدادات لوجستية "لكل الخيارات". وفي حلول 31 تموز، وصل عدد تلك القوات الى 100.000، أي نحو خمسة أمثال قوات الكويت. هل كان صدام ما زال يحاول ابتزاز تنازلات اضافية من الكويت …".
"في 31 تموز يوليو اجتمع الجانبان في جدة، ولكن المحادثات انهارت بسبب مطالبات العراق بأن تشطب الكويت الديون العراقية وتتخلى عن بعض الأراضي. غير أن طارق عزيز أعلن ان الاجتماعات، التي توسط فيها مبارك والملك فهد، ستستمر في بغداد، وأبلغ السفير العراقي محمد سعيد المشاط مساعد وزير الخارجية جون كيلي الشيء نفسه في واشنطن. في الليلة التالية غزا العراق الكويت.
ثم يقول سكوكروفت: مقاربتنا لتجنب الصراع - بالتحذير من السلوك العدائي، وبتوضيح اننا سنقف الى جانب اصدقائنا، والاستمرار مع ذلك في عرض علاقات جيدة مقابل سلوك جيد - فشلت. هل كانت سياسة "رادعة"، مثل التهديد بالرد على أي استخدام عراقي للقوة ستكون أكثر فاعلية؟ بالنظر الى أن صدام لم يثن عن نهجه بوجود نصف مليون جندي مصطفين ضده مباشرة، فإن هذا غير مُرَجَّح. ليست كل الحروب حروباً يمكن تجنبها، وربما كانت هذه واحدة منها. إذ كان صدام سيفعل ما فعل على أي حال. ولو كنا أكثر عداء وغزا ويحتمل أن الحال كانت ستكون كذلك، فاننا كنا سنتُهم بالاستفزاز، وهي تهمة كانت ستعقّد الى حد كبير مهمة تنظيم التحالف الذي هزمه في نهاية الأمر.
كان عدم توجيهنا تهديدات بالتدخل عائداً الى حد كبير الى أن حلفاءنا العرب كانوا يقولون لنا ان هذا سيولد نتائج عكسية - ليس فقط في التعامل مع العراق في الأزمة الحالية، وانما بالنسبة الى الولايات المتحدة في المنطقة. وكان من المهم أن نستمع بعناية الى نصيحتهم ونأخذها على محمل الجد، وان لا نتصرف من طرف واحد ضدها. كنا في حاجة الى دعم عربي لأي خطوات يمكن ان نتخذها، مهما كانت. وكنا سنخسر في صورة شبه اكيدة علاقات اميركية - عربية افضل، وصدقية الولايات المتحدة في الشرق الاوسط لو تصرفنا ضد دولة عربية من دون دعم اقليمي. وكان ما حدث بعد الغزو ان التحالف العربي انضم الينا بجد لأنه كان واضحاً اننا فعلنا كل ما هو ممكن لتجنب الصراع وان صدام كان مخطئاً.
جورج بوش
"صباح يوم آب اغسطس كنا باربرا وأنا ما نزال في السرير نقرأ الصحف عندما وصل برنت قبيل الساعة الخامسة. وقد اطلعني، وهو يبدو منهكاً، على ما تبين من تفاصيل الغزو والمناقشات التي اجراها في الليلة السابقة. كانت قصة العراق الرسمية هي انه دخل تحت ذريعة ان انقلاباً قد حدث وان "قادته" طلبوا، زاعمين انهم الحكومة الشرعية في الكويت، مساعدة العراق. كانت خياراتنا المباشرة محدودة. اذ لم نكن قد تلقينا رسمياً طلب مساعدة من الكويتيين او السعوديين بعد، ولكن كان من المهم ان نبدي دعمنا فوراً. أمرت سفننا الحربية التي كانت مستنفرة اصلاً في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي بالتوجه الى الخليج. وكانت حاجتنا التالية هي ارسال قوات جوية الى المنطقة. شرح برنت ان بوب كيميت يتصل فعلاً بالسعوديين للحصول على موافقة على ارسال سرب من طائرات "ف - 15". وقد سلمني امراً تنفيذياً يقضي بتجميد ارصدة العراق والكويت في الولايات المتحدة. وقعته. كان بوسعنا على الاقل اتخاذ بعض الاجراءات الاقتصادية.
بعد الاستحمام، توجهت الى المكتب البيضاوي. في الساعة 30:6 اتصل توم بيكيرنغ هاتفياً ليعطي تقريراً عن اجراءات مجلس الامن الدولي. كان، مثل برنت، مستيقظاً طوال الليل يعمل على وضع تفاصيل قرار مع الكويتيين واعضاء المجلس الآخرين. وفي حلول الصباح، كان المجلس قد صوت بموافقة 14 مقابل صفر على قرار مجلس الامن الدولي الرقم 660، الذي ندد بعدوان العراق وطالبه بسحب قواته من الكويت، وطالب بتسوية النزاع عن طريق المفاوضات. وشعرت بخيبة امل وقلق لأن اليمن، جار المملكة العربية السعودية، امتنع عن التصويت، ربما محاولاً كسب ود العراق. كنت اعرف الرئيس علي عبدالله صالح ولم اشعر بأن من الممكن ان يقف بتهور الى جانب صدام. ومع ذلك، فقد كان اجراء الامم المتحدة نبأ طيباً. لقد ايدنا السوفيات، وكانت تلك الخطوة الاولى في بناء معارضة …".
"لم اشأ ان تتضمن تعليقاتي العلنية الاولى تهديداً باستخدام الجبروت العسكري الاميركي، لذلك قلت انني لا افكر في التدخل، وانني حتى لو عرفت اننا سنستخدم القوة فلن اعلن ذلك في مؤتمر صحفي. والحقيقة انه لم تكن لدي في تلك اللحظة فكرة عما هي خياراتنا. كنت اعلم يقيناً ان العدوان لا بد من وقفه، وان سيادة الكويت يجب ان تستعاد. كانت امامنا مهمة كبيرة هي تشكيل الرأي العام في الداخل والخارج وما كان في وسعنا تحمل كلفة اخطاء تعكس ولعاً بالقتال في البداية. والامر الذي املت بتوصيله هو اننا متفتحو العقل في شأن الكيفية التي قد نعالج بها الوضع الى حين إلمامي بكل الحقائق".
برنت سكوكروفت
"فسر البعض قول الرئيس انه لا يفكر في التدخل بأنه دليل على انه مذعن وغير حاسم في شأن مفهوم عمل اي شيء في شأن الغزو العراقي، الى ان قامت مارغريت ثاتشر بپ"تقوية عموده الفقري" في اجتماعهما في وقت لاحق من ذلك اليوم. لقد اختيرت كلماته مراعاة لفكرتين: الاولى، عدم قول اي شيء في هذه المرحلة المبكرة يمكن ان يكشف تفكيره. والثانية، توضيح ان اجتماع مجلس الامن القومي لم يكن جلسة اتخاذ قرارات وانما مناقشة للوضع وخيارات الرد …".
يعرض الكتاب بعدئذ ما دار في اجتماع مجلس الامن القومي الاميركي. تحدث المجتمعون عن ردود الفعل العالمية على الغزو العراقي للكويت. "لا أحد يدعم العراق". طلبوا من السوفيات والفرنسيين والايطاليين وقف شحنات الاسلحة الى العراق. "لم ترد تقارير عن حصول أذى لأي من المدنيين الاميركيين ال 3800 وموظفي السفارة الاميركية في الكويت ال 130، او ال 500 أميركي وال 42 موظفاً في سفارتنا في بغداد". اقترح نيكولاس بْريدي قطع تدفق النفط العراقي والكويتي.
قال الجنرال نورمان شواترزكوف، القائد العام للقيادة المركزية الذي دعي الى الاجتماع ان السفن الحربية الاميركية الموجودة في الخليج يمكن ان تضرب بعض الاهداف في غضون ساعات، لكن اعداد قوة اكثر تنوعاً سيستغرق بضعة ايام. هناك طائرات "أف-15" و"أف-16" على أهبة الاستعداد، ويمكن نشرها للدفاع عن المملكة العربية السعودية، غير ان هذا يتطلب موضعتها هناك. "وحتى الآن قال السعوديون لا".
ويروي الكتاب: "اضاف شوارتزكوف ان هناك ايضاً خطة تم التدرب عليها للدفاع عن منطقة النفط السعودية، باستخدام قوات في المنطقة، وعبر عن ثقته بأن بوسعنا ان نفشل هجوماً عراقياً هناك. اما اذا أردنا حملة جوية ضد العراق نفسه، فسنحتاج الى قوات اكثر بكثير ووقت اطول. وقال اننا نواجه اكثر من مليون جندي عراقي. وسيستغرق نشر طائرات كافية وناقلات طائرات مع سفن حربية نحو عشرين يوماً".
ويقول الكتاب ان سكوكروفت اقترح في اجتماع مجلس الامن القومي ذاك إغلاق خطي انابيب النفط العراقي عبر تركيا والمملكة العربية السعودية وضرورة فرض حظر على مشتريات النفط الكويتي والعراقي. سأل الرئيس بوش عن العقوبات الاقتصادية الدولية بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وقال بوش: "العقوبات الدولية ستوفر لنا غطاءً امنياً. ستعطي المملكة العربية السعودية مقداراً من الصلابة وتجعل الآخرين يتخذون خطوات متشددة، مثل اغلاق خط الانابيب".
أراد الرئيس بوش اقناع السوفيات ب "شيء ايجابي مثل بيان مشترك" يدين الغزو العراقي وقال في الاجتماع ان "الخطوة التالية هي في الامم المتحدة ومجلس الامن. في نيويورك يجب ان نلح في ممارسة الضغط على المملكة العربية السعودية والآخرين… فلنعمل على انجاز العقوبات الاميركية قبل الظهر".
يروي سكوكروفت انه استاء من اللهجة التي اتسم بها النقاش في مجلس الامن القومي، خصوصاً من اولئك الذين مالوا ال التركيز على تأثر اسعار النفط. وبعد الاجتماع ركب هو والرئيس بوش الطائرة الى كولورادو. وكان من المقرر ان يلقي بوش خطاباً في آسبين يحدد فيه استراتيجية عسكرية جديدة استجابة لانحسار الحرب الباردة. وتابع وهو في الطائرة تطورات الوضع في الخليج فيما كان يدخل تغييرات في خطابه.
ويقول سكوكروفت: "خلال مناقشة التغييرات في خطابه، اتضح لي ان الرئيس كان مستعداً لاستخدام القوة لاخراج صدام حسين من الكويت اذا صار ذلك ضرورياً، على رغم انه لم يقل ذلك بصراحة".
جورج بوش
"استغليت الوقت على متن طائرة الرئاسة لمعرفة مواقف الزعماء الاجانب. اتصلت بحسني مبارك والملك حسين، اللذين صادف انهما كانا معاً في الاسكندرية، في مصر. وكانا كلاهما منزعجين بسبب الوضع.
الملك حسين
قال لي الملك حسين انه على وشك التوجه الى المملكة العربية السعودية والعراق. واضاف: "انني ارجوك فعلاً، سيدي، ان تبقى هادئاً. اننا نريد التعامل مع هذه المسألة في نطاق عربي، وان نعثر على سبيل يعطينا الاساس لمستقبل افضل". قلت للملك ان العالم لن يقبل بالوضع الراهن الآن، وانه وضع غير مقبول بالنسبة الى الولايات المتحدة. واضفت: "انني متأكد من ان صدام حسين يعلم ذلك، ولكن بامكانك ان تقول له ذلك نيابة عني". ورد الملك بالقول ان العراق "مصمم على الانسحاب في اقرب وقت ممكن، ربما في غضون ايام"، ووعد بالضغط من اجل ذلك.
شرح مبارك انهما يحاولان العثور على حل لانسحاب لا يؤدي الى "ازاحة" الحكومة الكويتية. وقال: "جورج، اعطنا يومين لنعثر على حل". اخبرته بالاجراءات الاقتصادية التي اتخذناها. وقلت: "الاستثناء الوحيد، بالطبع، هو توجيه تهديدات الى الاميركيين - ان هذا سيكون وضعاً جديداً تماماً". أيّد حسني العقوبات مع انني لم أثر القضية تحديداً. قال: "سأكلم صدام حسين الآن. انا ايضاً على اتصال مع السعوديين".
قلت: "هذا مهم جداً. من فضلك قل لصدام حسين ان الولايات المتحدة قلقة جداً بسبب عمله. اننا قلقون جداً من ان قوى اخرى ستفلت - انت تعلم ما يعنيه هذا، يا صديقي. قل لصدام ذلك ان شئت". قال حسني انه سيفعل، والا فان هذا انفلات قوى اخرى سيكون كارثة اكبر. قلت: "سأصلي من اجلك".
برنت سكوكروفت
"كنت حذراً من "حل عربي"، خائفاً من انه قد ينتهي بحل وسط مع صدام. كان الامر معضلة حقيقية. اذا رفضنا اعطاء وقت لتسوية عربية محتملة، فان من الممكن ان نثير نفور افضل اصدقائنا فيما نحن نحتاج اليهم اشد الحاجة. ولكن اذا أذعنا، وخرج العرب بحل وسط، فكيف يمكننا ان نرفضه؟"
ثم يقول بوش: "وصلت الى بيكر على خط الهاتف في منغوليا واستعرضنا جهودنا مع السوفيات. قال جيم انه سيعود الى موسكو ليحاول التوصل الى بيان مشترك كان يقوم باعداده فعلاً روس وزويليك يندد بعمل العراق ويدعو للانسحاب من الكويت.
أُتيحت لي الفرصة للتحدث مع مارغريت ثاتشر في صالة سفيرنا لدى بريطانيا العظمى، هنري كاتو، الذي كان له بيت في آسبين. نظرنا، مارغريت وأنا، الى الوضع بطرق متشابهة الى حد عجيب، اعتقد انه كان مطمئناً في صورة متبادلة. اخبرتها بالبيان الاميركي - السوفياتي الذي كنا نعمل لاصداره، وانني تحدثت الى مبارك والملك حسين. "كلاهما كانا سيتحدثان الى صدام وحضا على ان نبطئ خطانا - انهما بحاجة الى وقت. قلت ان من غير الممكن ان نقبل بالوضع الراهن. لا بد ان يكون الحل هو الانسحاب واستعادة الحكومة الكويتية". واضفت انني في صدد نقل حاملة طائرات مع مجموعة سفن حربية من دييغو غارسيا.
قالت مارغريت: "اذا انتصر العراق فان اي دولة صغيرة لن تكون آمنة. لن يتوقفوا عند هذا الحد. انهم يرون فرصة لأخذ نصيب كبير من النفط. لا بد من وقف ذلك. يجب ان نفعل كل ما هو ممكن". قالت انها ومجلس وزرائها يتحدثون عن عقوبات تجارية، ولكن هذا امر يجب على العالم كله ان يفعله. وتساءلت عما اذاكان العرب سيقومون بعمل ما، وما اذا كان السعوديون سيغلقون خط انابيبهم. واذا فعلوا، فماذا سيكون تأثير ذلك في سوق النفط؟ موقف السعوديين حاسم، ولا نستطيع عمل أي شيء من دونهم". حضت على ان نذهب في حلول الاثنين الى الامم المتحدة لنطلب عقوبات. اضافت ان "الملك حسين لم يكن مساعداً. قال لي ان الكويتيين كان يجب ان يتوقعوا ما حصل - انهم غير محبوبين جداً. لكنه وافق على مضض على ان يضغط على صدام...". وقالت انها غير متأكدة من أين تقف سورية وايران.
قلت لها إن في وسع السعوديين ان يعوضوا عن النفط الكويتي والعراقي الذي قطعناه، وان ايران تبدي بعض اللفتات. وقلت: "ان أحد مخاوفي ان الاسرائيليين قد يقومون بعمل ما. هذا أمر يمكن ان يوحد العرب". عبرت مارغريت عن اعتقادها بأن المسألة كلها تعود الى تمرير العقوبات عبر مجلس الأمن. وقالت: "يجب ان نفوز في هذه الأزمة. ان فقدان النفط السعودي لطمة لا يمكننا تحملها... لا يمكننا ان نستسلم لحكام ديكتاتوريين. و لا يمكننا ان نُنْجِح حظراً نفطياً من دون حصار".
حوالى الساعة الثانية، خرجت أنا ومارغريت الى باحة مرصوفة لعقد مؤتمر صحافي. نددنا بعدوان العراق ودعونا الى حل سلمي، بانسحاب القوات العراقية وعودة القيادة الكويتية الى السلطة. وضعت يدها على أهم نقطة - ما إذا كانت دول العالم تملك الإرادة الجماعية والفعالة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن وفرض الانسحاب وإعادة القيادة الكويتية الى السلطة. ويتوقف على الزعامة الاميركية ضمان حدوث ذلك.
مكالمة مع الملك فهد
اتصلت هاتفياً بالملك فهد من غرفة نوم كاتو في وقت لاحق من بعد ظهر ذلك اليوم، وكان جهاز الهاتف على حافة السرير وبرنت يحوم فوق كتفي. لن يكون هناك غنى عن المملكة العربية السعودية في أي تحركات عسكرية قد نجريها، وقد تكون هي نفسها في خطر. في تلك المرحلة لم نكن نعرف هل ستتوقف القوات العراقية عند الحدود السعودية. كانت مكالمة مشحونة بالعواطف. وكان الملك منفعلاً وجهد المترجم لمجاراته.
شرح فهد كيف حاول حل الخلافات العراقية - الكويتية قبل تسديد العراق الضربة وان الجانبين كليهما عبرا عن استعداد لاجراء محادثات. بل أكد صدام للسعوديين ان "لا مصلحة له في مهاجمة الكويت". وأضاف الملك غاضباً ان صدام فعل العكس "لأنه مغرور. انه لا يدرك مضامين أفعاله ويخل بالنظام العالمي. يبدو انه لا يفكر إلا بنفسه. انه يتبع هتلر في خلق مشكلات عالمية - مع فارق ان واحداً كان مغروراً وواحداً مغرور ومجنون معاً. اعتقد ان لا شيء سينفع مع صدام سوى استخدام القوة".
قال انه ذكَّر صدام بأنه خلال القمة العربية في بغداد اقترح الزعيم العراقي معاهدة عدم اعتداء بين البلدين، وان يتفقا على عدم التدخل كل منهما في شؤون الآخر. وقال الملك: "محادثتي معه اليوم كانت حازمة وقوية. وطلبت منه ان ينسحب من الكويت الآن، وقلت اننا لن نعتبر أي نظام حكم مفروض ممثلاً للرأي العام الكويتي أو الرأي العام العربي".
كان صدام قد طلب عقد محادثات مع السعوديين، وتكهن الملك بأنه قد يمكن عمل شيء ما للعثور على حل. وأعلن: "قلت له انني اعتبره مسؤولاً عن سلامة جميع الناس في الكويت - كويتيين أم لا".
قال الملك فهد انه على استعداد للاجتماع بمبعوث صدام، الذي كان من المقرر ان يصل في اليوم التالي، ولكن على صدام ان يفهم انه لا بد من سحب القوات العراقية. وقال بلهجة حازمة: "الحل الوحيد الآخر هو استخدام القوة. السيد الرئيس، هذه مسألة جدية للغاية وخطيرة. انها تتعلق بمبدأ لا يمكن قبوله أو التغاضي عنه حسب أي مبدأ معقول أو اخلاقي". كان مبارك قد اقترح عقد قمة عربية في اليوم التالي، واعتبر الملك ان تلك فكرة ممتازة. قال: "آمل بأن يمكن حل هذه المسائل في صورة سلمية، وان لم يكن ذلك ممكناً، فيجب تلقين صدام درساً لا ينساه لبقية حياته - إذا بقي حياً".
سألت ان كانت العائلة الكويتية المالكة سالمة فأكد لي ان الحال كذلك. علمنا لاحقاً ان الأخ الأصغر للأمير قرر ان يصمد ويقاتل. وقد قتل على درجات أحد القصور. قال ان الأمير لم يكن امامه سوى نحو خمس دقائق لينجو، وان وزير الخارجية كاد ان يقع في الأسر. ثم أجملت ما كنا نقوم به. عرضت عليه سرب طائرات "أف - 15"، لكنه طلب مناقشة ذلك الخيار أكثر.
قرع تردد الملك فهد أجراس إنذار في رأسي. بدأت أقلق من ان السعوديين ربما كانوا ينظرون في حل وسط، وانهم قد يقبلون بالوضع الراهن الجديد على حدودهم الشمالية اذا كانت هناك ضمانات من العراق. هناك ميل عربي تاريخي الى محاولة عقد "صفقات". ومع اننا كنا نعرف السعوديين معرفة جيدة ونثق بهم، إلا أننا لم نستطع ان نكون متأكدين تماماً من النهج الذي سيتبعونه. وفي تلك الساعات الباكرة من الأزمة، ومع حصول أمور كثيرة، كان لا مفر لي من ان أتساءل عما اذا كانوا قد يميلون، تحت ضغط، الى التوصل الى ترتيب من نوع ما وراء الستار مع صدام. ولا أعرف حتى ما إذا كانوا فكروا في ذلك، لكن تمنع الملك عن قبول طائرات اقلقني. ولم يكن في مقدورنا ان نبذل جهداً بمفردنا في الشرق الأوسط. كان لا بد لنا ان يكون حلفاؤنا العرب معنا، خصوصاً أولئك الذين كانوا الأشد تعرضاً للتهديد - السعوديين".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.