أثار قرار "طيران الامارات"، الخطوط الدولية لدولة الامارات العربية المتحدة، شراء ست طائرات من طراز "إي. 500-340"، مع حق شراء عشر طائرات إضافية، بقيمة اجمالية تبلغ 4.2 بليون دولار، اهتمام العاملين في صناعة النقل الجوي نظراً إلى المدلولات التي حفل بها القرار، والذي يتناقض في جوانب كثيرة منه مع الاتجاهات السائدة في السوق الاقليمية. وتعتبر الصفقة الضخمة التي أبرمتها "الامارات"، في الثامن من الشهر الجاري، على هامش معرض "فانبره 98"، أكبر صفقة لناقلة عربية السنة الجارية. إلا أن تساؤلات كثيرة تثور حول امكان تنفيذ العقد، الذي يعني تزويد الشركة أسطولاً ضخماً من الطائرات البعيدة المدى، التي يتيعن تشغيلها على الرحلات إلى استراليا وجنوب افريقيا والأميركيتين. واكد رئيس شركة "طيران الامارات"، رئيس دائرة الطيران المدني في دبي، الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم في تصريح إلى "الحياة" علّق فيه على الصفقة، أن الهدف هوزيادة سعة الأسطول وتوسيع نطاق الشبكة التي قال إأنها "ستواصل التوسع في شكل مضطرد خلال السنوات المقبلة". وأفاد أن عوامل عدة تحكمت في اتخاذ القرار منها أن طائرات "إي. 500-340" هي "الأكثر ملاءمة سواء بالنسبة الى المسافة التي تقدر على قطعها، أو بالنسبة إلى غياب القيود المتعلقة بمواعيد الإقلاع وإمكان استخدامها بمرونة في أي وقت وأي درجة حرارة خارجية". ويسع طراز "اي0 500-340" 313 مقعداً، ويصل مداه إلى 7.15 ألف كلم، وهو أطول مدى يمكن لأي طائرة نقل تجارية في العالم أن تبلغه. أما طراز"اي. 600-340"، فيصل مداه إلى 9.13 ألف كلم وسعته إلى 390 راكباً، وتبلغ كلفة مشروع تطوير طرازي "اي. 500-340" و"اي. 600-340"، نحو 5.2 بليون دولار. وبدأ المشروع في نهاية 1997، وتم تحديد ملامح الطراز الجديد وقص ألواح الأجنحة، في تموز يوليو الماضي. ومن المنتظر أن يتم في العامين المقبلين تجميع أول طائرة تجريبية من هذا الطراز، على أن يجري تجريب محركاتها من طراز "ترنت 500" التي تصنعها "رولز رويس" في ربيع العام المقبل. وسيشرع في انتاج الطرازين عام 2001، وبفارق خمسة أشهر بينهما، وذلك عقب حصولهما على شهادات الطيران من الهيئات الفيدرالية الأميركية والأوروبية. وأكد مسؤول العلاقات العامة في "ايرباص" ديفيد فيلابولاي، في تصريح إلى "الحياة"، أنه واثق أن "الامارات" ستذهب قدماً في تنفيذ العقد المبرم، وأن الأمر ليس عملية دعائية بل يتعلق بالتزام جدي تجاه الطراز الجديدالذي يتم بناؤه. توقعات وتقديرات وتلجأ شركات تصنيع الطائرات عادة، لدى الشروع في تطوير طراز جديد، إلى ابرام صفقات بيع ضخمة مع شركات النقل الجوي، لا سيما الناقلات الكبيرة أو تلك التي تتمتع بسمعة جيدة في السوق. والهدف من هذا الأمر الايحاء بأن هناك إقبالاً على الطراز يبرر صرف أموال كبيرة عليه في أعين مجلس الادارة وأعين المصارف المقرضة. كما أن الظاهرة تشجع بقية الناقلات المتلكئة ومجالس إداراتها على اعتماد الطراز الجديد. أما بالنسبة إلى الناقلات الجوية فهي تعزز سمعتها في سوق الطيران وتوحي للمصارف والمؤسسات المالية ولمجلس إداراتها أنها واثقة من النجاح والتوسع، وعلى اعتبار أن "الحديث عن النمو المتوقع هو دائماً أمر إيجابي". وسبق أن أبرمت ناقلات عربية اتفاقات، لم تلبث أن نقضتها، مع مصنّعي الطائرات الأوروبيين والأميركيين قبل أن تصل طرازاتهم الجديدة إلى المرحلة النهائية التي تحصل معها على تراخيص الطيران. ويزداد احتمال نقض صفقات من هذا القبيل مع ميل الأوضاع في الشرق الأوسط إلى التعرض لتأثيرات الركود الذي ضرب الاقتصاد العالمي، لا سيما قطاع الخدمات وهو قطاع يدرج النقل الجوي في عداده. واعترف فيلابولاي بمخاطر التراجع الذي قد تشهده سوق الطلبيات في العالم العربي، حيث تهيمن "ايرباص" بقوة على سوق الطائرات الجديدة. وقال: "نتوقع، كما حدث في حرب الخليج، أن يحدث انخفاض في حجم الطلب على الطائرات الجديدة، ولكن بعد فترة معقولة من الوقت تراوح بين خمس وعشر سنوات، سيكون التأثير صفراً، لأن متوسط العدد الاجمالي للطائرات المباعة لمجموع الفترة برمتها سيكون متوسطاً جيداً". وأضاف "لدينا تجربة ماثلة في آسيا حيث هناك شركات طيران ليست الآن بحاجة إلى طلبيات جديدة، لأن معدلات الحركة لم تزد. لكن، وبعد انتهاء الأزمة الحالية ستصدر طلبيات جديدة إضافية تعيد التوازن إلى متوسط طلبيات الفترة برمتها". أما مدير العلاقات الدولية في شركة "بوينغ" بوب سايلينغ فقال ل "الحياة" إن شركته تتوقع حدوث نمو في حركة النقل الجوي في منطقة الشرق الأوسط "في شكل يفوق معدلات النمو الأخرى في العالم، خلال العشرين عاماً المقبلة. ومن أجل الاستجابة لهذا الطلب نتوقع أن تتسلم شركات الطيران في المنطقة زهاء 500 طائرة جديدة خلال هذه المدة". ولا تنفي التقديرات البعيدة المدى التي ترغب في تجاهل الانكماش الحاصل على المدى القصير. كما أنها لا تمنع إثارة خطة "الامارات" لتوسيع أسطولها، بعدما نمت لتكون في عداد أكبر خمس شركات في العالم العربي، تساؤلات حول برنامج الناقلة الاماراتية الفتية البالغة من العمر 13 عاماً، ذلك أنها تسير عكس التيار السائد في السوق الاقليمية والقائم على أساس الترشيد وخفض الأكلاف الرأسمالية. توسع لافت وكانت الشركة الخليجية وقعت مطلع الشهر الجاري، وفي وقت متزامن مع صفقة الايرباص، عقد شراء تأجيرياً مع شركة "سنغابور ايركرافت ليزينغ انتربرايز"، بقيمة 300 مليون دولار، تتملك بنهايته طائرتي "بوينغ 300-777". وينتظر أن تدخل الطائرتان الجديدتان، قبل نهاية عام 1999، الخدمة في أسطول "الامارات"، الذي يضم حالياً سبع طائرات من طراز "بوينغ 777"، والذي ينتظر أن يتسلم السنة الجارية طائرتين إضافيتين من الطراز نفسه، سبق أن أوصت عليهما الناقلة. ويعني هذا الأمر أن 11 طائرة من هذا الطراز ستكون في عداد أسطول "طيران الامارات". ويترافق التوسع في حجم الأسطول مع توسع مماثل في مرافق مطار دبي الدولي الذي يعتبر نقطة انطلاق عمليات "الامارات". وقال الشيخ أحمد آل مكتوم إنه يتوقع أن يتجاوز حجم حركة النقل في مطار دبي الدولي، السنة الجارية، 2.10 مليون مسافر، في مقابل 2.9 مليون السنة الماضية، وثمانية ملايين راكب عام 1996. وكانت إمارة دبي شرعت، منذ ثلاثة أعوام، في خطة طويلة الأمد، لتحديث وتطوير مطارها الدولي، الذي يستقبل رحلات زهاء 90 شركة طيران من مختلف أنحاد العالم، ويعتبر أكبر مطار ترانزيت في الشرق الأوسط. وبوشر وضع التصاميم الأولية للتوسعة الثانية في المطار الدولي، والتي تقدر كلفتها بنحو 550 مليون دولار. وأعلنت دبي أن بناء المرحلة الثانية سيرفع كلفة المشروع الإجمالية إلى أكثر من 2.1 بليون دولار. ويرتبط رفع سعة الأسطول بنمو حقيقي لمستوى تشغيل الطائرات، إن على صعيد نقل الركاب أو البضائع. وتوقع رئيس "الامارات" أن تواصل صناعة النقل والشحن الجوي في دبي النمو على مدى الأعوام المقبلة، مشيراً إلى أهمية مشروع توسيع منشآت التخزين في قرية دبي للشحن، الذي وصفه بأنه أحد المشاريع الأساسية التي ستساعد دبي على تطوير مكانتها الاقليمية في تجارة إعادة التصدير التي اشتهرت بها على مدار الأعوام السابقة. كما توقع أن تواصل حركة الشحن الجوي النمو، خلال السنوات العشر المقبلة، بالوتيرة نفسها التي عرفتها في الأعوام الأخيرة، والبالغة 15 في المئة. ولفت إلى أن نمو اقتصاد دبي، والسعي إلى تخفيف الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، مع زيادة الاتجاه نحو الصادرات، يؤثران ايجاباً على نمو صناعة النقل الجوي في دبي، ويفترضان تطوير المطار ومرافق استقبال الركاب والشحن فيه، لجذب الشركات العالمية وجعلها نقطة ارتكاز لعملياتها التشغيلية بين الشرق الأقصى وأوروبا. صفقة الطائرات لكن هذه الدوافع لا تمنع أن قرار شراء طائرات "اي 500-340" لا يتماشى مع الاتجاه الذي يسير عليه أغلب الناقلات العربية والخليجية، التي اكتفت بابرام اتفاقات تبادل رموز مع شركات طيران دولية، من دون الحاجة إلى فتح محطات أو تسيير رحلات طويلة المدى. وقال الشيخ أحمد إن استراتيجيات النموتقتضي توليد خدمات تتميز بها شركات الطيران الراغبة في المنافسة، مشيراً إلى أن "المسافر سيفضل بعد اربعة وخمسة أعوام أن يكمل رحلته مباشرة من دون التوقف في أي محطات وسيطة أو تغيير طائرته". ومن المنتظر أن تتسلم "طيران الامارات" أول ست طائرات من عقدها المؤكد المبرم مع "ايرباص" في خريف عام 2002، على أن تكتمل عملية التسليم خلال عام. وستجهز كل طائرة ب280 مقعداً، وفق توزيع الدرجات الثلاث. وقال رئيس "طيران الامارات" إن الطائرات الجديدة لا يمكن أن تعمل إلا على رحلات طويلة تقتضي تشغيلها اثنتي عشرة ساعة متواصلة، ليكون استخدامها مجدياً. واعتبر أن "الوجهات الوحيدة الممكنة ستكون استراليا أو أميركا الشمالية، أو حتى الجنوبية". ونفى أن يكون التوسع الذي تقوم به "طيران الامارات" مبالغاً فيه، ويفوق قدرتها على التوسع بل يستجيب لطلب السوق. واعتبر ان الناقلة الاماراتية ستكون لدى انتهاء1998 ثاني ناقلة جوية في منطقة الخليج على صعيد السعة المقعدية وعدد الطائرات بعد "الخطوط السعودية". واشار الى ان "طيران الامارات" ستستفيد من علاقاتها المميزة مع شركة"ايرلانكا" السيرلانكية التي اشترت فيها حصصاً وحصلت على حق إدارتها. وتسيّر الشركة اربع رحلات حالياً، كل اسبوع، الى مدينة ملبورن الاسترالية ضمن اتفاق محلي أُبرم مع السلطات المحلية للولاية التي تتبع لها المدينة. وقال الشيخ احمد بن سعيد: "نطمح إلى تسيير 21 رحلة اسبوعياً الى استراليا على اساس تشغيل رحلة يومياً الى كل من بريسبن وسيدني وملبورن، ولكننا سنكتفي في الوقت الحالي برفع عدد رحلاتنا إلى ملبورن إلى سبع رحلات أسبوعياً بنهاية السنة الجارية". ومن شأن هذا التوسع ان يحول "الامارات" الى منافس قوي للناقلات الجوية الآسيوية الاخرى التي كانت حتى الآن تشكّل جسر العبور الرئيسي للمسافرين بين اوروبا والخليج من جهة واستراليا ونيوزيلنده من جة ثانية. إلا أن التحالفات التي أبرمت بين عدد من الشركات الدولية الآسيوية والناقلات الغربية قد يدفع ب"طيران الامارات"، التي لم تدخل بعد مجال التحالفات الدولية، إلى خوض غمار التجربة. ويعتقد الشيخ أحمد آل مكتوم ان "طيران الامارت" تملك كل المؤهلات لتكون ناقلة رسمية لدولة الامارات. وقال: "دورنا يصبّ في خدمة حركة التجارة كما اننا ساهمنا في جعل حركة السياحة تتخذ شكلاً منتظماً اكثر"، مؤكداً أن شراء طائرات "إي. 500-340" يخدم هذا الهدف. مجموعة الامارات وعن الأنشطة الاخرى التي تضمها "مجموعة الامارات" في قطاع النقل الجوي والترفيه اشار الى ان المجموعة تملك وكالة مناولة في كراتشي منذ اربع سنوات. وقال: "نحاول الدخول في لبنان في شراكة مع "تي. أم. أيه" في عمليات مناولة الشحن الجوي. وقاربنا توقيع اتفاق لشراء حصة من شركة "ايرلانكا" السيرلانكية. اما بالنسبة الى الفنادق فلدينا منتجع "المها" الذي يُبنى في الصحراء بكلفة 12.5 مليون دولار والذي يشكّل منتجعاً بيئياً رائداً ونتوقع ان يكون مربحاً وان يقدم دعماً للقطاع السياحي في امارة دبي سيما وانه لا مثيل له في كامل دولة الامارات".