تركي صقر الإعلام العربي وتحديات العولمة وزارة الثقافة، دمشق 1998 240 صفحة دراسة الدكتور تركي صقر الجديدة تحاول الاجابة عن اسئلة التحدي الكبير الذي تطرحه التقنيات الهائلة لوسائل الاتصال الحديثة، التي تفرض بالضرورة "جولة أبحاث في مسألة الإعلام العربي واقعاً وطموحاً، مشكلاته وأزماته، تخلفه وجموده وآفاق تحريكه وتفعيله ليكون في مستوى المضمون والأسلوب والهدف المنشود لمعركة طويلة واحدة تتصارع فيها العقول والأدمغة بيننا وبين عدو برع في استخدام هذا السلاح منذ زمن طويل وتمرّس في استحواذه عالمياً"، فمنطلق الدراسة في أساسه قراءة الوقائع الإعلامية على مستوى العصر كله، وقراءة موقع الإعلام العربي خلالها، ومن ثم مواجهة العولمة في هذا الصعيد من خلال واقع إعلامي عربي جديد، لا يكتفي برفضها سلبياً، بل يجتهد أن يكون جزءاً فاعلاً من حياة إعلامية كونية لا تنفصل ولا تنعزل، لأن في الانفصال والعزلة خسارة المعركة كلها. تتناول الدراسة في فصولها الأولى موضوعات "تمهيدية"، تندرج تحت عناوين لها صلة بتطور الإعلام وتطور أدواته ووسائله، ومن ثم تنامي تأثيراتها في حياة البشر والشعوب، على أصعدة التنمية والوعي السكاني والترشيد الاستهلاكي، الا ان جوهر هذه الدراسة يبدأ من الفصل السادس في "تشخيص المسألة الإعلامية في الوطن العربي"، حيث يشير المؤلف الى اتهامات يكيلها البعض للإعلام العربي ب "المحدودية وأنه يعبر عن وجهة نظر النظم القائمة، وان الإعلام العربي لا يتسم بالموضوعية والديموقراطية". هنا لا يدافع المؤلف عن واقع الإعلام العربي ولكنه يرفض فكرة اللجوء للإعلام الغربي فيقول: "لا نريد أن نبريء الإعلام العربي وندافع عن أخطائه، لكننا سنشير الى أن الإعلام الغربي لم ولن يكون البديل، خاصة إذا علمنا أن معظم وسائل الإعلام العالمية الواسعة الانتشار يديرها كارتلات صهيونية ضخمة بدءاً بامبراطورية روبرت مردوخ التي تملك معظم الوسائل الإعلامية في الولاياتالمتحدة واستراليا وبريطانيا وصولاً الى امبراطورية اليهودي ماكسويل"، كما يشير في مكان آخر من الكتاب الى أن "وكالات الأنباء الأربع الكبرى/ رويتر والفرنسية والاسوشيتدبرس واليونايتدبرس/ في العالم تحتكر 90 في المئة من الأخبار العالمية وكلها غير عربية، وهذه الوكالات لها مصادر وشبكات هائلة من بنوك المعلومات والتمويل المادي الهائل في عصر التقدم التقني الذي لم يرق إليه العرب حتى الآن رغم الامكانات المتوفرة لديهم". يشير صقر الى الواقع الإعلامي العالمي بالقياس الى فاعلية دور كل طرف إذ "عندما لا يستطيع صانع القرار، عداك عن المواطن العادي أن يتخذ قراره بمنأى عن طيف وتأثيرات الجهاز الإعلامي الأكبر في العالم وهو شبكة C.N.N ولا عن تأثيرات وطيف النظام البنكي العالمي فإن عمليات الاخضاع هذه تقود بالضرورة الى الهدف المرسوم ألا وهو التبعية الإعلامية والتبعية الاقتصادية"، حيث يعتبر المؤلف أن "الأهم في عالم اليوم وفي ولادة هذا النظام العالمي الجديد، ظهور النظام الإعلامي العالمي الذي يدور حول المنظومة الإعلامية الأميركية المتمثلة أكثر ما يكون بنموذج شبكة C.N.N وبوسيلة الماركت، السوق الاقتصادية العالمية التي تتحكم بها الولاياتالمتحدة، من خلال النظام البنكي". وفي هذا الميدان يشرح المؤلف واقع البث التلفزيوني الفضائي العربي في مواجهة الفضائيات الأميركية التي تفرض سيطرة على الآخرين بما يجعل الحضارة الانسانية ذاتها تحت هيمنة قطب واحد، فيرى أن الأسباب الحقيقية لظهور العولمة تنقسم الى ثلاثة عوامل: أ - العوامل السياسية وأهمها غياب الاتحاد السوفياتي ومن ثم هيمنة القطب الواحد الأميركي وانفتاح السوق العالمي مع انتشار تحرير التجارة الدولية. ب - العوامل الاقتصادية وأهمها ظهور أنواع من الشركات المتعددة الجنسية التي تطور عددها من 200 شركة الى 40 ألف شركة، وان "ما يقارب 1000 شركة متعددة الجنسيات، عملاقة تتحك بالاقتصاد العالمي، وتملك ما لا يقل عن 12.5 بليون دولار سنوياً، وبدا الاقتصاد العالمي الذي هو أساس قوة النظام الدولي الجديد قسمين، قسم عبارة عن منطقة جغرافية والثاني منطقة غير مرئية لا يعرف لها مكان لأنها بلا حدود ولا جمارك ولا جيوش، وهي الشركات المتعددة الجنسيات التي تسيطر على نصف الانتاج العالمي"، وما يميز النظام الدولي الجديد شيئان "سوق عالمية ونظام إعلامي عالمي". ج - العوامل الإعلامية حيث يرى المؤلف ان "قدرة ثورة الاتصالات على خلق أسلحة بين الدول الغنية للتعامل مع دول العالم الأخرى يجعل هذه الدول الغنية تعمل في طريق انتشار ثقافة معينة يكون حاملها صاحب أو مالك وسيلة الإعلام الأقوى بحيث يمكن اشاعة ثقافة جماهيرية واحدة وبقوالب محددة، مسبقة الصنع عمودها الفكري الاستهلاك والتصنيع". أما في الموقف من العولمة فيرصد ثلاثة مواقف بحيث يدعو الأول "الى التسليم بهذه الظاهرة على أنها قدر محتوم"، ثم الثاني الذي "يدعو للرفض التام ومقاومة العولمة بكل الوسائل والسبل ومحاربة اتجاهاتها وتبيان مخاطرها، وانها لا تحمل سوى السلبيات. وأما الموقف الثالث والذي يميل إليه المؤلف فهو الذي "يدعو الى التمسك بالهوية القومية مع التجديد وتطوير الخصوصية، دون اندماج هيكلي تابع للدول المهيمنة، أي النظر بعلمية لهذه الظاهرة والافادة من معطياتها، وتحويلها الى موقف لصالح مصالح الشعوب وليس موقفاً مضاداً لمصالحها". يثير صقر في دراسته "الإعلام العربي وتحديات العولمة"، نقاشات لأطروحات مثل نهاية التاريخ عند فوكوياما، أو صدام الحضارات كما عند هانتنغتون ويركز على موضوعة تأثيرات العولمة على حقائق الصراع العربي - الاسرائيلي. دراسة طابعها الأساسي السجال الفكري الصحافي، الذي يعتمد قراءة الظاهرة في تجلياتها الإعلامية الدولية اليومية كما نراها في الصحف ونشاهدها في محطات التلفزة، وهو سجال تبرز ضرورته الراهنة بالنظر للوقائع الراهنة على الصعد العربية والدولية، الوقائع التي تجعل تجاهل ظاهرة العولمة، أو الهروب من مواجهة أسئلتها، مسألة غير ممكنة ولا تفيد، وحيث يترتب على العالم كله - والعرب بالذات - الانتباه الى الوقائع الجديدة ومحاولة التكيف الايجابي الفاعل معها، للوصول الى دور عربي فاعل ومميز في عالم اليوم.