خطا الرئيس محمد خاتمي خطوة كبيرة في جهده المستمر لتثبيت حدود "الدولة" في ايران، وفي رسم صورة هذه "الدولة" على المستويين الايديولوجي والسياسي. وقد يكون اعلان وزير خارجيته كمال خرازي، في الاممالمتحدة، تخلي الدولة الايرانية عن الموقف من سلمان رشدي، يوازي، ان لم يكن يفوق، اهمية مفهوم المجتمع المدني الذي يدير استناداً اليه شؤون البلاد. لا بل يرتبط الامران ارتباطاً وثيقاً. وامكن "التعرض" للفتوى الشهيرة التي اطلقها الخميني في 1989، بعدما شعر خاتمي بأن ايران "الدولة" باتت قوية بعد خطوات بناء المجتمع المدني وتقويته. واذا كان الجميع في ايران، وفي العالم، يعرف ان موضوع تطبيق الفتوى كان اداة في الصراعات الداخلية، فانها المرة الاولى التي تقدم فيها "الدولة" علناً على تمييز موقفها عن مرجعية الخميني. ويعني ذلك العزم على ابقاء الباب مفتوحاً، كما يكرر خاتمي باستمرار، امام كل الوان الرأي شرط احترام الاساس الحضاري والاسلامي للبلاد. وكان الجناح المعارض لخاتمي الذي يتشكل اساساً من رجال الدين المحافظين حقق بعض الاهداف لمصلحته في الصراعات الداخلية، خصوصاً في مجال إخضاع رجالات الرئيس الايراني وحاملي افكاره ل "القضاء الثوري" حيث القوة الطاغية للمرجعية. وستكون الردود على الموقف من الفتوى مقياساً دقيقاً لما يمكن ان تسفر عنه معركة انتخاب اعضاء المجلس الدستوري بعد فترة. ويبدو ان خاتمي الذي تميز حتى الآن بقدرة كبيرة على المناورة وعلى تقدير الموقف وموازين القوى، لم يكن ليقدم على الخطوة لولا معرفته بأن وقتها المناسب، هو الآن، وانه يمكنه الاستفادة منها استفادة كبيرة. فترسيخ الانفتاح على اوروبا، في ظل البطء في تحسن العلاقة مع اميركا سيساعد كثيراً في معالجة الازمة الاقتصادية، ومضاعفاتها، وهي الازمة التي تطحن الجيل الشاب الذي يستمد منه الرئيس الايراني شعبيته وقوته الانتخابية، من غير ان يعني ذلك ان احتمالات رد الخصوم عليه باتت قليلة. في موازاة ذلك، يأتي تأكيد الانفتاح على العالم، بعد التحسن الكبير في العلاقة مع الدول العربية، في الوقت المناسب لاستقطاب التأييد في ظل الاحتمالات المفتوحة لحرب مع افغانستان. واذا كان الرئيس الايراني لا يزال يكرر، كما فعل امس خلال العرض العسكري في طهران، ان بلاده تتمسك بالحل الديبلوماسي للأزمة مع "طالبان"، فإنه في الوقت نفسه يشدد على العزم في اللجوء الى استخدام القوة في حال الفشل. وفي هذا الموقف رسالة الى الداخل والى الخارج معاً. الى الداخل حيث تتصاعد الاصوات الداعية الى الحرب والانتقام، مع كل ما يعنيه ذلك من دفع النزاع الايراني - الافغاني من مجرد خلاف بين دولتين متجاورتين الى انقسام خطير في العالم الاسلامي. والى الخارج حيث تزداد الاصوات المتفهمة والمؤيدة للسياسة الايرانية الحالية. وعندما يستنجد خاتمي بالمجتمع الدولي "لمعاقبة الجماعة الرجعية التي تقهر" افغانستان، فإنه يسعى الى نقل مرجعية خيار الحرب الى خارج المرجعية الايرانية التقليدية، التي يسعى بعض اوساطها الى جعل الحرب ضد افغانستان سلاحاً قوياً ضد خاتمي، كما استخدمت يوماً الحرب ضد العراق سلاحاً لخلع ابو الحسن بني صدر