عادة ما تتميز المرحلة الاولى من الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي افتتحت الاثنين، بخطابات "النجوم". ولكن "نجومية" الرئيس كلينتون اكتسبت بريقاً اضافياً، ففيما كان زعماء العالم يقفون له ترحيباً ويصفقون كان التلفزيون الاميركي يعرض من واشنطن فيديو التحقيق معه في فضيحة مونيكا لوينسكي. وهو على ما يبدو سجل نقاطاً ايجابية في المرتين، فقد ارتفعت شعبيته بعكس ما توقع خصومه الجمهوريون. مع خطابات "النجوم" تتحول أروقة الأممالمتحدة الى مختبرات لاقتراحات مختلفة لم تنضج بعد. ومنذ ثلاث سنوات بدأت الامانة العامة تجهز زوايا في قاعات مختلفة للقاءات ثنائية، اكثرها مُعلن، ولكن بعضها غير مُعلن، للذين يرغبون في مثل هذه اللقاءات، ولكن من دون طلبها، فتصبح "صدفة مدروسة" خير من ألف ميعاد. والاجتماعات هذه ليست كلها ثنائية، فقد تكون ثلاثية او اكثر، وهي في موضوع افغانستان "ستة زائد اثنين". وتتدرج الخطابات من النجوم الشديدي اللمعان الى الاقل لماعية، فاذا دخلت المناقشات شهر تشرين الاول اكتوبر تتحول الجمعية العامة الى ست لجان، مالية وسياسية وقانونية واجتماعية واقتصادية وسياسية خاصة، ويبدأ العمل الجدي بعد ان يكون الرؤساء والوزراء أعلنوا السياسات الرسمية لبلادهم. وستكون الدورة الحالية فرصة لمتابعة اداء كوفي انان كأمين عام، فهو في الدورة السابقة كان جديداً وغير معروف نسبياً. وبكلمة ونصف: ستزيد مشاكل أنان او تقل بقدر ما يرضى عليه الاميركيون او يغضبون. الأممالمتحدة منظمة عالمية، الاّ ان ثمة طغياناً أميركياً عليها منذ نهاية الحرب الباردة، فقد انقلب الوضع عما كان في الستينات مثلاً، عندما كانت كتلة عدم الانحياز بقيادة جمال عبدالناصر وتيتو ونهرو وسوكارنو مسيطرة، وقامت دعوات اميركية للانسحاب من المنظمة العالمية بحجة انها معادية للولايات المتحدة. اليوم الولاياتالمتحدة هي صاحبة القرار الاول والثاني والثالث، وربما الاخير، مع انها لا تدفع حصتها من ميزانية الأممالمتحدة. ويكفي ان نسجل هنا ان اتفاق الأممالمتحدة مع الولاياتالمتحدة لسنة 1947 يمنح الدول الاعضاء كافة حق الوصول الى نيويورك لمخاطبة الأممالمتحدة. ومع ذلك ففي سنة 1988 تحدّت الولاياتالمتحدة الارادة العالمية والاتفاق الموقّع، ورفضت السماح للسيد ياسر عرفات بدخول نيويورك، فكان ان انتقلت الجمعية العامة كلها الى جنيف لسماع خطابه. واليوم تسيطر "طالبان" على افغانستان، ولكن يمثل هذه في الأممالمتحدة مندوب برهان الدين رباني الذي لا يمثل سوى نفسه، وهو ما كان احتفظ بمقعد افغانستان لولا خلاف اميركا مع "طالبان". أغرب ما في موضوع السيطرة الاميركية الحالية هو ان الولاياتالمتحدة تنصب على الأممالمتحدة وتحتال، وهي اليوم تواجه خطر فقدان حق التصويت لأنها مدينة للأمم المتحدة بأكثر من 1.5 بليون دولار هي فاوضت المنظمة العالمية وفرضت عليها إلغاء نصف بليون دولار من الالتزامات الاميركية في عمليات حفظ السلام الدولية، ثم لم تدفع حصتها الاصلية كما وعدت. وكان الكونغرس بعد إلحاح الادارة المستمر أقر في نيسان ابريل الماضي توقيع شيك بمبلغ 819 مليون دولار من مساهمة الولاياتالمتحدة في ميزانية الأممالمتحدة. الاّ ان الشيك لم يُصرف لأنه كان جزءاً من "صفقة" وكل ما في اميركا صفقة، من ضمنها ان الجماعات التي تتلقى دعماً مالياً فدرالياً لا يحق لها ممارسة "لوبي" مع الحكومات الاجنبية لتغيير قوانينها والسماح للنساء بالاجهاض. ورفض كلينتون الصفقة فتوقف سحب الشيك. وهكذا فقضية داخلية اميركية بين دعاة الاجهاض ومعارضيه تحول دون تنفيذ الولاياتالمتحدة التزاماً سياسياً دولياً اساسياً وتترك قضايا كبرى، بينها عمليات حفظ السلام، امام مستقبل مجهول كمستقبل الأجنة في أرحام الامهات الاميركيات. في هذا الوضع اصبحت اليابان اكبر مساهم في ميزانية الأممالمتحدة، وهي قبضت ثمن مساهمتها هذه باعطائها منصب الامين العام المساعد للاعلام، وهو منصب كان يحتله أعلى مسؤول عربي بعد الدكتور بطرس بطرس غالي في الأممالمتحدة هو السيد سمير صنبر. بذلك يكون اخونا سمير دفع ثمن خلل في السياسة الاميركية يصل الى حد الاختلال العقلي. واذا كان بيل كلينتون لم يستطع انتزاع مخصصات الأممالمتحدة قبل سنة فهو لن يستطيع الآن، وخلافه مع الجمهوريين بلغ ذروته، وهم يحاولون اسقاطه بحجة فضيحة مونيكا لوينسكي. ولكن نترك الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة ودعاة الاجهاض ومعارضيه، ونتوقف امام منصب خسره العرب، ففي كل مرة يختلف طرفان في أي مكان من العالم ولأي سبب، يخسر طرف ثالث هو العربي