لم تخرج الدعوة التي اطلقتها مجموعة من رجال الدين حول تصحيح الحجاب عن جانبها النظري، بل تحولت الى نشاطات دينية اكثر منها مجرد دعوة. فالحملة التي انطلقت في مدينة الكاظمية في بغداد قبل شهر رمضان الماضي بأيام قليلة بقيت مجرد لافتات معلقة على جدران المباني والساحات العامة ولم ترق الى مستوى العمل والتنفيذ في الحجم الذي كان يطمح له مطلقوها. وبقي «الحجاب العلماني» كما يطلق عليه رجال الدين وبعض الباحثين في علم الإجتماع، منتشراً بين الفتيات اللواتي يزرن المدينة للتبضع من اسواقها الشهيرة التي تجمع كل ما يجذب النساء من سلع معمرة واستهلاكية. وبرر بعض رجال الدين من مطلقي الحملة بأن الخطوة تأتي بعد تفاقم ظاهرة الحجاب الغربي في البلاد في العامين الماضيين وظهور فتيات يرتدين الجينز الضيق والملابس العصرية مع غطاء الرأس، مشددين في اللافتات والشعارات التي رفعوها على ضرورة عودة الفتيات الى الحجاب الشرعي. إلا ان قضية التغيير في هذا الجانب تبدو اكثر صعوبة في الوقت الحالي بعد الانفتاح الذي شهدته البلاد على ثقافات البلدان الأخرى في السنوات الأخيرة، وانحسار موجة التشدد الديني بين الشباب خصوصاً بعد ما ذاقه العراقيون من دموية المتشديين. وبات انتشار ظاهرة بنطال الجينز والمنديل الذي يكشف عن نصف شعر الرأس عند المقدمة، والتنورة التي تمتد بضعة سنتميترات تحت الركبة ولا تغطي الساق بأكملها بين المحجبات، امراً غير مقبول بين أوساط الملتزمين وبعض رجال الدين الذين يجدون ان هذه الملابس اخذت تسيئ الى الحجاب الشرعي في شكل او آخر. وعلى رغم اعتراض المهتمين بتصحيح الحجاب على هذه الظاهرة التي يطلق عليها البغداديون «الحجاب العلماني»، تجد بعض العائلات انه خطوة مناسبة للفتيات الصغيرات خصوصاً المراهقات اللواتي يرغب الأهل في دفعهن لارتداء الحجاب تدريجياً. اذ تبدأ الفتيات بارتداء منديل الرأس مع قميص بنصف كم او مع بنطال من الجينز والملابس العادية، ثم يتم تعديل الحجاب بمرور الوقت ليغطي كامل الجسد وان بقي في بعض الأحيان كاشفاً عن بعض المفاتن. وترتدي الكثيرات من الفتيات والطالبات الحجاب كنوع من الموضة الاجتماعية، فيما ترتديه اخريات تحت التهديد الذي مارسته المجموعات المتشددة في السنوات الماضية في بغداد وبعض المدن، فضلاً عن المخاوف من التعرض للإختطاف في ظل الاوضاع الأمنية السيئة التي مرت على البلاد. وترجع بعض الفتيات ظهور الحجاب العصري الى مجموعة من الأسباب، فالفتاة التي ترتدي الحجاب تحت تأثير الضغط غالباً ما تحتفظ بالملابس ذاتها التي كانت ترتديها قبل حجابها وتقوم بوضع شال على رأسها كتعبير عن انضمامها الى عالم المحجبات وان دل مظهرها على عكس ذلك. لكن في المقابل اقدمت اخريات على خلع غطاء الرأس بعد تحسن الأوضاع الأمنية وانحسار موجة التشدد في العامين الماضيين بعدما لبسنه عامين او ثلاثة تحت وطأة الأوضاع السائدة التي اجبرت النساء المسلمات وغير المسلمات على ارتدائه. ويختلف رجال الدين انفسهم حول طبيعة الحجاب الشرعي، فبعضهم يصل الى مرحلة كبيرة من التشدد قد لا تسمح للمرأة بإظهار وجهها كاملاً وتغطية باقي اجزاء جسدها، فيما تميل آراء اخرى الى الاعتدال. لكن غالبية الآراء وان شجعت على ضرورة تصحيح الحجاب السائد واستبداله بالحجاب الشرعي لم تشجع على ارتداء النقاب باعتباره غير واجب. ويؤكد الشيخ سليم الساعدي احد المؤيدين للحملة، إن عدم ارتقاء الحملة الى مستوى التطبيق يعود الى غياب التخطيط المسبق بين رجال الدين «الذين اطلقوا الحملة والذين اكتفوا بتعليق اللافتات الداعية الى تصحيح الحجاب من دون دعمها في شكل كافٍ». ويقول ان «اطلاق مثل هذه الحملة يحتاج الى تحرك جدي من قبل رجال الدين وألا تقتصر على توزيع المنشورات وتعليق اللافتات».