هل يمكن اعتبار النتيجة التي أسفرت عنها الانتخابات المحلية في ولاية بافاريا الألمانية في 12 أيلول سبتمبر الجاري وحقق فيها الحزب الاجتماعي المسيحي الحزب الشقيق للحزب الديموقراطي المسيحي الذي يرأسه المستشار هلموت كول فوزاً كبيراً تجاوز التوقعات، هل يمكن اعتبار ذلك "بروفة" لما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات النيابية العامة التي ستجري يوم الأحد المقبل؟ وهل يمكن الاستنتاج بأن الاستطلاعات التي لا تزال تشير إلى أن كول سيخسر الانتخابات العامة المقبلة غير صحيحة أو دقيقة؟ من بون كتب اسكندر الديك: من الطبيعي أن يسارع المستشار كول وحليفه البافاري اثر اعلان النتائج في بافاريا إلى التأكيد على أن التصويت الكبير لصالح الحزب الاجتماعي المسيحي 9،52 في المئة مقابل 8،52 في المئة عام 1994 ولصالح استمرار الحكومة التي يرأسها ادموند شتويبر إشارة واضحة إلى ما ستؤول إليه المعركة الانتخابية العامة قريباً ودليل على أن الناخبين الألمان عدلوا عن نيتهم في التخلي عن الائتلاف الحكومي الذي يقوده كول منذ 16 سنة. ورد الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي حصل فرعه هناك على 7،28 في المئة من الأصوات بخسارة 3،1 في المئة عن عام 1994 وحزب اتحاد التسعين - الخضر الذي نال 7،5 في المئة بدلاً من 1،6 في المئة، على هذه الأقوال بالاعتراف بأنهما كان يأملان بنتيجة أفضل، والتأكيد في الوقت نفسه على الطابع المحلي البحت لهذه الانتخابات وعدم تأثيرها المباشر على الانتخابات العامة. وأمام اختلاف معسكري الحكومة والمعارضة المتنافسين على تفسير أهمية انتخابات بافاريا ومدى انعكاساتها على الاستحقاق العام في البلاد، طرحت معاهد الاستفتاء ومحللون سياسيون مستقلون قراءتهم الأكثر موضوعية لنتائج الانتخابات ولموقع بافاريا في الاتحاد الألماني. واتفق معهدا "فورزا" و"انفراتست ديماب" لاستقصاء اتجاهات الرأي العام في البلاد على أن التحليل الدقيق والموزون للانتخابات التي حصلت في الولاية المذكورة يؤكد بأن ما جرى هناك هو انتخابات محلية لا يمكن اعتبارها مؤشراً على ما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات العامة. ووافق معظم المحللين السياسيين على هذه النظرة، مشيرين إلى أن حليف كول في الولاية، أي الحزب الاجتماعي المسيحي، وهو حزب يميني محافظ جداً يقود الولاية منذ 30 سنة على الأقل، كان يحصل في السابق أيضاً على نسب من الأصوات أعلى بكثير من الآن تجاوزت في إحدى المرات الپ60 في المئة على عهد زعيمه الراحل فرانتس جوزف شتراوس. وبقي منافسه الحزب الاشتراكي الديموقراطي حزباً ضعيفاً طوال هذه الفترة وتمكن في الدورة الأخيرة من الحصول على أفضل نتيجة له على الاطلاق، وهي 30 في المئة من الأصوات. وفي رأي معهدي الاستطلاعات وغالبية المراقبين السياسيين أن الناخب البافاري مثله مثل الناخب الألماني في الولايات الأخرى قادر على التمييز بوضوح بين الانتخابات المحلية والانتخابات العامة وبين السياسيين المحليين والسياسيين الاتحاديين. وجاء اختيار الناخبين البافاريين ليعكس رغبتهم في التجديد لحكومتهم المحلية بعد أربع سنوات من العمل الجيد والناجح ولرئيسها الذي لا يكل عن الحركة والنشاط لتحسين وضع ولايته حيث أصبحت تحتل المرتبة الأولى بين الولايات الألمانية من نواحٍ عدة. ولذلك فإن الاختيار كان بين شتويبر ورئيسة الحزب الاشتراكي الديموقراطي البافاري ريناتي شميدت وليس بين كول وشرودر. وعلى الرغم من أن شتويبر نفسه، الذي خاض معركته الناجحة بمواضيع وشعارات محلية تتعلق بولايته، حاول تجيير نجاحه لصالح الائتلاف الحاكم وكول في محاولة لتجاوز الاحباط الموجود في معسكره، إلا أنه جوبه من الجميع بحقيقة أنه استبعد المستشار الألماني شخصياً عن معركته هذه بسبب تخوفه من أن ينقلب دعم كول العلني له إلى أصوات سلبية ضده في صناديق الاقتراع. والواقع ان كول لا يحظى بشعبية عالية في بافاريا بالذات التي أعطت حزبه الشقيق 53 في المئة من الأصوات. وذكر معهد "فورزا" ان 28 في المئة من البافاريين فقط أعلنوا أخيراً عن استعدادهم للتصويت لصالح كول في الانتخابات العامة، بينما حصل شرودر على ثقة 39 في المئة منهم بفارق ملحوظ يبلغ 11 نقطة، وهذا أمر لا يدعو للدهشة في هذه الولاية المعروفة باتجاهها المحافظ الشديد. ومع أن غالبية المتتبعين السياسيين لمجرى المعركة الانتخابية العامة على يقين بأن انتخابات بافاريا يصعب تجييرها لصالح كول، إلا أنهم يقرون بأنها أحدثت نوعاً من الفعل السيكولوجي في صفوف مسؤولي ومناصري حزبي الاتحاد المسيحي وأعطتهم حماسة جديدة بعد إحباط وشبه يأس من الفوز هذه المرة، خصوصاً أن مختلف الاستطلاعات يشير إلى أن شرودر لا يزال متقدماً على كول. وما يزيد في تشاؤم الاتحاد المسيحي أن حليفه الصغير، الحزب الليبرالي، تكبد خسارة قوية في بافاريا، حيث لم يحصل إلا على 7،1 في المئة من الأصوات مقابل 8،2 في المئة عام 1994. ونجاحه على المستوى العام سيكون غير مؤكد على الاطلاق إذا لم يحصل، كما في العادة، على أصوات قسم من الناخبين التقليديين للاتحاد المسيحي. والمأزق الذي يواجهه كول هو أنه بحاجة إلى كل صوت من محازبيه هذه المرة لتأمين النجاح له، لكنه يعرف في الوقت نفسه أن عدم إعارة أصوات للحزب الليبرالي سيعني عجز الأخير عن الحصول على نسبة الپ5 في المئة المطلوبة للتمثل في البرلمان الاتحادي، أي أن كول سيخسر المستشارية حتى ولو حقق نتيجة جيدة في الانتخابات. وفي كل الأحوال، يرى المراقبون ان نتيجة انتخابات بافاريا حركت من جديد الوضع الانتخابي الذي أصبح "مملاً" بعض الشيء بسبب تأكيدات الاستطلاعات على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة على أن الصورة حسمت تقريباً لصالح حكومة اشتراكية - خضراء. ولا شك أن الأيام السبعة الفاصلة عن موعد الانتخابات ستشهد معارك طاحنة للفوز بكل صوت ممكن. وقد يكون الفرق الفاصل بين الحزب الاشتراكي الديموقراطي 41 في المئة والحزب الديموقراطي المسيحي 38 في المئة حسب آخر استفتاء لمعهد "ايمند" لا يتجاوز الآن الثلاثة في المئة معاهد أخرى تشير إلى ان الفرق يتراوح بين ثلاثة وستة في المئة، إلا أنه سيكون من الصعب جداً على كول ردم هذه الهوة غير الصغيرة. وسيستخدم شرودر سلاحاً قوياً في الأيام المقبلة ضد كول، إذ أنه سيكرر تحديه له باجراء مناظرة تلفزيونية حول مختلف المواضيع ليحدد الناخب أيهما الأفضل. وكان المستشار قد رفض ذلك لأسباب لم يعلنها، الأمر الذي سيظهره ولا شك في موقف الضعيف غير الواثق من نفسه، وسيكلفه ذلك أصواتاً كثيرة قد تكون حاسمة.