يبدو أن المستشار الالماني جيرهارد شرويدر لن يحالفه الحظ في الفوز في محاولته اليائسة لاعادة انتخابه لفترة ثانية خلال انتخابات سبتمبر المقبل. وتظهر أحدث استطلاعات للرأي أن تحالف يسار-الوسط مع الخضر بزعامة شرويدر يخسر مزيد من الارض لصالح متحديه الرئيسي المحافظ إدموند شتويبر، وهو الامر الذي يعتبر مدعاة للسخرية من مزاعم مخططي سياسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي بأن هذا الصيف سيشهد ارتفاعا حادا في نسبة المؤيدين للمستشار الالماني. وطبقا لاستطلاع أجراه معهد فورسا، فإن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لن يفوز سوى بنسبة 35 في المائة فقط مقابل 42 في المائة للتحالف المسيحي الديمقراطي (الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي) بزعامة شتويبر. وأظهر استطلاع فورسا أيضا أن حزب الخضر شريك المستشار سيفوز فقط بنسبة ستة في المائة مقابل تسعة في المائة سيحصل عليها حزب الديمقراطيين الحر، الذي يفضل شتويبر مشاركته في ائتلاف. وتعطي هذه النتائج تحالف يمين-الوسط بزعامة شتويبر 51 في المائة من أصوات الناخبين وأغلبية واضحة في البوندستاج، أي مجلس النواب بالبرلمان الالماني. وفي نذير شؤم آخر لشرويدر، ارتفعت مؤخرا شعبية منافسه الرئيسي شتويبرللمرة الاولى على الاطلاق مقارنة بنسبة التأييد الشعبي التي يتمتع بها المستشارالالماني. فقد أظهر استطلاع آخر منفصل أجرته مؤسسة إيمنيد تأييد 56 في المائة من الالمان لاداء شتويبر في منصبه الحالي كرئيس وزراء لولاية بافاريا مقابل 54 في المائة لاداء شرويدر كمستشار للبلاد. من جانبه، يحذر كلاوس-بيتر شويبنر رئيس مؤسسة إيمنيد قائلا: المزاج العام يشهد تأرجحا دائما، مضيفا أن شعبية شرويدر تراجعت إلى شكل من أشكال نسب التأييد السلبية التي أفسدت العام الاول من وجوده بالسلطة. ويقول رينيت كوتشر رئيس وكالة آلينسباخ لاستطلاعات الرأي: الاغلبية الكبيرة من الناخبين لا تريد استمرار حكومة الحمر-الخضر. ويضيف كوتشر أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لا يزال بعيدا للغاية عن حزب شتويبر الذي ستصبح مسألة اللحاق به، بحلول 22 سبتمبر، وهو تاريخ يوم الانتخابات صعبة للغاية. وفوق كل ذلك، يعتبر شرويدر سجينا لاقتصاد ألماني ضعيف ونسبة بطالة مرتفعة رغم أن مكافحة البطالة تأتي على رأس الوعود الكثيرة التي يقطعها المستشار الالماني على نفسه خلال حملته الانتخابية الحالية. وتبلغ حاليا نسبة البطالة في ألمانيا 9.5 في المائة تقريبا. وكان المستشار الالماني قد أبلغ الناخبين عقب وصوله للسلطة في انتخابات عام 1998 بأنه يتحتم عليهم الاطاحة به من منصبه إذا فشل في تقليص عدد العاطلين عن العمل ليصل إلى 3.5 مليون عاطل فقط بحلول انتخابات سبتمبر عام 2002. ومع وصول عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا إلى أربعة ملايين عاطل بالفعل حاليا، فإن الناخبين ربما يحاسبونه على وعده الذي لم يف بتحقيقه إلى يومنا هذا. وكانت نسبة نمو الاقتصاد الالماني في عام 2001 ضعيفة للغاية حيث لم تزد عن 6.0 في المائة. وتشير توقعات خبراء مصرفيين إلى تراجع نسبة نمو الاقتصاد الالماني للعام الحالي 2002 إلى أقل من واحد في المائة أيضا. فمبيعات التجزئة تعاني من الضعف في الوقت الذي يهاجم فيه المستهلكون العملة الاوربية الموحدة، وهي اليورو، متهمين إياها على نطاق واسع بالتسبب في رفع الاسعار في البلاد. كما أن انكماش الاقتصاد العالمي وفضائح عدد من كبرى المؤسسات في الولاياتالمتحدة نزلت كضربات قوية ومتكررة على رؤوس الطبقة الجديدة من حاملي الاسهم في ألمانيا، حتى أن ما يطلق عليه (بأسهم الشعب) لم تنج من هذه الضربات العنيفة. وتراجعت قيمة أسهم شركة تيليكوم الالمانية العملاقة للاتصالات لتصل إلى نسبة 90 في المائة من سعرها الاصلي الذي صدرت به لاول مرة بينما تراجعت قيمة أسهم شركة دويتشه بوست للبريد إلى نصف قيمتها تقريبا مقارنة بما كانت عليه في السابق. من جهة أخرى، كان شرويدر قد أصيب بنكسة أخرى تمثلت في خسارته لعضو بارز آخر بحكومته عندما اضطر إلى إقالة وزير الدفاع رودولف شاربينج من منصبه في 18 تموز /يوليو/ الماضي على خلفية فضيحة مالية. ومما يزيد الامر سوءا، ما ذكرته صحيفة بيلد مؤخرا من أن وزير البيئة يورجن تريتن كان جزء من فضيحة آخذة في التفشي تورط فيها أعضاء بالبرلمان استغلوا قيمة تعويضات قدمتها شركات طيران تجارية في أسفارهم الخاصة، وذلك بدلا من تحويلها إلى خزانة الدولة بموجب قوانين البرلمان الالماني. إلا أن تريتن نفى هذا الاتهام. وكما وصفها أحد المراقبين، فإن إقالة اثنين من وزرائه ربما يكون سوء حظ، لكن عزل ثمانية وزراء في غضون ثلاثة أعوام ونصف العام مثلما فعل شرويدر طيلة تلك الفترة التي حكم فيها ألمانيا حتى الان فإنه أمر يرقى إلى حد اللامبالاة. ولابد أن أجراس الخطر تدق الان وبقوة في المقر الانتخابي للحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة شرويدر. وفي هذا السياق، أعلن حزب المستشار الالماني تبكير ما وصفه "بالمرحلة الساخنة" من الحملة الانتخابية قبل موعدها الاصلي بثلاثة أسابيع وكثف شرويدر من جولاته الانتخابية والالتقاء بمؤيديه من الناخبين اعتبارا من يوم /الاثنين/ الماضي. وفي إشارة إلى موقف شرويد وحزبه، كتبت صحيفة دي فيلت المحافظة في مانشيت لها "الذعر يسود تيتانيك"، مضيفة "لكن عددا قليلا من الخطب الاخرى في ساحات الاسواق وفي الخيام حيث تقدم البيرة للناخبين لن تحل المشكلة". من جهة أخرى، أصبحت الرائحة الكريهة لفضيحة سياسية تخيم على أوساط الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ظل لسنوات طويلة يصيح في زهو بسبب صفحته البيضاء من أي فضائح، شامتا في الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض الذي كان يكتوي من نار فضيحة مالية ضخمة. ورغم أن فضيحة الحزب الاشتراكي الديمقراطي أصغر إلى حد بعيد ولم يتورط فيها سوى فروع محلية للحزب في ولاية نورث راين-فيستفاليا، فضلا عن عدم وجود أي مؤشر على تورط شرويدر نفسه فيها، فإن فضيحة الاشتراكيين الديمقراطيين لا تزال تنطوي على خطر محتمل يدمر حزبهم. ويذكر أن ولاية نورث راين-فيستفاليا تعتبر معقلا رئيسيا للحزب الاشتراكي الديمقراطي حيث سيتعين على شرويدر أن يفوز فيها في الانتخابات، لكن إذا فضل عدد كاف من مؤيدي الحزب الاشتراكي الديمقراطي في تلك الولاية الجلوس في منازلهم في يوم الانتخابات أو التوجه بأصواتهم لاحزاب أخرى منافسه، فإن ذلك يمكن أن يكلف شرويدر الكثير وقد يؤدي لحرمانه من الفوز أو من شأنه يلحق الهزيمة بالمستشار الالماني في انتخابات الشهر القادم. وما يزيد الطين بلة على ما يواجهه شرويدر من كوارث حاليا، هو تراجع التأييد لشريكه في الائتلاف أي حزب الخضر الذي يترنح الان تحت وطأة استقالة أحد أبرز أعضاءه. وكان جيم أويزديمير قد استقال من عضوية حزب الخضر في وقت سابق من هذا الشهر عقب اعترافه بأنه استغل قيمة تعويضات رسمية من شركات طيران تجارية في رحلاته الشخصية.