"اذا أرادت الفتاة اللبنانية الانتحار فما عليها سوى ان ترمي بنفسها من فوق حذائها الى البحر في اشارة الى ضخامة الحذاء. لكنها ستواجه بمشكلة اخرى، وهي ان قطع "السيليكون" المنتشرة في انحاء جسمها ستعوّمها وستمنعها من الغرق". إنها طرفة يرددها اطباء التجميل في لبنان، بعدما اختبروا في السنتين الاخيرتين الإقبال الهائل على اجراء عمليات التجميل في مختلف انحاء الجسم التي تقدم عليها اللبنانيات واللبنانيون الذكور في بعض الاحيان. تأتي الفتاة الى عيادة الطبيب ممسكة بصورة لعارضة الازياء الألمانية كلوديا شيفر في معظم الاحيان، وتطلب من الطبيب الجراح ان يفعل ما يمكن فعله لتقريب صورتها منها ولك ان تتخيل الى أين سيعبر مشرط الجراح في جسم من يريد التشبه بكلوديا. لكن لاجسام المتوسطيين نسبة الى البحر المتوسط معايير جمال مختلفة، لا يمكن مطابقتها مع تلك الوافدة من الغرب، فجبهة الغربي منتفخة قليلاً، ويناسبها انف مشمّر أو خانس، فيما اللبنانيات، وهن المتوسطيات في امتياز، فجبهاتهن ملساء ومستقيمة والانف الخانس حينما يتوسط وجوههن يظهر ان خطأ هندسياً كبيراً يخيم على وجوههن، ويتطلب اقناع الاطباء لهن بهذه المعادلة وقتاً الى ان يقبلن بعملية تجميل للأنف مختلفة في مقاييسها عن تلك التي جئن من أجلها. ولكن نادراً ما يخرجن من عيادات الجراحين من دون عملية تجميلية. ففي جعبة هؤلاء الاخيرين ارشادات جراحية تجميلية تناسب عطش اللبنانيات المتعاظم الى الجمال، حتى لو كان غير ذلك الذي يمنحه الله لعباده. كذلك الامر في ما يتعلق بالاعضاء الاخرى. فللمتوسطيات بحسب الطبيب التجميلي مقاييس جمال تتعلق بالصدر تحاول اللبنانيات تجاوزه، كذلك بالنسبة الى الردفين، حيث عمليات "شفط" الدهون في مستشفيات بيروت جارية على قدم وساق، خصوصاً ان الشابة او السيدة اللبنانية تفضل الجراحة على التزام نظام غذائي يقيها شرّ السمنة وتهدل الجلد. ولكن الهزء الذي يبديه اطباء التجميل بطموحات اللبنانيات الجمالية التي تربك، بحسب ما يقولون، القواعد التي تعلموها في جامعاتهم، تقابله اللبنانيات بقلة ثقة حيال هؤلاء الاطباء الذين يغالون كما تقول كثيرات ممن أجرين عمليات تجميل في تأكيد نجاعة هذه العمليات وتحويلها لمن تجرى له آية جمالٍ لا تضاهى. وتقول "ناريمان" ان طبيب التجميل قال لها ان تغييراً سيحصل بنسبة 60 في المئة على وجهها في حال أجرت لانفها عملية تجميل. وقبل دخولها غرفة العمليات بخمس دقائق تراجعت النسبة الى 10 في المئة. أما كلفة العملية التي استغرقت نحو ساعة ونصف الساعة فكانت ألفي دولار أميركي، دفعت فيها ألفاً وقسطت الباقي للطبيب كل شهر مئة دولار. وعمليات التجميل اصبحت امراً عادياً الى حد ان اللواتي يجرينها يتحدثن عنها، وكأنها جراحة مرضية. ويستشرن أهلهن الذين يتفاوت تقبلهم لهذه الخطوة، لكنهم يعودون ويقبلون. و تقول "ريم" ان أهلها اعتبروها مجنونة في بداية الامر، لكنهم عادوا وتقبلوا الامر بعدما أدركوا مستوى التغيير الذي يحدثه في الوجه اجراء عملية الأنف. اما "زينب" التي اجرت ابنتها عملية "سيليكون" لشفتيها فبدت متذمرة. لكن هذا التذمر لم يصل الى حدود المنع من اجراء العملية. وفي بيروت اليوم اثنتان وثلاثون عيادة لجراحة التجميل، مرخص لها من وزارة الصحة ويُجري هذا النوع من العمليات في احيان كثيرة جراحون عاديون في مستشفيات عدة، خصوصاً عمليات شفط الدهون، التي تجرى ايضاً في ال "هلث كلوب" أو أندية التجميل المزدهرة والمنتشرة هذه الايام في أنحاء العاصمة. ثم ان عمليات تجميل بسيطة كالوشم على الشفاه والحواجب وانحاء اخرى من الجسم يجريها المزينون في صالوناتهم. أما اكثر انواع عمليات التجميل فتلك التي تجرى للأنف يليها "سيليكون" الشفاه الذي منع اخيراً واستبدلت به خلايا حيوانية تحقن بها الشفاه، خصوصاً ان مذيعة تلفزيونية أنصهر "السيليكون" في شفتها بعد اشهر من اجراء العملية. ومال الى جهة واحدة. والخلايا الحيوانية تستعمل ايضاً في عمليات "الحشو" في أماكن التجاعيد بغية إزالتها، وهي تجري في عيادات الاطباء وتصل سرعة اجرائها الى حدٍ ان السيدة المصابة بتجعيدة صغيرة في وجهها يمكنها عشية ذهابها الى حفل او مناسبة ان تقصد عيادة الطبيب كما تقصد المزين، وتحقن بالخلايا الحيوانية، وينبسط وجهها ويخلو من التجاعيد. ويقول طبيب تجميل عن عمليات تكبير الصدور ان ما يجب ان يجرى في منطقة الشرق الاوسط هو عمليات تصغير لها، لان المتوسطيات غالباً ما يعانين كبرها، في ظل معايير جمال تتطلب تناسقاً في الجسم قد يمنعه كبر الصدر من الاكتمال. وعلى رغم ذلك فان عمليات تكبير الصدور جارية وبكثافة، الى حد ان أطلق على احد الشواطىء التي ترتادها شابات ونساء من "الهاي سوسايتي" والملتحقات بهن من ابناء الطبقات المتوسطة، اسم "شاطىء السيليكون". وتقول طبيبة عائلية ان عدوى عمليات التجميل انتقلت من الطبقات الثرية الى المتوسطة، ملاحظة من خلال احتكاكها بأولئك اللواتي يتدفقن الى المستشفى الذي تعمل فيه لاجراء هذه العمليات، ان بين الاسباب المهمة لإقبال الشابات اللبنانيات على هذا النوع من الجراحة ان الجمال اصبح شرطاً منافساً في ايجاد فرص للعمل في لبنان وفي مهن كثيرة. اما الطبقات الفقيرة فليس لديها حتى الآن أدنى فكرة عن هذا النوع من العمليات. فهي سبق ان عملت في مستشفى يقصدها ذوو الدخل المحدود ولطالما عاينت مريضات تحسرن على تهدل اجسامهن بعد الولادة أو على "اخطاء" جمالية يعانينها من دون ان يدركن ان لذلك حلولاً والطبيبة لا تعتقد ان تردي اوضاعهن هو السبب الوحيد لعدم اقدامهن على هذا النوع من العمليات، بل جهلهن بها. والا لكانت الكثيرات تدبرن أمرهن وأجرينها، خصوصاً ان حدة الحسرة التي تحدثن بها عما أصاب اجسامهن، بحسب رأيها، ستكون سبباً لمعجزات يجترحنها لاجراء هذه العمليات مع العلم ان مؤسسات الضمان الصحي كشركات التأمين والضمان الاجتماعي ووزارة الصحة لا تغطي هذا النوع من العمليات، واكلافها تدفع كاملة من جيب الذين تجرى لهم.ولانتقال عدوى الجراحة التجميلية من الطبقات الثرية أو "الهاي سوسايتي" كما يسمونها في لبنان، الى ابناء الطبقات المتوسطة معانٍ كثيرة، ليست اقلها دخولها في سلم قيم اللبنانيين، وقبول المعايير العامة لهذا النوع من العمليات، كون الطبقة المتوسطة في حال وجودها طبعاً مختبر القيم والمعايير الاجتماعية ومكان انتاجها في آن. وفي لبنان ايضاً تنفتح مهن جديدة امام الوافدات من الجامعات، فيدخل "الجمال" شرطاً أو شبه شرط للانخراط فيها. ويبدو ان هذه المهن الجديدة استقطبت في بيروت آلاف الشابات المتعطشات الى هذا النوع من العمل، بدءاً بشركات الاعلانات ودور الازياء، الى المتباريات في مسابقات الجمال التي تحييها التلفزيونات اللبنانية، الى العاملات في مجال التسويق. وهذا مجال أفردت معظم الشركات له قسماً من موازنتها الى العاملات في المؤسسات التلفزيونية المرئية والمسموعة، وصولاً الى أولئك الصبايا الصغيرات اللواتي يتقدمن منك في مقاهي بيروت، بتهذيب وخجل لتدوين ما ترغب في تناوله في مقاهيهم. وهؤلاء كما يقول الاطباء التجميليون هن زبائن عياداتهم في الدرجة الاولى ثم تأتي بعدهن النساء في اول تقدمهم في العمر. خفيفة هي الحياة في بيروت، كما هي خفيفة اجسام تلك الفتيات المقبلات على الجمال من أماكن لا يرغبن في اثارة كلام كثير عليها. كل ما في الامر كما تقول "مريم ان "الجمال يبعث على الراحة". وهذا وحده يكفي والخفة ايضاً تعني ان هؤلاء الصبايا لم يثقلن اجسامهن بما يعوق تحررها من اي زوائد او نتوءات، وهن يتعودن بعد إزالة الزوائد، أو زيادة النواقص، اجسادهن الجديدة ويبدأن بتربية نفوسهن وتدريبها على اوضاعها الجديدة. انه نسج على منوال آخر غير ذلك الذي يدّعي ان الجسم هو وعاء الروح. انه الروح نفسها كما تعاملنه اللبنانيات والجراحة التجميلية هي تهذيب لها للروح، وهن عندما يتحدثن عن اعضائهن يعدن بفصل اجسادهن عنهن، فالمسافة المفترضة للتحدث عن عضو زائد أو متضخم تصبح هائلة وتتحول فيها اجسامهن جثثاً يقفن فوقها كالمشرح. وبين انتقالهن به من روحٍ الى جثة تحت مبضع المشرح مسافة من القسوة التي لا قدرة لمن لم يدخل زمنهم على تحمّلها. "جميعهن يردن ان يشبهن من كلوديا شيفر"، يردد الجراحون التجميليون بانزعاج وسخرية، واللبنانيون لم ينتظروا، كما غيرهم من المجتمعات وسائل الاتصال لتدمجهم في المجتمع العالمي الذي يتحدثون عنه، بل هم سبقوها اليه. والسرعة التي يصل اليهم فيها ما يدور في هذا المجتمع لا يمكن توقعها. انهم يتنقلون "ولا سيما الشباب منهم" من زمن الى آخر، كما يتنقلون في سياراتهم من مدينة الى اخرى داخل لبنان، من دون عناء كبير، وكذلك يبدلون اذواقهم وأساليب عيشهم، وهم يعاملون اجسامهم بالسهولة نفسها. الجمال بالنسبة اليهم دخول في أوضاع كونية كاملة. وكما الرياضة اصبحت صناعة بعدما دخلت ميدانها شركات الاعلان وتراجع الاعتماد فيها المواهب والمهارات الفردية، والسينما صناعة، وحدث وسائل الاعلام تصنعه هي في كثير من الاحيان، فلماذا لا يكون الجمال صناعة في ظل الخفة المتفشية في أوساط الشباب اللبناني المتعلم والمقبل على سوق عمل مرتبطة شروطها بأوضاع بالغة التعقيد، تبدأ بتخلف الاوضاع السياسية ولا تنتهي عند تعثر طموحاتٍ لا تجارى لدى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في السبق والمنافسة والالتحاق بأسواق عالمية؟ وهذا التعثر يشبه الى حدٍ بعيد تعثر الشباب والشابات في الالتحاق بأذواق الجمال في الدول التي تتوجه اليها أنظارهم