اخترق العماد ميشال عون الحظر المفروض عليه قسراً في لبنان عن طريق ال"إنترنت" الذي مكنه من التحرك في غير موقع ومكان وزمان، وأطل من منفاه الباربيسي أمس على مناصريه وحاورهم بعدما ألقى فيهم محاضرة "صوتاً وصورة". وتحضيراً لمؤتمر عام سيعقد في 13 تشرين الأول أكتوبر التاريخ الذي اقصي فيه قائد الجيش السابق عون عن قصر بعبدا في العام 1990، عقد أمس في مدرسة الحكمة في الجديدة شرق بيروت المؤتمر السنوي الأول تحت شعار بداية التغيير بدعوة من "لجنة الشباب والشؤون الطالبية" في "التيار الوطني الحر" الذي يتزعمه عون، شارك فيه ممثله الشخصي في لبنان اللواء نديم لطيف ومسؤول اللجنة الدكتور كمال اليازجي وممثلون عن "التجمع من أجل لبنان" في باريس. مئات من الطلاب من قطاعات التيار بكروا في التوافد الى مكان المؤتمر لحجز أماكنهم، فغصت القاعة، التي تتسع لنحو 600 شخصاً بهم ووضعت في صدارتها صورة للعماد عون باللباس العسكري، وتوزع آخرون في الأروقة للاستماع الى كلمة الجنرال مباشرة التي افتتح فيها المؤتمر في يومه الأول والذي يختتم اليوم بعقد جلسات مغلقة يناقش فيها خطة العمل للمرحلة المقبلة وإعادة تنظيم صفوف "التيار". وألقى عضو اللجنة الطالبية في التيار طوني حرب كلمة ركّز فيها على معاني المؤتمر، ودعا الى "انتاج ثقافة ترسم رؤية جديدة وتفضح الاحتلال" و...، ووصف عون بانه "حجر الزاوية في جمهورية الغد". وما أن أطل عون حتى ضجت القاعة بتصفيق حاد استهل بعدها محاضرته بالقول "انتم الجيل المعوّل عليه في لبنان اليوم. أخذتم على عاتقكم قيام المؤتمر الأول للطلاب تحت شعار مؤتمر بداية التغيير، وهذا يفترض حركية دائمة". أضاف "لقائي معكم لتحديد أصدقائنا وأعدائنا وما علينا فعله حتى نخرج من الوضع السيىء الذي نعيش". وشبّه عون الوضع اليوم "بسهرة "التيتانيك" الباخرة التي اصطدمت بجبل جليد وغرقت في المحيط الأطلسي، الجميع يرقص ومتأكد من عدم غرقها، فالتيتانيك عندنا في طريقها الى الغرق وعلينا تجهيز قوارب النجاة، لأن الوضع خطير جداً"، وعاد بالذاكرة الى انطلاقة التيار الوطني الحر وقال "انه بدأ مع تسلمي مسؤولية قيادة القوات المسلحة في العام 1984 عندما قلت لرفاق السلاح: "نحن أمام خيارين، أما ان نكون مرتزقة للقوى الدولية أو نكون جنوداً للوطن والهوية، يومذاك بدأنا بخلق الحالة اللبنانية لأن الوضع كان محكوماً بخمس حالات غريبة عن لبنان فيما الحالة اللبنانية وحدها كانت غريبة عنها، وهي الحالة الفلسطينية الممثلة بمجموعات لبنانية خاضت الحرب ضد السلطة اللبنانية من أجل تثبيت سلطة المقاومة الفلسطينية. والحالة السورية التي كانت مؤلفة من بعض الأحزاب لا أريد أن أذكره كان يعمل للمصلحة السورية في لبنان، والحالة الإسلامية التي كانت تتواصل مع الخارج، والحالة الإسرائيلية التي كانت تتعاون مع اسرائيل لمحاربة الآخرين، وأما الحالة الخامسة فهي الحالة التقليدية"، وأشار الى ان "هذه الحالات كانت متحكمة بالوضع السياسي، وكانت تنقل ارادة الخارج الى لبنان"، وقال "ان الوضع الداخلي اللبناني تأثر به، لا سيما الاقطاع السياسي الذي كان يتحالف مع أي حالة من أجل وجوده، تضاف اليه حالة الاقطاع المذهبي الذي أعطى طابعاً للحرب على أنها طائفية وكذلك المافيا التي عملت على اضعاف الجميع حتى تتربع على عرش السلطة". اضاف عون "من هنا خلق التيار الوطني الحر، بداية كان عبر القوات المسلحة، وبعدما توليت رئاسة الحكومة التف الشعب اللبناني والتقى التيار من الشعب والجيش سوياً، لكن هذا الأمر لم يرق للمسؤولين الدوليين الذين بدأوا العمل لتفكيك لبنان"، وقال "ان هذا الوضع أوصلنا الى 13 تشرين وتم ضرب الحالة اللبنانية عسكرياً وجاءوا بالحالات القديمة التي انتقلت من حالة اسرائيلية في 17 أيار مايو الى حالة سورية في اجتماع الطائف ونتائجه، والإثنان كان عرابهما السياسة الغربية"، واعتبر "اننا نعاني اليوم من مرحلة انحطاط وصلنا فيها الى قعر الهاوية. إذ ان الخطاب الوطني مفقود والاستقلال مفقود والثوابت الوطنية ضائعة والأرض محتلة والجنوب تم رهنه بالجولان وكل سياسة هؤلاء تهدف الى تقسيم لبنان مذهبياً من أجل عدم قيام وحدة وطنية". وشن عون حملة عنيفة على الإعلام في لبنان وقال "ان الأداء الإعلامي يعمل لتطبيع الحالات الشاذة التي نعيشها اليوم إذ أن بعض الصحافيين عندما نتكلم معه عن التحرير يعتبر ذلك نوعاً من الخيانة". وقال "ان لبنان هو البلد الوحيد المحتل اليوم". وسأل "أي متى سيأخذ لبنان استقلاله". ثمة سقف محدد للإعلام اليوم إذ لا يجرؤ أحد على نشر الحقائق لا سيما الغلاء والأمن المفقود، أين السلم الأهلي وكل يوم نسمع عن عمليات قتل، كلهم يعملون في خدمة السلطة، ولذلك لا يمكن أن تكون الصحافة ركيزة للتغيير فالقرار في دمشق والتنفيذ في بيروت، فمعظم الصحف يملكها نقيب المحررين فيما نقيب الصحافة لا يملك واحدة منها، فالسلطة الرابعة ليست حرة في لبنان وهي خاضعة لسلطة الاحتلال والنقابات على تناقض مع ذاتها، وفي مقدمها رئاسة الاتحاد العمالي العام، المؤسسات كلها تستوجب التغيير وهذا الأمر يجب أن يأخذ حيزاً كبيراً من عملنا والأولوية هي لتحرير الأرض من كل القوى المحتلة في لبنان، لكن لا يمكن أن ننال حريتنا في ظل الاحتلال اذ أن التغيير في هذه الحالة سيكون لمصلحة المحتلين، لذلك الأولوية للتحرير". وقال "لنا الحق في التعبير عن رفضنا لأي وجود غريب ولأي احتلال"، مشيراً الى ان "لدينا ثلاثة قرارات تتطلب التنفيذ وهي ال425 وال426 وال520. ولكل منكم الحق في التظاهر واعلان رفضه لتواجد القوات السورية والإسرائيلية"، وقال "يرفضون ترتيبات أمنية في لبنان لأن سورية شعرت ان ذلك ليس من مصلحتها". وسأل "لماذا لا نعمل على اتفاق مع اسرائيل وبالشروط الأمنية التي عملتها سورية مع اسرائيل في الجولان لكنهم يرفضون ذلك". وأضاف "وعلى المستوى الوطني كلنا يعرف ان الانحطاط في مفهوم الوحدة الوطنية وصل الى أقصى درجاته، خصوصاً عندما نرى رجال السياسة و"الترويكا" يواجهون بعضهم والوزراء ورئيس حكومتهم يتهمون بعضهم بالسرقات في غياب القضاء، والمجلس النيابي مهمش، العصابات منسجمة مع بعضها أكثر منهم فيما المعارضون يتسترون بالمعارضة من أجل تلميع صورتهم، فهؤلاء أبشع حالاً من الموالين"، وسأل "ماذا ينفعنا اليوم الحديث عن الانتخابات الرئاسية، عندما نتحدث عن حصص الغرباء فيها وما دامت خاضعة للقرار السوري وللإرادة الفرنسية"؟ واعتبر "ان رئيس الجمهورية أقل من متصرف فلماذا الدجل علينا ما دام البروتوكول فُقد عندنا؟"، وسأل "الى أين ذاهبون بالبلد ورئيس الحكومة حمّل لبنان ديوناً تفوق قدرته، وتحت عنوان الاعمار أصبح البلد مرهوناً؟"، وأضاف "لا يوجد فصل بين السلطات في لبنان، وثمة سلطة تنفيذية واحدة متحكمة بكل السلطات، نحن كتيار حر لا نريد العنف لكن مواقفنا قوية في حقنا ولذلك نطالب باسترداد قرارنا الحر، إذ من المستحيل تغيير مؤسسات الدولة والحكومة من دونه". ودعا أنصاره الى "خلق حالة شعبية وتغذيتها بالضمير والقرار والرأي الحر، ونحن لا نريد عنفاً لكن مواقفنا حرة". وأعطى "الأولوية للتحرير ومن ثم للتغيير وعند ذلك سنحول تيارنا الى حزب سياسي". ورأى "ان تغيير الحكومة في الوقت الحاضر لا ينفع إذا لم يتغير النظام السياسي ككل ويجب وضع الخطوط الكبرى لتغيير الوضع القائم"، وختم بالقول "سُئل أحد المسؤولين الإسرائيليين لماذا تتفوقون على العرب، فأجاب: لأن العرب إذا حاولوا الصعود الى أوتوبيس لا يقفون بالصف، نظموا أنفسكم وعندها في إمكانكم تغيير الشرق كله". ودار حوار قصير بين الطلاب وعون حول التحرير والتغيير وإنشاء حزب سياسي وتشكيل وسيلة إعلامية وإسقاط الحكومة والعلاقات مع الدولة. ورداً على سؤال لأحد الطلاب عن ان الانتخابات البلدية جددت التحالف بين دوري شمعون والوزير وليد جنبلاط والرئيس أمين الجميل وغيرهم. أجاب عون "نحن حددنا موقفنا ومن يريد أن يمشي معنا فأهلاً وسهلاً"، لافتاً الى "ان الاقطاع السياسي العائلي هو الركن الأساسي والعائلات تلعب دوراً كبيراً وسلبياً في هذا الإطار، وقد فضلوا العائلات على الوطن، إذ ليس من المعقول أن نبني علاقة مع سلطة مرهونة للخارج وندخل في مؤسساتها، لأنها امتداد للاحتلال. فليساوم مع السلطة من يساوم. هناك تناقض جوهري بين المواقف والممارسة". ولما سأله طالب آخر عن التناقض في كلامه عندما سألته احدى الصحف الأجنبية هل أنت عربي فرد بأنه فينيقي، ولما سئل السؤال نفسه من قبل محطة "أوربت" قال "نعم أنا عربي"، رد عليه عون قائلاً: كذب... فعلا التصفيق في القاعة، وعقب عون بالقول "مع احترامي للسائل، أنا لبناني". وتخللت المؤتمر كلمة لكريستوفر كانتالو بإسم التجمع من أجل الجمهورية الفرنسية دعا فيها الشباب الى "تحديد رؤيتهم ونظرتهم في شتى المجالات لتحديد الخطط وتوحيد الرأي". ثم تكلم محمد مطر عن دور الحركة الطالبية في ضوء تجربتها قبل الحرب، فالدكتور اليازجي عن الإمكانات الثورية للطلاب والمثقفين، وشدد على "أن المؤتمر هو رد أولي على كل الإشاعات التي تقول ان التيار في انحدار". بعد ذلك دار حوار مغلق عبر الهاتف بين عون والطلاب في شأن الهيكلية الجديدة للتيار".