ساد الذعر أسواق المال الروسية أمس الاثنين اثر قرار الحكومة "تعويم" الروبل. ونفى رئيس الوزراء سيرغي كيريينكو ان يكون هذا الاجراء خفضاً رسمياً للعملة المحلية، إلا ان قيمة الروبل انهارت 50 في المئة في محلات صرف العملة. وأعلنت السلطة التنفيذية اجراءات أخرى بينها وقف تسديد القروض للدائنين الاجانب وألغت السندات الحكومية وفرضت تقييدات على تحويل العملة. وقال محللون ومتداولون في لندن ان كل هذه الاجراءات تعتبر خفضاً لقيمة الروبل. وترددت أنباء في موسكو بعد ظهر امس تفيد ان الكرملين ينوي إقالة حاكم البنك المركزي سرغي دوبينين وان المستشار الاقتصادي الرئاسي الكسندر ليفشيتس قدم استقالته. وعلى رغم ان الرئيس بوريس يلتسن كان أكد قبل ثلاثة أيام انه لن يتم خفض قيمة الروبل، إلا ان البيان الذي أصدرته الحكومة والبنك المركزي امس يعني عملياً خفض سعر العملة المحلية. وبموجب الاجراءات الأخرى تم توسيع "الممر المالي" المحدد لصرف الدولار والذي كان سعره الأعلى بلغ الجمعة الماضي 6.3 روبل، فيما رفعته الحكومة الآن الى 9.5 روبل. وذكر البيان ان الدولة ستتبع "سياسة مرنة" في تحديد أسعار الفائدة بهدف خفض "هجوم المضاربين" على العملة المحلية. وتم فرض قيود على عمليات تبديل العملة "بكميات كبيرة"، كما منع الاجانب غير المقيمين من شراء ودائع وأوراق مالية بالروبل لا تتجاوز فترة تسديدها 12 شهراً. وجمدت الحكومة لمدة 90 يوماً تسديد القروض المستحقة لجهات اجنبية، وتوقف ايضاً تسديد المستحقات عن تأمين القروض المرهونة مقابل أوراق مالية. وأوقفت الحكومة التعامل بسندات الدولة التي ينتهي اجلها أواخر السنة المقبلة على ان يعاد اصدارها في صيغة سيتم تحديدها لاحقاً. والإجراء الأخير يعني انهيار أكبر "هرم مالي" انشأته الدولة بعد ان أفلست قبله "اهرامات" أخرى أقامها نصابون مطلوبون الآن للعدالة. وعقد رئيس الحكومة سرغي كيريينكو مؤتمراً صحافياً عاجلاً أكد خلاله ان القرارات ليست خفضاً للروبل بل "تعاملاً جديداً مع السياسة النقدية". وقال ان سوق الأوراق المالية "لم يعد لها وجوداً عملياً وستنشأ من جديد". واعتبر اجراءات حكومته "تراجعاً نحو خط الدفاع الثاني" سببه الأزمة المالية العالمية وبقاء أسعار النفط من دون تغيير، وانسحاب الرساميل الاجنبية من روسيا وانخفاض احتياط الذهب والعملة. من جهته قال حاكم البنك المركزي سيرغي دوبينين ان القرارات الأخيرة تعني "نهاية المضاربة، وتحول الأموال الى القطع الفعلي المنتج". وفور اعلان القرارات أوقفت غالبية البنوك ومحلات صرف العملة بيع الدولار. لكن عدداً منها طرحه بسعر 9.5 دولار أي اكثر بپ50 في المئة عما كان عليه سابقاً. واصطفت طوابير الراغبين في شراء العملة، غير ان المواطنين لم يقتنوا الدولار بسعر الحد الأقصى. وعلى رغم إرجاء افتتاح البورصة لمدة ساعتين، الا ان الصفقات التي عقدت خارجها اظهرت هبوط اسعار الاسهم بين 17 و20 في المئة، لكن الاسعار عاودت الارتفاع بعد الافتتاح، حتى ان اسهم الشركات المرتبطة بانتاج النفط زادت بنسبة راوحت بين 2 و5 في المئة عن سعر الاغلاق الجمعة الماضي. وإثر إعلان القرارات، عقد كيريينكو لقاء مع رئيس الدولة صرح على أثره ان حركة تعديلات وزارية قد تجري لاحقاً في ضوء السياسة المالية الجديدة. من جهة أخرى، وصل الى موسكو في زيارة مفاجئة وفد من صندوق النقد الدولي، فيما أصدر مديره التنفيذي ميشال كامديسو بياناً أيد فيه اجراءات موسكو وطلب من المستثمرين الاجانب "تفهم" موقف الحكومة الروسية. من جهتها اعربت الصين أمس عن قلقها من الخفض الفعلي للروبل وقرار موسكو تأجيل تسديد ديونها الخارجية لمدة 90 يوماً. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية زهو بانغزاو في بيان ان "الصين قلقة من الوضع المالي في روسيا"، وإن بلاده تأمل في ان "يستقر" الوضع المالي فيها. ولم تصدر اي ردود فعل مباشرة عن الاسواق الماليةالصينية على الخفض الجديد للروبل لكن بورصة شانغهاي سجلت قبل اعلان عن خفض العملة الروسية تراجعاً كبيراً صباح أمس بنسبة 1.6 في المئة. ويعود سبب ذلك خصوصاً الى النتائج المتوقعة للفيضانات الكارثية على النمو في الصين. وكررت الصين في الايام الاخيرة تعهدها عدم خفض اليوان على رغم الضغوط التي تتعرض لها صادراتها. في طوكيو قال متداولون ان مؤشر "نيكاي" هبط أمس الى ما دون مستوى 15 ألف نقطة الذي يمثل حاجزاً معنوياً مهماً وسط تزايد المخاوف المحلية من الكساد المصرفي والاقتصادي وخشية احتمالات استمرار تزايد موجات البيع في البورصات العالمية. وكان تراجع "نيكاي" أحد عوامل ارتفاع الدولار تدريجاً ازاء الين خلال التداولات على رغم ان اعلان روسيا تعليق دفع ديونها كان له أثره الأكبر على العملة الأميركية.