أقامت السفارة الفرنسية في الرياض اخيراً معرضاً للصور المطبوعة يضم أعمالاً لأربعة فنانين من الجيل الجديد في فرنسا هم: جان شارل بليس، هيلين ديلبارت، فيليب فافييه، وجيرار غاروست. ما يدهش الزائر للمعرض إحساسه بأن تلك اللوحات المعروضة ليست غريبة عليه لأن فيها زخماً عالياً من الصور البدائية المختزنة في الذاكرة المطلعة. وساعد في قبول تلك الصور المطبوعة استخدام أولئك الرسامين للوني الابيض والاسود، وكأن هذا الجيل الجديد يعلن بأدواته الكلاسيكية المستخدمة وبتمثيله للفكرة التي تتضمنها اللوحة حنيناً يتدفق بالحسّ الابداعي المتطلع الى العفوية وتلقائية التعبير. ويعبّر الرسام جان شارل بليس يمارس الحفر على الشمع والحفر بماء الفضة وكذلك الطباعة الحجرية وأحياناً الحفر على الخشب أو الزجاج عن طريقته بالقول: "انني ارسم اشكالاً لم تعد شخصيات بل أشياء، لقد أصبح الجسد قطعة رسم، مع ذلك فإن شكل الجسد باق، لأني في الحقيقة لم أنته منه أبداً". والمشاهد للوحات الفنانة هيلين ديلبارت تستخدم خامة الشمع "اللينوليوم" وتحفر على النحاس يحس بالبساطة التي كان يتمتع بها الفنان البدائي في طرائق تعبيره السهلة. وتقول هيلين عن ذلك: "ما يجذبني بشكل خاص الرسومات التي يرسمها اناس لا يسمون انفسهم رسامين ولا يطالبون بهوية وبتخصيص الرسامين. شيء له علاقة بالتصوف، بالفن البدائي العفوي". ويشغل أولئك الفنانين الجدد بحثهم الواضح في جميع رسوماتهم المعروضة عن الخصوصية الفنية. يقول فرانسوا فوامن مسؤول المعرض والأمين العام للمكتبة الوطنية عن تقنياتهم المستخدمة ذات الكلفة المادية العالية: "هم لا يفولذون المعدن رغبة منهم في الحفاظ على كثافة اللون الاسود المخملي في الصورة المحفورة بالمنحت وعلى الدقة الفريدة لخط الصورة المحفورة بماء الفضة. إنهم يختارون الورق بعناية فائقة، ويستعينون بالورق الصيني، ويفضلون الإكثار من البدائل من عمل لآخر، ومتطلبات كهذه تحد من عدد النسخ المسحوبة إذ نادراً ما تتجاوز خمساً وعشرين نسخة... فنتاجهم نادر جداً". وندرة القطعة الفنية من الغايات المؤكدة للفنون الحديثة التي يسعى الفنانون المتمكنون الى تطبيقها حفاظاً على قيمة نتاجهم الإبداعي ومعناه. وهذا ما يبدو من رسومات فناني الجيل الجديد في فرنسا : ندرة في الخامة وفي التقنيات المستخدمة، ومهارة... وبالتالي خصوصية تتحقق بفضل تلك المزايا الثلاث. ويختصر فيليب فافييه يمارس بشكل اساسي الحفر بماء الفضة والمنحت والطباعة الحجرية حديثه عن رسوماته بالقول: "رسوماتي لا تتطلب حركة أكثر من رمية نرد، والاقتصاد في الوسائل يسحرني". وتأتي رسوماته في لوحات صغيرة الحجم الى حد انك لا تستطيع رؤية ملامح اللوحة عن بعد متر ونصف المتر، فهي بحجم الكف او أصغر قليلاً. لكنها رسومات في غاية الجرأة الفكرية. ومع بساطة الخطوط إلا ان تعابيرها المتقنة والسهلة تقبض على العين من النظرة الاولى عند أول خطوة تقترب فيها العين من اللوحة. ولم يخطئ الفنان فافييه عندما عبر عن رسوماته بأنها "رمية نرد" بل رمية نرد ساحرة أيضاً. الفنان الرابع جيرا غاروست يكبر الثلاثة السابقين بعشر سنوات، وقد جاء متأخراً الى النقش. وعن رغبته المتأخرة يقول: "كانت لدي الرغبة في استخدام اللون الاسود على سطح ابيض لأنني كنت أرغب في مواجهة الافعال الاكثر بساطة... إنها حركة بدائية وأكثر مباشرة من اللوحة". وعن الموضوعات التي عبر عنها ذلك الجيل يقول فرانسوا فوامن مسؤول المعرض: "الموضوعات المتناولة هنا هي صور تتحدث عن موضوعات أزلية: الملحمة أو التراجيديا، بأسلوب قصة غامضة في القرون الوسطى أو بأسلوب حكاية لفولتير. نحن أردنا أن نضع نتاج أعمال من الماضي ليس للإشارة الى مصادر أكيدة بل للتنويه إلى هذه اللقاءات من قرن الى آخر".