يدخل اليمن اسبوعاً حاسماً. ذلك ان استمرار الاشتباكات في محافظتي مأرب والجوف، في حال لم يوضع حد له، سيعني ان نظام الرئيس علي عبدالله صالح يتعرض لأخطر تحد يواجهه منذ 20 عاماً. والتحدي الجديد يحمل في طياته خطورة كبيرة نظراً الى انها المرة الأولى التي يواجه النظام، وفي شكل واسع، اضطرابات ذات طابع قبلي ومناطقي في الشمال منذ قيام الوحدة اليمنية في 22 ايار مايو 1990... فرياح الازمة المتوقعة من الجنوب، جاءت هذه المرة من الشمال. في الاسابيع التي سبقت اشتباكات مأرب والجوف، كانت هناك مخاوف من مخطط يستهدف إحياء "المسألة الجنوبية" في اليمن، ذلك ان سلسلة من الاحداث في المحافظات الجنوبية والشرقية اوحت بأن الوضع في الجنوب ليس على ما يرام وان غير جهة تسعى الى استغلال هذا الوضع. ففي حضرموت هناك توتر جراء مقتل مواطنين إثر تظاهرة غير مرخصة قمعتها قوى الأمن، وفي الضالع حادث مقتل محمد ثابت الزبيدي على يد رجال الأمن، والزبيدي لم يتوقف عند حاجز اقيم قرب قريته للقبض عليه. وأدى ذلك الى اضطرابات واسعة ادت الى تدخل الجيش. وفي ابين تحرك للحزب الاشتراكي فضلاً عن وجود مجموعة متطرفة تضم نحو 80 عنصراً 70 يمنياً و10 عرب من جنسيات مختلفة تحصنت في الجبال. ويتدرب افراد هذه المجموعة وهم من الافغان العرب على استخدام المتفجرات خصوصاً. اذا اخذ كل من هذه الحوادث بمفرده، فانه يبدو من النوع الذي يمكن السيطرة عليه، بالمقاييس اليمنية طبعاً، لكن الخوف كان من وجود رابط بين كل تلك الحوادث في مرحلة ما يؤدي الى انفجار واسع في الجنوب. وظل هذا الهاجس قائماً الى ان حصلت احداث مأرب والجوف التي كشفت ازمة سياسية عميقة بين حزب المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للاصلاح، الذي تتنازعه تيارات عدة منذ انتقاله الى المعارضة بعد الانتخابات الاخيرة التي أُجريت في نيسان ابريل 1997. كان على "الاصلاح" ان يستغل رفع الحكومة اسعار بعض المواد الضرورية للمواطنين ليستعيد شعبيته في الشارع وليظهر انه معارض بالفعل، وانه ليس كما يصفه منتقدوه الوجه الآخر للسلطة، بدليل ان زعيم "الاصلاح" الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر يشغل منصب رئيس مجلس النواب. مارس "الاصلاح" لعبة المعارضة في الشارع بعدما كان متهماً بممالأة السلطة لحماية اعضائه الذين شغلوا مواقع في الجهازين الاداري والحكومي عندما كان شريكاً في الحكم. الا ان هذه اللعبة خرجت عن نطاق السيطرة بعدما اخذت بعداً مختلفاً خصوصاً بعدما تبيّن ان للجناح الديني المتزمت في الاصلاح اجندة خاصة به. فالدعوات التي أطلقها أئمة الجوامع الموالون للحزب الاسلامي لقيت صدى واسعاً وبدت بمثابة محاولة جدية هي الأولى من نوعها لاختراق التركيبة القبلية للبلاد. وكان ابرز دليل على محاولة جناح معيّن اختراق هذه التركيبة الدعوات الى التظاهر التي اطلقت من المسجد الذي بناه في صنعاء الشيخ ناجي عبدالعزيز الشايف شيخ مشائخ بكيل، الذي رد فوراً على التحدي بتصريحات هاجم فيها الاسلاميين المتطرفين والاحزاب... لكن البعد الاخطر للاحداث كان المواجهات في مأرب والجوف، وإذا قدر للاشتباكات بين القبائل والجيش ان تستمر في تلك المناطق التي يتدفق منها النفط، سيكون على الحكومة اليمنية ان تستقيل وان يدفع الدكتور عبدالكريم الارياني ثمن ما يسمى في اليمن "القرارات السعرية". واستقالة الارياني تريح اولاً الشيخ الاحمر الذي يفضل أي شخص آخر في موقع رئيس الحكومة، كما تريح الارياني نفسه الذي يعتبر ان سنه لم تعد تسمح له بممارسة مسؤوليات كبيرة وكثيرة ترتب عليها أعباء لم يعد قادراً على تحملها، ذلك انه اضافة الى رئاسة الحكومة، يتولى الارياني منصب الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام. والذين يعرفون رئيس الحكومة اليمنية عن قرب ينقلون عنه انه يفضل استمرار الاصلاحات الاقتصادية على استمراره في رئاسة الحكومة. وهو يعطي مثلاً على ذلك انه عندما تولى رئاسة الوزارة للمرة الأولى مطلع الثمانينات، جاء الى الرئيس علي عبدالله صالح وقال له ان لديه قراراً سيتكفل اسقاط الحكومة. ولما سأله الرئيس عن القرار اجابه انه يريد منع استيراد الفواكه والخضر. وبالفعل سقطت الحكومة. لكن رئيس الحكومة الذي خلفه التزم القرار وهناك حالياً في اليمن كميات من الخضر والفواكه تفوق حاجة السوق المحلية. وفي اعتقاد الارياني ان لا بديل امام اليمن من اقرار الاصلاحات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو هل ان الازمة التي يشهدها البلد لا تزال محصورة بالاصلاحات الاقتصادية، أم ان عوامل كثيرة تداخلت ادت الى مواجهة لا سابق لها بين الجيش والقبائل في منطقة اقل ما يمكن ان توصف به انها قلب الاقتصاد اليمني ورئتاه. اذا استمرت الاشتباكات، سيواجه النظام اليمني تحدياً فضّل دائماً العمل على احتوائه والتعاطي معه بالحسنى... والأكيد ان ضحية استمرار الازمة لن يكون سقوط حكومة الارياني فحسب، بل ان اموراً اخرى ستتغير في مقدمها طريقة تعامل النظام مع المجموعات الاسلامية...