تكثر المناورات والتسريبات والتكهّنات في الوسط السياسي اللبناني في شأن الإستحقاق الرئاسي وصورة العهد المقبل، لكنها تبقى في اطار اللعبة الإعلامية ولا تتعدّاها الى صنع وقائع سياسية جديدة تتضح من خلالها صورة الرئىس العتيد وتركيبة العهد والتجديد الذي يمكن ان يحصل فيه. ويرى المتتبّعون عن كثب لما يجري في مداولات عليا في شأن انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، ان ما نسمعه ونراه ونقرأه هذه الأيام ليس إلا لعبة لتقطيع الوقت يمارسها السياسيون المحليون، في محاولة لتأكيد حضورهم في هذا الاستحقاق الذي يسلّم الجميع انه سيكون من صنع الناخب الأكبر، بل الأوحد ربما، اي سورية. وفي معلومات "الحياة" انه رغم الضجة وتعدّد التسريبات فان اقطاب السياسة اللبنانية يدركون ان اي تطور عملي جديد لم يطرأ في شأن الانتخابات الرئاسية اللبنانية، على صعيد الوقائع السياسية، سوى استبعاد التمديد للرئىس الياس الهراوي الذي بات محسوماً في شكل أكيد ليس فقط من باب الاستنتاج بل ايضاً من باب المعلومات. ويقول القطب نفسه انه اذا كان الناخب الأكبر، سورية، في الرئاسة اللبنانية، يحاول تأجيل فتح الملف كي يقبل عليه عندما يقترب موعده الدستوري، تجنباً للتجاذبات، وكي يتناغم حسمه لخياراته في صدد الرئىس الجديد بالتناغم مع التطورات الاقليمية المتعلقة بعملية السلام فلأن القيادة السورية تفضل ان تأخذ في الحساب المواقف الخارجية حيال التطورات في لبنان، لجهة مصير العرض الإسرائيلي تنفيذ القرار الدولي الرقم 425، في ضوء ما سيحصل على المسار الفلسطيني لعملية السلام، وانعكاسات ذلك على المسار السوري وبالتالي اللبناني ...الخ. ويضيف هذا القطب ان استبعاد التمديد للهراوي، اضافة الى انه خيار، يرى المسؤولون السوريون انه الأفضل لأن الوضع اللبناني الداخلي لا يحتمله، هو ايضاً، نقطة من نقاط البحث المتواصل بين سورية والدول الغربية المهتمة بالوضع اللبناني، وفي مقدمها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. ويرى القطب ان الاتصالات المتواصلة بين دمشقوباريسوواشنطن حول عملية السلام، التي تحرص القيادة السورية على ان تنتج تفاهماً على حد أدنى من الأمور تجنّب سورية تمادياً في الضغط الإسرائيلي عليها شملت لبنان حكماً، اضافة الى الموقف من خطوات الحكومة الاسرائيلية. وهي اتصالات أنتجت توافقاً على نقاط وتركت نقاطاً اخرى معلّقة. لكن بين النقاط المتفق عليها، في لبنان، على ما يبدو استبعاد التمديد، من اجل التجديد في السلطة، والتجديد في الحياة السياسية ايضاً. ويشير القطب نفسه الى توافق بين الدول من هذا النوع ليس مسألة قابلة للتعديل إلا وفق ظروف قاهرة وأن هذا ما يفسّر اضطرار رئىس المجلس النيابي نبيه بري الى التوضيح، حين بنت اجهزة الإعلام على اعلانه رداً على سؤال حول التمديد "ليش لأ؟"، بأنه مجرد "مزحة". ويضيف القطب نفسه ان مزحة بري اوحت ان التمديد وارد، فيما ادرك لاحقاً ان الكثيرين بدأوا يبنون عليها فنفاها على طريقته، لأن القرار المتخذ باستبعاد التمديد ليس مجرد مزحة ولأن توافقاً سورياً غربياً على هذا الاستبعاد لا يقبل المزاح ... خصوصاً ان واشنطن تعلن منذ مدة حرصها على اجراء "انتخابات" وأن باريس تتمنى حصولها "كانطلاقة جديدة في الوضع اللبناني الداخلي" وأن دمشق تعتبر ان هذا الأمر يشكل إحدى نقاط التقاطع حالياً بينها وبين هاتين العاصمتين. ورغم قناعة الكثيرين من المستعجلين في طرح الأسماء وتناول الموقف من المرشحين في الوسط السياسي اللبناني، ان التمديد مستبعد، فان هؤلاء يواصلون الاخذ والرد حول الترشيحات، لاعتقادهم انه على رغم نصائح "الناخب الأكبر والأوحد" بترك التداول في اسم الرئيس العتيد الى ايلول سبتمبر المقبل، فلا بد للقيادة السورية ان تهيئ الأمر منذ الآن وأن استحقاقاً من هذا النوع لن تبتّه دمشق في مطلع الخريف من دون تهيئة له ومن دون غربلة في الأسماء وتشاور في شأنها او جسّ النبض حولها، منذ الآن وهذا ما يجعل المناورات المحلية بالتالي ذات مغزى، اذ يحاول كل فريق ان يواكب التحضيرات السورية على طريقته. وفي رأي اوساط سياسية ان المشاورات البعيدة من الأضواء حول العهد المقبل قد تكون قطعت شوطاً، من دون ان يعني انها رجحت هذا الاسم او ذاك، لكنها على الأرجح توصلت الى استبعاد هذا الاسم او ذاك ليستمر البحث بالأسماء الواردة الاخرى. وتعتبر هذه الاوساط ان اعلان وزير الدفاع محسن دلول عن ان الحريري ابلغ اليه عدم نيته البقاء في الحكم مع بداية العهد المقبل هو احد الدلائل الى ان البحث في التركيبة المقبلة اخذ يتسارع وربما كان السجال حول ما اذا كان الحريري يبقى أو لا يبقى في الرئاسة الثالثة هو احدى الوقائع السياسية الجديدة المضافة الى واقعة استبعاد التمديد. ويقول مصدر سياسي ل"الحياة" ان الحريري أبلغ الى المسؤولين السوريين في الآونة الأخيرة، مرات عدة، رغبته في عدم ترؤس الحكومة المقبلة التي ستشكل في العهد الجديد، بل ان اللقاء الأخير الذي حصل في بلدة شتورا قبل أسبوعين بين نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، والرئيسين بري والحريري بدعوة من قائد جهاز الأمن والاستطلاع اللواء الركن غازي كنعان تناول هذا الموضوع، ان اثناء اللقاء أو على هامشه، من دون التعمق فيه. وتفيد المعلومات ان المسؤولين السوريين سبق أن نقلوا الى قادة لبنانيين، رغبة الحريري هذه فاستغربها بعضهم، فيما رد البعض الآخر بأنه رغم خلافه مع رئيس الحكومة فإن بقاءه ما زال ضرورة. ويرفد هذه المعلومات، ان الحريري نفسه أخذ في الآونة الأخيرة يردد أمام حلقات ضيقة من زواره، أنه "إذا استمر الوضع في البلاد على هذا المنوال من تنازع الحصص والتعامل بعقلية عرقلة بناء دولة المؤسسات وعدم أخذ مصلحة الخزينة في الاعتبار وتغطية الاهدار والفلتان في بعض الإدارات، فإني لن أقبل حكماً في العودة الى الحكومة"، ويقول الحريري "انه أخطأ في السابق بالقبول بالمساومات مع الأقطاب السياسيين ويقر بأنه غض النظر عن المخالفات ولذلك يفضل بعد الآن ترك المجال لغيره ليجرب". ويذهب بعض مؤيدي الحريري الى حد القول انه آن له أن يرتاح خصوصاً ان خصومه كثروا في الأشهر الأخيرة، فيكون خروجه من الرئاسة الثالثة لمصلحته، ليسعى غيره اصلاح ما لم يستطع هو اصلاحه، بعد ست سنوات من الحكم. وإذا كان السجال حول هذا الأمر هو من الوقائع، فهل ان تنحي الحريري يصبح هو أيضاً من الوقائع؟ المصادر السياسية تعتبر ان الأمر لا يعود الى قرار الحريري وحده فللقيادة السورية أيضاً رأيها في تركيبة الحكم المقبل حكماً، لكن السجال يدل الى أنه مثلما التمديد للهراوي لن يحصل، فإن الباقين قد يكونوا معرضين للتنحي أيضاً. وهذا يجعل أركان العهد الحالي متساوين... ويجعل تنافسهم على المواقع في العهد المقبل أقل حدة مما هو عليه الآن