أشارت تقديرات صيف 1996 الى ان نحو واحد من كل ستة من سكان تل أبيب هو عامل أجنبي. ذلك ان نحو ربع مليون اجنبي تدفق على اسرائيل للتعويض عن العمال الفلسطينيين الذين حرموا من أشغالهم بعد الحصار الذي ضربته على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكان هناك نحو 116 ألف عامل فلسطيني في اسرائيل في 1992، وانخفض الرقم الى 66 ألفا في 1994، ثم الى نحو 40 ألفا للسنة الجارية. الاحصاءات الرسمية الاسرائيلية في غالبها ليست موثوقة، لكن يمكن منها ان نقدر ان عدد العمال الأجانب ارتفع من 16 ألف عامل في 1990 الى نحو 186 ألفا اليوم، اكثرهم في قطاع البناء. نصف هذا العدد يحمل ترخيصا رسميا بالعمل، بينما يعمل النصف الآخر في شكل لا شرعي. ويشكل القسمان ما يقرب من عشرة في المئة من اليد العاملة. نصف هؤلاء العمال يأتي من أوروبا الشرقية، خصوصا رومانيا، ويأتي 45 في المئة منهم من آسيا، خصوصا تايلند والصين والفيليبين، اضافة الى خمسة في المئة من أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط. سياسة الحكومة الاسرائيلية، على الأقل من حيث الادعاء، هي تفضيل اليد العاملة الفلسطينية والخفض التدريجي للعمالة الأجنبية. في هذا السياق تم السنة الماضية طرد 3300 من العمال الأجانب. أوضاع العمال الأجانب في اسرائيل لا تدعو الى الارتياح، كما بيّن تقرير بالغ السلبية اصدرته منظمة "ووركرز هوت لاين" الاسرائيلية المختصة بالدفاع عن مصالحهم. ووصف التقرير ظروف العمل القاسية التي يعاني منها الكثيرون من هؤلاء العمال، من ضمنها حرمانهم من المعلومات عن حقوقهم حسب القوانين الاسرائيلية والدولية، ووضعهم السكني السيئ، وانخفاض مستوى الأجور، وعدم توفر الضمان الصحي الكافي، والمعاملة السيئة لدى وقوع حوادث تتعلق بالعمل الخ. في مجالات الحياة هذه وغيرها تعاني العمالة الأجنبية من انتهاكات لا تحصى من قبل أصحاب الأعمال لقوانين العمل الاسرائيلية التي يفترض لها حمايتهم، ناهيك عن الانتهاكات لميثاق "منظمة العمل الدولية" الذي وقعت عليه اسرائيل في 1953. ولا يتمتع هؤلاء بالامتيازات الكثيرة التي توفرها "دولة الرفاه الاجتماعي" الاسرائيلية للمواطنين. يعني هذا عمليا ان العامل الأجنبي قد يعمل من 12 الى 15 ساعة يوميا بأجر يقل عن الحد الأدنى الاسرائيلي للاجور، بينما يربطه عقد العمل بصاحب عمل واحد يحتجز جواز سفره في شكل غير شرعي. يلاحظ التقرير ان العامل الذي يحاول تغيير عمله يواجه احتمال خسارة وضعه القانوني ويتعرض للطرد -- وفي هذه الحال فانه ينتظر موعد الطرد في سجن جنبا لجنب مع المجرمين العاديين. هناك بالطبع اسرائيليون يعاملون العمال الأجانب باحترام. واذا كان هناك بصيص من الضوء في آخر النفق فهو يأتي من منظمة "الأطباء المدافعون عن حقوق الانسان" التي افتتحت في تل أبيب اخيرا عيادة للعمال الأجانب. يدير العيادة من دون أجور بروفسور مرموق في أمراض القلب، يرى ان "الحق في العناية الطبية يوحد الجميع"، وان المشروع "يخترق كل الخلافات والمعسكرات السياسية". يعطي طبيب في مستشفى "هاداسا" في القدس مثالا استقاه من تجربته. فقد كان له، اثناء عمله في النوبة الليلية في المستشفى، أن يعالج نيجيريا يعمل في صورة غير شرعية وتفاقم مرضه لأنه كان يخشى افتضاح أمره عند مراجعة المستشفى. وكانت النتيجة موت العامل بعد يومين بسبب تأخر العلاج. وقال الطبيب: "لا يمكن للدولة ان تعتبر العمال الأجانب مجرد مخلوقات لها عضلات وانها لا تدين لهم بشيء". هكذا فان غالبية العمال الاجانب تعيش في مساكن بائسة وبمعزل عن السكان المحليين من دون حماية نقابية أو خدمات صحية كافية. كما ان اكثر من نصف أطفال العمال الذين لا يحملون ترخيصا لا يذهب الى المدارس خوفا من فضح وجود الأسرة وبالتالي طردها. الوزارتان المعنيتان بشؤون العمال الأجانب هما الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وكلاهما تحت وزير من حزب "شاس" الديني المتطرف المنادي بالحفاظ على "الطبيعة اليهودية للدولة". ويؤدي هذا الى تعرض الزيجات المختلطة بين الاسرائيليين والعمال الأجانب الى الضغط والاهانات من قبل المسؤولين الحكوميين. من الأمثلة على موقف المسؤولين قول وزير العمل ايلي يشاي تعليقا على اتهام عامل تايلندي باغتصاب وقتل فتاة في احد الكيبوتزات: "وقع ما كنا نخافه. للعمال الأجانب تأثير قاتل على مجتمع اسرائيل. انني ارتجف عندما أتصور حالنا اليوم لو لم نتخذ خلال السنتين الماضيتين سياسة متشددة تجاه تزايد استعمال العمالة الاجنبية". لكن سواء عرف يشاي ام لم يعرف فان نسبة تورط العمال الأجانب في الجرائم تقل عنها بين الاسرائيليين عموما. لكن العنصرية، ضد العرب أو الأجانب، لا تعتمد على الوقائع بل تخاطب الغرائز الأحط عند الجمهور. ورفض شاي الاعتذار عن تصريحه. على رغم سوء أوضاع العمال الأجانب ليس ما يدعو الى الاستغراب من مجيئهم الى اسرائيل، ذلك ان الحد الأدنى للأجور فيها يعادل، على سبيل المثال، خمسة أضعاف ما يحققه عامل البناء الروماني في بلده. وكان سبعة من سفراء الدول التي تصدر اليد العاملة الى اسرائيل شكوا في حزيران يونيو الماضي الى لجنة في الكنيست من الاستغلال والأذى الذي يتعرض له رعاياهم. وقال سفير غانا ان حكومته احتجت الى حكومة اسرائيل رسميا على سوء معاملة الغانيين، فيما قال سفير نيجيريا انه كان "يتوقع من الدولة اليهودية التي عانى شعبها من اللاسامية أن تكون على قدر اكبر من الحساسية وتعامل العمال الأجانب على انهم بشر". * مدير التحرير المشارك لمجلة "بالستين - اسرائيل جورنال"