تنطوي الرواية الإسرائيلية للتاريخ والأحداث على جملة من المطبات التي ينبغي الانتباه لها، ولعل من العبث التعامل مع تلك الرواية ببراءة أو بالكثير من السطحية، حيث النظرة إلى ليبرالية المجتمع الإسرائيلي وتعامله بانفتاح مع أحداث التاريخ، وهي النظرة التي تفترض صدق تلك الرواية الكاملة وتجردها، بينما هي مدججة بالكذب والتدليس، حسب الاشخاص الذين يروونها، والرسائل العامة والشخصية التي يريدون توصيلها، وتوقيت تلك الرسائل... الخ. القياديون الإسرائيليون يكذبون كما يفعل سواهم، ويصفّون حسابات سياسية بين بعضهم البعض، كما يفعل الآخرون في الدول الأخرى، وينسبون لأنفسهم الانتصارات ويتنصلون من الهزائم، تماماً كما يفعل سواهم. وهذه حقائق لا يجب نسيانها أبداً لدى التعامل مع رواياتهم للأحداث. غير أن هناك توجهات عامة يمكن القول إنها تحكم الرواية الإسرائيلية للأحداث حينما تتعلق بالآخر العربي. من أهم التوجهات أو المطبات التي تنطوي عليها تلك الرواية هي نزوعها إلى تصوير الواقع العربي المقابل على أنه واقع مدجج بالكذب والخيانة والتزوير. وهو تصوير إنما يهدف إلى بث روح اليأس لدى رجل الشارع العربي من الواقع الذي يعيش، واستسلامه بالتالي لحال العجز، وعدم وجود أية امكانية للمقاومة والتغيير. لا يسعى هذا الطرح إلى تنزيه الواقع السياسي العربي، فهو واقع حمل ويحمل الكثير من المصائب. غير أن المشكلة هنا، هو أن قبول الرواية الإسرائيلية للتاريخ لا يفضي إلى رفض الواقع، رفضاً ايجابياً، وإنما يفضي إلى اليأس وبالتالي القبول بالفتات المطروح، خصوصاً في صفوف الشعب الفلسطيني. الجانب الآخر في الرواية الإسرائيلية هو نزوعها إلى تضخيم الذات والانجازات ووضعها في مرتبة الاسطورة، ويتجلى ذلك أكثر ما يتجلى في قصص التجسس وعمليات الموساد، فضلاً عن القدرة على اختراق الآخر وتطويعه للبرنامج الصهيوني. وبالطبع، فإن هدف هذه الرواية هو الهدف الأول ذاته ممثلاً في تيئيس الآخر من قدرته على المقاومة والفعل. فعندما يكون فعل الإسرائيلي اسطورياً، فإن على الآخر أن يكون واقعياً وألا ينزع إلى مقاومته، وإلا كان عبثياً ولاعقلانياً! من هنا، كان الصهاينة يغتاظون من تلك المسلسلات والبرامج التي تقول العكس، وتمجد العربي وفعله في مواجهتهم، على قلة تلك البرامج، قياساً بمثلها عند الطرف الآخر. على صعيد آخر، فإن للرواية الإسرائيلية للأحداث فعلاً نفسياً بالنسبة للمواطن الصهيوني، هو عكس ذلك الذي يقوم به بالنسبة إلى العربي، فهنا ثمة جرعات ثقة تعطى لذلك المواطن، من خلال المبالغة في تصوير امكانات قادته وأجهزته وقدرتهم على حمايته وحماية دولته، مهما كانت حجم الأخطار المقابلة. في ضوء ذلك، يتجلى الدور المهم والتاريخي للفعل الإعلامي والابداعي، في مواجهة الفعل الآخر، فعربياً يجب العمل على بث روح الثقة في نفس المواطن العربي، وإذا كنا عاجزين عن التأثير في الآخر، فلا أقل من أن نحول دون تأثيره فينا، فيما الأمثل هو ان نمنح انفسنا جرعات عالية من الثقة بقدرتنا على مواجهة الآخر الصهيوني والانتصار عليه. * كاتب اردني