الفارق شاسع بين منتخبي البرازيلوالارجنتين هجومياً. الأول قادر على التسجيل في أي وقت ومن جميع الزوايا والمسافات عن طريق جميع لاعبيه باستثناء الحارس تافاريل، والثاني يصر على التسديد من وسط الملعب وكأنه يرى ثقباً في بطون المدافعين المواجهين لا يراه الآخرون، من دون أن يعترف أن فتح اللعب على الجناحين هو الديناميت الكفيل بتفتيت أي دفاع متكتل داخل منطقة جزائه. وهي أحجية أرجنتينية يعجز الجميع عن حلها! وكأن المدرب الخبير دانيال باساريللا ولاعبيه المنتشرين في أبرز أندية ايطاليا واسبانيا والذين يساوي ثمنهم مجتمعين الموازنة العامة في اكثر من دولة في إفريقيا وآسيا، لم يتنبهوا للسبب الذي أدى الى تحطم جميع هجماتهم عند خط ال 16 الانكليزي أو قوس هذا الخط، أو كانت لديهم قناعة مسبقة بأن جميع الدفاعات ستكون كدفاع جامايكا. المنتخب الارجنتيني الذي يعرف كيف يستحوذ على الكرة بفعل فنياته الفردية كان بمثابة طائر من دون جناحين لا يستطيع ان يحلق عالياً، والهدفان اللذان سجلهما في مرمى الحارس سيمان جاءا من ركلة جزاء وركلة حرة وليس من هجمة ملعوبة. وحسن الانتشار في جميع مساحات الملعب هو سمة معظم المنتخبات في المونديال الحالي، وحتى المغمورة منها كانت تعي هذه الضرورة التكتيكية وإن لم تمكنها قدراتها من تنفيذها بدرجة عالية. ولتنفيذ هذه الضرورة صار التحرك في الملعب من دون كرة مهارة مساوية في أهميتها لمهارة التحرك بالكرة. هذا يعني أنه كان مطلوباً من اللاعب القيام بمهام عدة في طول الملعب وعرضه من دون أن يتقيد بمركزه. ومن الناحية النظرية مثلاً، لماذا يتوجب على الظهير الايمن ان يتمترس في مركزه إذا كان فريقه مستحوذاً على الكرة؟ ولماذا لا يتقدم الى خط الوسط أو الى مركز الجناح الايمن حتى يوسّع المسافات بين المدافعين المواجهين ويسهّل من مهمة زملائه المهاجمين ولاعبي الوسط معاً في التسديد القريب والمتوسط والبعيد؟ العبرة بالتنفيذ بالتالى، فإنه مونديال الظهير الجناح، وإن اختلف الشكل الهندسي للفريق. منتخب البرازيل يلعب مثلاً بطريقة 4-4-2 التي تتحول إلى 3-4-3 أو 2-4-4 في الهجوم على ضوء المكان الذي يتواجد فيه كافو وروبرتو كارلوس وإلى 6-3-1 في الدفاع لأن لاعبي الوسط سيزار سامبايو ودونغا يساندان خط الظهر مع تأخر المهاجم بيبيتو الى الوسط. ولا نغالي اذا قلنا أن كافو وروبرتو كارلوس صارا مهمين في الخطة البرازيلية أكثر من رونالدو نفسه. وطريقة البرازيل تلعبها منتخبات عدة أخرى منها هولندا وفرنسا واسبانيا والسعودية مع تميز غير عادي من هولندا التي لا يزال يتوقع منها الكثير هجومياً شرط مساندة أعلى من خط الوسط. ولأن البرازيليين أمهر إفرادياً، وأوسع مخيلة، وكل منهم معلم في مركزه، فإنهم أقدر على الاستفادة من حسنات الخطة... والنوايا لا تكفي بالتأكيد، والعبرة ليست في ابتداع النظرية وإنما في تنفيذها. وهناك منتخبات، على رأسها منتخب المانيا، تلعب بطريقة 3-5-2، على أساس أن طرفي خط الوسط الايمن والايسر يتحولان الى ظهيرين أو جناحين في حال الدفاع أو الهجوم... وللتذكير فقط، كانت هناك أكثر من 30 رفعة ألمانية من مركزي الجناحين في المباراة ضد المكسيك، وكان يكفي الالمان أن يخطئ الدفاع المكسيكي مرتين فقط خلال محاولاته لابعاد هذه الرفعات. وهذا ما حصل فعلاً وحوّل كلينسمان وبيرهوف الخسارة الى فوز 2-1. وهناك منتخبات كالايطالي والفرنسي والكرواتي تلعب برأس حربة قوي بدنياً مع مساندة من مهاجم آخر متفوق مهارياً وقادر على صنع الهدف كالايطالي روبرتو باجيو أو مواطنه دل بييرو، مع وجود أكثر من لاعب وسط متميز في التسديد البعيد ولعب الكرات المشتركة "خذ وهات" للتسديد من داخل المنطقة والابرز من هذه الزاوية هو الفرنسي زين الدين زيدان. وبعيداً عن التعقيدات الخططية، فإن ما يرجح كفة البرازيل أن كلّ فرد فيها خطة قائمة بذاتها لان مهاراته تمكنه من ذلك، بل إن المهارة خطة... ربما يتفق لاعبان أو ثلاثة فقط على لعبة فتنفذ وتشتم منها رائحة الخطورة، لذا لم يتألق الفريق بعد كمجموعة، ومع ذلك فإنه مرشح للفوز باللقب أكثر من غيره، والابتكار عند لاعبيه وارد في كل لحظة. عموماً، وضعت الخطط لهز شباك الخصم بأقصر الطرق، ومهمة مدرب البرازيل تقتصر على لمسات بسيطة... وبعيداً عن كرة القدم، نعتقد بأن فيل جاكسون مدرب شيكاغو بولز بطل الدوري الاميركي في كرة السلة لا يحشو ذهن النجم الكبير مايكل جوردان بتفاصيل خططية كثيرة للتسجيل، لأن مهارات جوردان أقصر الطرق لفرض نزيف النقاط. لكن من يضمن القول أن البرازيل أو هولندا ستفوز بكأس العالم، طالما أن الحكم صار أكثر من أي وقت مضى طرفاً أساسياً في تحديد هوية الفائز وهوية الخاسر؟ الحكام طرف في النتيجة لقد قيل عن الحكام الكثير، الى أن وصلنا الى آخرهم وهو الدنماركي كيم نيلسن في اللقاء الأخير من الدور الثاني بين الارجنتين وانكلترا. الشكوك كثيرة ولا نريد أن نقول أخطاء طالما أن قرارات الحكم غير قابلة للنقض: ركلة الجزاء التي احتسبت ضد الحارس الانكليزي، وركلة الجزاء التي احتسبت للانكليزي مايكل أوين وكأن نيلسن أراد اصلاح خطأه الاول، والبطاقة الحمراء ضد ديفيد بيكهام كان يمكن أن تكون صفراء، هناك لمسة يد داخل المنطقة على الارجنتيني أيالا وأخرى على الانكليزي طوني أدامس، وخطأ مزدوج على الانكليزي بول إينس ارتكبه على تشاموت وأيالا قبل ان يدخل المنطقة ويسدد بجوار القائم ولو سجل هدفاً لقامت قيامة الارجنتينيين، وأكثر من لاعب سدد الركلات الترجيحية والكرة خارج نقطة الجزاء وعندما احتج الحارس الارجنتيني روا ولم يفهم الحكم قصده كان نصيبه بطاقة صفراء... في كل مباراة أخطاء فادحة، ولم يعد أحد متأكد من هوية المنتخب الاقرب الى اللقب، وإنما من كون النتائج مدبرة مسبقاً!