للمرة الاولى منذ 20 سنة سيرفرف علم سورية في دولة كبرى من دول غرب اوروبا، متوزعاً على جادة الشانزليزيه وغيرها من الشوارع الرئيسية في العاصمة الفرنسية، غداة عيد الثورة الفرنسية في 14 تموز/ يوليو. وعشية وصول الرئيس السوري حافظ الاسد في اول زيارة تكرّس صفحة من العلاقات الممتازة بين البلدين فتحها الرئيس الفرنسي جاك شيراك منذ توليه منصبه عام 1995. وعشية الزيارة جدد وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع دعوة بلاده الى دور اوروبي فاعل في عملية السلام في ضوء زيادة احتمال تعرضها ل "انهيار تام" مشيراً الى ان محادثات الرئيسين الاسد وشيراك نهاية الاسبوع الجاري تستهدف "الارتقاء بالعلاقات الثنائية الى مستوى الشراكة الاستراتيجية". وكان الشرع يتحدث في مؤتمر الحوار البرلماني العربي - الاوروبي الذي اختتم امس في دمشق. وقال ان الرئيسين سيبحثان في "تطوير العلاقات الثنائية والارتقاء بها الى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وفي الدور الفرنسي في عملية السلام والدور الأوروبي في العملية والعلاقات السورية - الاوروبية والعلاقات الاوروبية - العربية، وفي كيفية التعاون لانقاذ عملية السلام من جهة واحدة ولاقامة علاقات وثيقة بمختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية والفنية". وزاد ان المحادثات ستتناول ايضاً "عملية السلام ولماذا هي في هذا الوضع المزري الذي وصلت اليه والاسباب التي أدت الى المأزق الراهن وكيفية الخروج من هذا المأزق". واشار الى ان القمة السورية - الفرنسية ستبحث ايضاً في "الحصار الذي يتعرض له بعض الدول العربية وازدواجية المعايير في تطبيق قرارات مجلس الامن وعلاقات سورية مع تركيا". من جهته، أمل وزير الخارجية الفرنسية هوبير فيديرين في تصريحات نشرت امس في دمشق "ان تكون علاقاتنا مع دمشق مكثفة على اعلى المستويات وبشكل مستمر". وعن الدور الاوروبي في عملية السلام، قال الشرع ان دمشق "تؤكد بقوة على الدور الاوروبي لا سيما في ضوء المأزق الخطير الناجم عن توقف عملية السلام بسبب سياسات الحكومة الاسرائيلية المعادية للسلام"، ما ادى الى وصول العملية الى "مأزق على جميع مساراتها وانعكاس ذلك على مجمل الاوضاع في الشرق الاوسط"، داعياً في المقابل الى "تعاون عربي - اوروبي لاستنهاض الجهود الاميركية والروسية ورفدها بدور اوروبي فاعل اكثر قدرة على ادراك مخاطر انهيار عملية السلام". وبعدما اشار وزير الخارجية السوري الى ان الاوروبيين كانوا "اقل حماسة" في السنوات السابقة للعب دور في عملية السلام، لفت الى ان "الوضع صار أفضل الآن، اذ اننا نلمس اهتماماً اوروبياً افضل وموقفاً اوروبياً اكثر تماسكاً ازاء عملية السلام، وهذا تطور ايجابي مهم ويساعدنا على العمل سوية لانقاذ عملية السلام"، مطالباً الاوروبيين بلعب دور سياسي يوازي دورهم الاقتصادي لأن "اسرائيل التي لا ترتاح للدور الاوروبي ستضطر للتعامل معه اذ ان اسرائيل لا تستطيع ان تعيش ولا ان تزدهر اقتصادياً" من دون اوروبا. وسئل عن موقف بلاده من القرار 425، فأجاب ان الاسرائيليين اعلنوا موافقتهم المشروطة على تنفيذ القرار لاعطاء الانطباع بأنهم يريدون السلام وان سورية لا تريده. وزاد ان الشروط الاسرائيلية "كافية لان يرفض اللبنانيون الاقتراح الاسرائيلي، خصوصاً ان اسرائيل تريد دمج عملائها في جيش لبنانالجنوبي في الجيش الوطني اللبناني اي ان يكافأ الذين تعاونوا مع اسرائيل ضد ابناء شعبهم ودمّروا وقتلوا من اللبنانيين الكثير مقابل معاقبة الوطنيين وملاحقتهم". واستدرك الشرع: "لا اعتقد انه في تاريخ علاقات الدول المتحاربة يمكن ان يفرض بلد على البلد الآخر شروطاً كهذه". واكد وزير الخارجية ان بلاده "ترحب بقوة بتنفيذ اسرائيل القرار 425 من دون قيد او شرط كما ان الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني سيرحبان بذلك". وفي باريس قال مصدر فرنسي مطلع ل "الحياة" ان الزيارة ستكون مناسبة يشرح خلالها الرئيس الأسد مواقف بلاده التي "يحيط بها نوع من عدم التفهّم في العالم الغربي". وأضاف ان فرنسا تعتبر الزيارة "محطة مهمة في اطار سياسة بدأت مع وصول شيراك الى الحكم، وتستند الى منطق الدعم والاعتراف باتفاق الطائف في لبنان، الذي اعترفت به فرنسا وعليها اذن ان تقيم علاقة جيدة مع سورية بعيداً عن اي مجابهة بين لبنان وسورية". واوضح ان فرنسا تسعى الى علاقة ايجابية وجيدة مع سوريا، و"ان نستمر في قول ما نفكّر فيه بشأن لبنان وضرورة خروجه تدريجاً من حال الحرب سواء في ما يتعلق بالاحتلال الاسرائيلي، عبر تطبيق القرار 425 بطريقة عقلانية، او في ما يتعلق بالوجود السوري". وعن ربط تطبيق القرار 425 بالحل الشامل والانسحاب من الجولان، قال المصدر ان فرنسا تعتبر ان "كل ما هو مغاير لذلك غير قابل للتنفيذ وغير واقعي". وأشار الى ان فرنسا ترفض اي تجارب يمكن ان تكون مؤذية بالنسبة الى لبنان، وانها لذلك تقول للاسرائيليين انهم "اذا كانوا صادقين بالفعل في مسألة الانسحاب من جنوبلبنان، فإن فرنسا مستعدة لمساعدتهم على اتمام هذا الانسحاب بطريقة نظيفة". وقال المصدر ان جوهر الموقف الفرنسي مفاده ان "الانسحاب الاسرائيلي بمعزل عن الحل الشامل سيؤدي الى آثار عكسية على صعيد أمن لبنان واستقراره". واكد ان فرنسا تدعو دائماً الى الانسحاب من الجولان، لانها طالما كانت ضد احتلال الاراضي بالقوة، وهي تعتبر "ان خروج لبنان والمنطقة من حال الحرب يتطلب ان تتغير الامور بين سورية واسرائيل، وهذا ما يقرّ به الجميع بمن فيهم الاميركيون والاسرائيليون عندما تتحدث اليهم". واشار الى ان المشكلة تكمن في الغموض الذي يلفّ سياسة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الذي من الصعب معرفة ما يريده. وتساءل المصدر، هل يستغل الاسد مناسبة زيارته الى باريس للاعلان عن "شيء جديد" حول مسيرة السلام؟ وهل ان هذه الزيارة ستؤدي الى جديد بالنسبة للسلام؟ واوضح ان فرنسا ستؤكد من جانبها انها ترغب في تقدم مسيرة السلام من دون ان تكون لديها خطة مسبقة في هذا الشأن، وان القرار في يد السوريين انفسهم، علماً بأن الفرنسيين يدركون جيداً ان هناك شريكاً غائباً في هذا الاطار هو اسرائيل. وعما اذا كانت فرنسا ستثير موضوع انتخابات الرئاسة اللبنانية خلال الزيارة، اجاب المصدر ان هذا الموضوع صعب جداً وحساس لأنه "موضوع لبناني داخلي، وفرنسا تتمنى ان تجرى انتخابات حرّة وجيدة"، متوقعاً ان يُثار الموضوع في اللقاءات الجانبية اذ العلاقة الشخصية الجيدة بين الرئيسين تسمح بالتطرق الى قضايا مختلفة. واعتبر المصدر اطلاق معتقلين لبنانيين من سجون سورية "مؤشراً ايجابياً" وانه سيكون هناك تبادل لوجهات النظر حول لبنان بين الرئيسين لكنه "من الصعب التكهن بما سيجري تناوله تحديداً". وعلى صعيد العلاقات الثنائية، خصوصاً ان الوفد المرافق للاسد يطغى عليه الطابع الاقتصادي، قال المصدر ان حل مشكلة الديون السورية تجاه فرنسا، مكّن الجانب الفرنسي من التوجه الى المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لدعوتها الى فتح حوار مع سورية، وهذا ما حصل بالفعل، و"هو تقدم ايجابي يجب ان يستمر".