كان حكم محكمة الاستئناف الذي صدر الثلثاء الماضي لصالح شركة مايكروسوفت نصراً أثلج صدور العاملين في الشركة، واعتبروه مهماً في معركتهم الدائرة منذ فترة طويلة مع الحكومة الأميركية حول القوانين التي تحرم الاحتكار. وبالنسبة إلى وزارة العدل الأميركية وللسلطات في العشرين ولاية التي تقف مع الوزارة في مواجهة الشركة، كان الحكم لا أكثر من عقبة صغيرة في الطريق، فيما تعود الوزارة والسلطات إلى المحكمة في أيلول سبتمبر المقبل بدعوى أكبر من الدعوى الفاشلة وأكثر شمولاً ضد أكبر شركة برامج للكومبيوترات الشخصية في العالم. ومع هذا قال الخبراء في شؤون القوانين التي تحرم الاحتكار الأربعاء الماضي، أي بعد صدور حكم محكمة الاستئناف، إن الحكم، الذي أصدرته المحكمة بصوتين ضد صوت واحد معارض جزئياً للحكم، كان نصراً باهراً لمايكروسوفت وعكس في الوقت نفسه طبيعة الحوار العريض العام حول كيفية تطبيق القوانين التي تحرّم الاحتكار على صناعات التكنولوجيا الراقية المتطورة. عقيدة ويقول هؤلاء الخبراء إن الحكم الذي صدر بأغلبية صوتين ضد صوت واحد، يعكس "عقيدة" مايكروسوفت أو يجسدها، وهي العقيدة التي تنادي بعدم التدخل في شؤون هذه الصناعات، بينما يعكس الصوت المعارض للحكم "عقيدة" وزارة العدل الأميركية ويجسدها. ويقول ستيفن اكسين، أحد كبار المتقاضين في شؤون الاحتكار وتحريمه: "يمثل الحكم الذي صدر معلماً في مجال الآراء الخاصة بتحريم الاحتكار، فالحكم يعالج مشكلة كلاسيكية في مسألة تحريم الاحتكار، ألا وهي متى بوسع محكمة من المحاكم أن تتكهن بقرارات شركة من الشركات بخصوص منتجاتها. ويميل رأي الأكثرية، حالياً على الأقل، نحو تفسير القوانين على نحو أقرب إلى عدم التدخل من التدخل، خصوصاً في القضايا التي تتناول التكنولوجيا الراقية المتطورة". واعتبر المستثمرون حكم المحكمة نصراً حاسم الأهمية لمايكروسوفت وبمثابة الضوء الأخضر لشراء أسهمها التي ازداد سعر الواحد منها 15،5 في المئة الثلثاء الماضي، وازداد مرة أخرى 16،4 في المئة الأربعاء، إذ بلغ سعره يومها اليوم التالي لصدور الحكم 9375،104 دولار، ما شكّل قمة قياسية. وأشار المسؤولون في وزارة العدل الأميركية والمدعون العاملون في الولايات العشرين الذين شاركوا في إقامة الدعوى القضائية على مايكروسوفت، إلى أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن آثار الحكم الذي صدر قد تكون محدودة. فمحكمة الاستئناف نقضت حكماً صدر العام الماضي عن قاضٍ فيديرالي كان قد أمر بموجب حكمه مايكروسوفت ببيع برنامجها التشغيلي ويندوز 95 على نحو منفصل عن برنامجها التصفحي انترنت اكسبلورر. وكان القصد من وراء الأمر القضائي، الذي أصدره القاضي المحلي الاقليمي توماس بنفيلد جاكسون، الحفاظ على مبدأ التنافس بين برامج التصفح في السوق، وهي البرامج التي تستخدم في تصفح المعروض على شبكة انترنت العالمية. وفي تلك الدعوى قالت وزارة العدل الأميركية إن مايكروسوفت تخالف أحكام اتفاقها مع الحكومة الأميركية، الذي ابرم عام 1995، من طريق الجمع بين برنامجها التصفحي وبين نظامها التشغيلي القياسي في صناعة الكومبيوتر أي ويندوز. ويلفت المسؤولون في وزارة العدل الأميركية إلى أن الحكم الذي صدر بأغلبية صوتين ضد صوت واحد ينطبق على قضية الاتفاق بين الحكومة ومايكروسوفت ولا ينطبق بالضرورة على دعوى الحكومة العامة ضد الشركة بتهمة مخالفة أحكام القوانين التي تحرم الاحتكار. فالدعوى الأكبر الخاصة بتهمة الاحتكار والمستندة إلى تحقيقات فيديرالية واسعة النطاق، تتضمن اتهامات عدة إضافية موجهة ضد مايكروسوفت. لكن الحجة المفتاح أو المفصل في الدعوى، وهي الحجة التي حظيت بانتقاد حاد من أغلبية أصوات محكمة الاستئناف، هي أن مايكروسوفت تضع حداً نهائياً للتنافس أو تخنقه على نحو غير منصف في أسواق جديدة مثل برامج انترنت والتجارة بواسطة انترنت، وذلك من طريق الربط بين البرامج الجديدة وبين نظام ويندوز التشغيلي. وتصر مايكروسوفت من جهتها، على أنها تملك الحق من دون غيرها في تقرير ما يُجمع من برامج جديدة مع نظامها التشغيلي ويندوز الذي يشبه الجهاز العصبي المركزي في نحو 90 في المئة من أجهزة الكومبيوتر الشخصية. وتضيف مايكروسوفت إلى هذا ان برنامجها الذي يتصفح انترنت ليس نتاجاً منفصلاً، كما تؤكد الحكومة الأميركية، بل ملمح من ملامح ويندوز الأساسية المندمج فيه. وأخذت محكمة الاستئناف جانب مايكروسوفت وبحجتها، إذ قالت: "يجب أن تجعل أهلية المحاكم أو كفاءتها المحدودة لتقييم تصاميم منتجات التكنولوجيا الراقية المتطورة، ولتقييم التكاليف الباهظة للخطأ، هذه المحاكم أكثر حذراً حيال التكهن بالمنافع التي يقال إن قراراً معيناً خاصاً بالتصاميم سيعود أو قد لا يعود". ويقول الخبراء في القانون إنه كان بوسع محكمة الاستئناف أن تكتفي بنقض الأمر القضائي الذي أصدره القاضي جاكسون بحكم مقتضب، لكنها أبدت وجهة نظر مفصلة حول القوانين التي تحرم الاحتكار وحول أسواق التكنولوجيا الراقية المتطورة. ويقول محللو الشؤون القانونية إن أغلبية أعضاء محكمة الاستئناف أبدت نية واضحة تتناول تحذير الحكومة والولايات والقاضي جاكسون الذي سيصغي إلى الدعوى القضائية العامة الأشمل التي رفعتها الحكومة ضد مايكروسوفت بتهمة مخالفة أحكام القوانين التي تحرم الاحتكار، بدءاً من اليوم الثامن من أيلول سبتمبر المقبل. ويقول جو سيمز، الشريك في شركة الاستشارات القانونية جونز داي ريفيس أند بوغ، وأحد كبار المسؤولين السابقين في القسم المكلف النظر في مخالفة أحكام القوانين التي تحرم الاحتكار في وزارة العدل الأميركية: "ينطبق رأي محكمة الاستئناف جداً على القضية الأكبر والأشمل. ويشكل الحكم الذي صدر إشارة أولى إلى أن هذه المحكمة تعتقد ان طبيعة تفكير وزارة العدل الأميركية أو كنهه موضع شك من الناحية القانونية". ويجب الأخذ في الاعتبار حكم محكمة الاستئناف في الإعداد للقضية الأكبر والأشمل، على حد ما أقرت به وزارة العدل الأميركية والمدعون العامون في الولايات العشرين المشاركة في الدعوى ضد مايكروسوفت، إذ يقول هؤلاء جميعاً بوجوب الحصول على مزيد من المعلومات لتقوية حججهم القانونية ودعمها. عقبة ويقول ريتشارد بلومنتال، المدعي العام في ولاية كونيتيكت: "لا شك في أن حكم المحكمة عقبة في الطريق، لكن هذه العقبة لا تحرم العربة من عجلاتها". ويشدد طوماس ميلر، المدعي العام في ولاية آيووا، على أن نكسة محكمة الاستئناف لن تدفع الولايات إلى إعادة النظر في مسألة متابعة القضية القانونية والمضي فيها، ويقول بهذا الصدد: "سنمضي بالسرعة القصوى في المقاضاة ولا نفكر أبداً بعكس هذا". ويذكر ان عدداً من الولايات رفع عريضة استئناف بخصوص الاتفاق بين وزارة العدل الأميركية وبين مايكروسوفت لكن المسؤولين في وزارة العدل قالوا إنهم لم يتخذوا حتى الآن قراراً يتناول استئناف حكم محكمة الاستئناف، وأنه من غير المحتمل أن يحاولوا رفع القضية إلى المحكمة العليا، تاركين هذا الخيار لكي يمارسوه أو يستخدموه في القضية الأكبر والأشمل إذا دعت الضرورة. ويعكس حكم المحكمة الطريقة المحافظة التي يصفها مريدوها ب "الانضباط القضائي" أو "الانضباط الحكيم"، وهي طريقة خطها القاضي ستيفن وليمز الذي عينه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان والذي يصف نفسه بأنه من معتنقي عقيدة الانضباط القضائي أو الحكيم. وتعتمد هذه "العقيدة" كثيراً على الفكرة القائلة بوجوب السماح لشركة مثل مايكروسوفت بأن تجمع ما بين نتاجين أو ملمحين من انتاج معيّن إذا كان جمعاً من هذا القبيل يعود بنفع بيّن على المستهلك حتى ولو كان هذا الجمع يخالف أحكام القوانين التي تحرك الاحتكار. ولكن الحكومة الأميركية تقول إن ثمة عوامل أخرى يجب أن توضع في الميزان، خصوصاً الأذى الذي قد يلحق بالقوة الكامنة، بالتنافس والابتكار. منافع ويميل المحافظون نحو التخلي عن الموازنة القضائية في القضايا التي تتناول الاحتكار، فقد كتب وليمز ان "المحاكم غير مؤهلة لتقييم المنافع الخاصة بتصميم منتجات التكنولوجيا الراقية المتطورة. وحتى لو استطاعت أن تضع تقييماً في كفة من كفتي الميزان، تبدو قوة "الادلة على وجود أسواق منفصلة بينة" المقترحة لوضعها في الكفة الأخرى من الميزان، غير متناسبة أو غير قابلة للقياس بالمقياس نفسه". وخالفت القاضية باتريشا وولد، التي عينها الرئيس الأسبق جيمي كارتر، رأي الأكثرية في بعض النقاط المفتاح، فقد كتبت ان رأي الأكثرية يبدو وكأنه يعني أن مايكروسوفت تستطيع أن تضم ما تشاء إلى نظامها التشغيلي ويندوز من طريق الاكتفاء فقط، بالاشارة إلى الحد الأدنى من التقارب الملازم لهذا "الضم" أو "الدمج". وقالت القاضية وولد إن على المحاكم أحياناً أن توازن إلى حد ما بين المنافع التي تعود على المستهلك وبين الضرر الاقتصادي الذي تسببه القرارات الخاصة بالمنتجات. وتضيف كتابة: "أنا لا أؤيد أبداً التدخل القضائي الروتيني في تفاصيل تصميم انتاج معين، لكنني لا أؤيد أيضاً كما اقتربت الأكثرية كثيراً من أن تفعل الاستسلام القضائي أو التخلي القضائي عن التدخل في مواجهة التعقيد. وأنا على يقين بأن المحاكم تستطيع تقرير ما إذا كان دمج معين يوفر أية منافع وما إذا كانت هذه المنافع قليلة جداً وفي الحد الأدنى، أو ما إذا كانت كبيرة وذات شأن".