في مكتبه في الطابق العلوي في قصر الرئاسة في العاصمة هرغيسا ، هناك صورة للرئيس محمد ابراهيم عقال يوقّع اعلان استقلال "صومالي لاند" وبجانبه المندوب السامي البريطاني. كان ذلك في 26 حزيران يونيو 1960. ويذكر انه بعد خمسة ايام من ذلك التاريخ اعلن الجنوب استقلاله ايضاً، فذهب عقال على رأس وفد كبير الى مقديشو يطلب الاتحاد، ويعلن بعدئذ الصومال الكبير، ويصبح عقال اول رئيس وزراء في الحكومة الوطنية. وتداعت الاحداث صعوداً وهبوطاً الى ان استلم محمد سياد بري السلطة، فانتقل عقال الى المعارضة، ورأس الحركة الوطنية التي تنادي بانفصال الشمال مجدداً. وبعد نحو ثلاثة عقود من الاستقلال انهار نظام سياد بري، وعقد الشماليون سلسلة مؤتمرات تصالحية أفضت ان يكون عقال رئيساً لجمهورية "ارض الصومال" او كما يسمونها احياناً "صومالي لاند". واعلن استقلالها في 18 أيار مايو 1991. وعلى رغم مضي اكثر من 7 سنوات على الاعلان لم يعترف المجتمع الدولي بها، بدعوى ان ذلك سيعقّد من القضية الصومالية عموماً. فانكفأ اهل الشمال على انفسهم يعيدون بناء دولتهم بينما الجنوب ما يزال يسبح في حربه. واصبحت المفارقة في الصومال بين نقيضين: شمال ينمو ويزدهر وجنوب يذبل ويسعى الى مصير مجهول بفضل جنرالات الحرب. زارت "الحياة" "ارض الصومال" بعد ان اصبح عقال رئيساً لها في ولايته الثانية فكان الحوار التالي: منذ العام 1991 وتتراوح المسميات بين انفصالكم عن الجنوب واستقلالكم عنه، فبماذا تسمون الواقع الحالي الذي يقنن هذا الوضع؟ - من دون الدخول في ملابسات تاريخية معروفة للجميع، استطيع ان اقول اننا ببساطة اعدنا عقارب الساعة الى الوراء ثلاثين عاماً، لوضع الامور في اطارها الطبيعي عندما أعلنا استقلالنا عن بريطانيا في العام 1960 واعترفت بنا آنذاك 38 دولة من ضمنها الدول الخمس الاعضاء الدائمون في مجلس الامن، ومصر من الدول العربية وامبراطورية اثيوبيا من الدول الافريقية. وفي لحظة عاطفية اتحدنا مع الجنوب، لكننا دفعنا الثمن باهظاً. هناك حقيقتان يجب ان نوضح موقفنا تجاههما اولاً: نحن لم نستغل وضعية انهيار الدولة الصومالية لنعلن استقلال جمهوريتنا وانما جاء الاعلان تتويجاً لنضال مستمر ضد نظام سياد بري، وثانياً نحن آثرنا انقاذ شعبنا ولم ننجرف وراء العبث الذي اجتاح الصومال بعد سقوط بري، ولهذا يمكن القول اننا انقذنا ما يمكن انقاذه. إلى أي مدى تحقق ما تعتبرونه انجازاً…؟ - في السنين الاولى عكفنا على اجراء مصالحة وطنية شاملة بين القبائل والعشائر، وعقدنا نحو 48 مؤتمراً مصغراً لتحقيق هذه الغاية، ثم عقدنا ثلاثة مؤتمرات موسعة لوضع الأسس الدستورية والقانونية وهياكل للدولة المدنية الديموقراطية، والى حدّ ما الآن نجحنا في ترسيخ كل مؤسسات الدولة، ثم بعد ان قمنا بحل كل الميليشيات اعدنا بناء القوات المسلحة والشرطة على أسس قومية، واخيراً خططنا لبرنامج تنمية اجتماعية شاملة وشرعنا في تنفيذه على مراحل حتى العام القادم. وهل تلقيتم أي مساعدات دولية؟ - للاسف لم نتلق اي مساعدات من أي دولة… القليل فقط جاءنا من منظمات تابعة للأمم المتحدة، اعتمدنا على مواردنا الذاتية بتصدير ثروتنا الحيوانية الى المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج. وما يؤلم اكثر حتى الدول العربية ضنّت بمساعداتها الانسانية علينا. نحن نقدر ظروفها في عدم الاعتراف، ولكن ذلك لا يمنعها من مدّ يد العون لنا. الاعتراف والعرب ما جدوى كل الانجازات التي تحدثت عنها في ضوء عدم الاعتراف بكم؟ - اولاً من حيث قناعتنا الاولية نحن لا نرى أي صلة بين الاعتراف وانقاذ كرامة الانسان الصومالي الذي يعيش على ارض الصومال… ولا بد ان يسأل اي منا نفسه كيف سيكون الوضع اذا ما انجرفنا من وراء تيار العنف الذي يجتاح الجنوب، الاجابة الواقعية بالطبع هي مزيد من الفوضى، وعندما اعلنا ولادة هذه الدولة لم يكن الهدف دعائي لأجل لفت الانظار، وانا بعد اكثر من نصف قرن في العمل السياسي لم اسع لطلب سلطة، ثم اننا لم نطلب الاعتراف من احد، ولو ركضنا وراء ذلك لأضعنا وقتاً ثميناً، ومع ذلك اذا كان الاعتراف الدولي يتم بشرعية الامر الواقع فنحن فعلياً لنا دولة بسطنا فيها كل المؤسسات الديموقراطية، وأشعنا فيها الامن والسلام والاستقرار وهذا ما ينشده اي انسان، اما اذا كان الاعتراف عبر القنوات السياسية والديبلوماسية فهناك ظروف موضوعية نحن ندركها تماماً، وعندما تنتهي هذه الظروف اعتقد بأن العالم سيتفاجأ بواقعنا تماماً. هذه الظروف التي تحدثت عنها… مثل ماذا؟ - ليس سراً ان العالم الآن يأخذنا بجريرة غيرنا… فالجميع يتحدث عن الصومال ككتلة واحدة يعمّها الدمار والخراب والحرب الاهلية… من دون تمييز لواقعنا الذي يناقض ما يحدث في الجنوب… وثانياً البعض يقول لنا ان اعترفنا بكم سنفقد حيادنا ومصداقيتنا… والبعض الآخر يقول ان الاعتراف بنا سيعقّد القضية الصومالية اكثر. اذاً موضوع الاعتراف بكم مرهون بحل القضية الصومالية كلها؟ - ربما كان ذلك صحيحاً من الناحية الشكلية والسياسية التي ذكرتها… ولكن أياً كانت الاسباب والحجج فالمهم اننا لم نضع ايدينا في خدودنا في انتظار شيء لم يأت، نحن نرتّب أمور بيتنا من الداخل ومن ثم ننتظر لنرى. الانتظار وحده… ام لكم مخاطبات في الحدّ الادنى؟ - بالطبع لم نكف عن مخاطبة الدول والمنظمات… نفعل ذلك من حين لآخر حتى ولو من باب التذكير بوجودنا… ونستقبل وفوداً رسمية وغير رسمية… لكننا لا نثير ذلك اعلامياً حتى لا نُحرج احداً. وهل يشمل ذلك الولاياتالمتحدة الاميركية؟ - بالطبع، وفي اثناء وجودك هنا زارتنا السفيرة الاميركية الممثلة في جيبوتي، لأن هذه المنطقة تقع في اطار اختصاصاتها، مكثت بيننا ليومين، زارت خلالها عدة مناطق وكانت انطباعاتها جيدة، ولنا اتصالات متواصلة ايضاً مع السفير الاميركي الممثل في اديس ابابا وهو السيد ديفيد شين الذي يعرف الصومال معرفة عميقة إذ كانت رسالته لنيل درجة الماجستير في القوميات الصومالية، وفي العام الماضي زارنا وفد من الكونغرس الاميركي. الجنوب والانفصال هل لديكم رؤية معينة لحل مشكلة الجنوب؟ - ليست للجنوب مشكلة سوى جنرالات الحرب الذين نصّبوا انفسهم بالوكالة عن شعبه، اكثر من سبع سنوات من الحرب التي لا مبرر لها، والنتيجة انهم اكملوا الدمار الذي بدأه سياد بري، الحل ببساطة في ضوء تجربتنا المفروض ان يبدأ من القاعدة صعوداً الى القمة، بمؤتمرات تصالحية بين القبائل وما يحدث الآن هو العكس تماماً، لأنهم جميعاً متلهفون للسلطة حتى ولو على انقاض كل الصوماليين، بدليل ان في مقديشو وحدها هناك اربعة فصائل وكلها من قبيلة الهوية وتتحارب مع بعضها. فلماذا لا يبدأ هؤلاء بأنفسهم، ثانياً نحن لا نرى اي جدوى من مؤتمرات هذه الفصائل في العواصم المتعددة، فهي مضيعة للوقت ليس إلا، والجدية الحقيقية في عقد مؤتمر في داخل الصومال. عموماً مقترحات هذا الحل تبنته المنظمة الحكومية للتنمية ايغاد والعمل بها ربما قاد الى الطريق الصحيح، مثلما فعلنا نحن. وهل قرار الاستقلال او الانفصال هذا نهائي أم انكم مستعدون للعودة مرة اخرى للوحدة في حال استقرت الاوضاع في الجنوب؟ - اولاً من حيث المبدأ لا يمكن ان نكرر الخطأ التاريخي مرة اخرى، لدغنا من الجنوب في الماضي ولسنا مستعدين لكي نُلدغ مرتين، لكن برؤية وطنية عميقة اذا ما استقرت الاوضاع في الجنوب وتكونت حكومة انتقالية تتمتع بسند شعبي وشرعية دستورية، من الممكن ان ندخل معهم في حوار حول العلاقة بيننا، وهذا الحوار لن يتجاوز ارادة شعب ارض الصومال، كما انني مسبقاً استطيع ان اقول لك ان شعبنا مستعد لاجراء استفتاء باشراف الاممالمتحدة لتقرير مصيره، ونراهن بأن نسبته لن تقل عن 70 في المئة لصالح الاستقلال، طالما ان هذا الشعب ذاق الامّرين من ممارسات اهل الجنوب، وبالذات الذين يقودون فصائل الآن ويريدون العودة للسلطة. هل لديكم أي اتصالات مع الجامعة العربية؟ - للأسف ضعيفة. كان الامل ان تتحرك الجامعة وتلعب دوراً كبيراً في حل القضية الصومالية، لكن الجامعة العربية كما نراها وقعت اسيرة تناقضات الدول العربية نفسها في موقفها من القضية الصومالية. وكنت قد خاطبت الامين العام للجامعة العربية عصمت عبدالمجيد مؤخراً بعد تحرك ايجابي بدر منه عندما تبادل الآراء مع الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان واقترحت عليه وقف كل الجهود الفاشلة التي كانت مبذولة من قبل حكومات ومنظمات في شأن القضية الصومالية، وان يتم الشروع فوراً في مبادرة تحمل لواءها الجامعة، واقترحنا كذلك وجوب حظر الاسلحة والذخائر الى الصومال وحض الدول المجاورة، والمجتمع الدولي على ذلك. كما ابدينا استعداداً للعب دور استشاري في صياغة وبلورة هذه المبادرة من اجل انقاذ اخواننا في الجنوب. قبل فترة تحدثت تقارير صحافية عن زيارتكم لاسرائيل واتصالات معهم بغية تقديم مساعدات لكم، فما صحة ذلك؟ - تلك كانت تقارير كاذبة ومغرضة ونحن نفيناها في حينها. مثل هذه التقارير هدفها الاساءة وتشويه سمعة شعب ارض الصومال الذي سبق وان خاض معركة تحرير القدس عام 1948 وكان تحت الاحتلال البريطاني. ونحن لا نزايد في هويتنا العربية الاسلامية وشعبنا حريص كل الحرص على عدم المساس بها. وعليه أياً كانت الدوافع التي تقف وراء هذه الشائعات فنحن ادركنا منطلقها ومن يقف وراءها. ومن هم الذين يقفون وراءها؟ - بكل صراحة العاصمة العربية التي صدرت منها هذه الاخبار اجهزتها متورطة في هذه الشائعة لأغرض سياسية بحتة، ونحن لا نريد ان نكشف كل شيء الآن، ولكننا سنفعل ذلك في الوقت المناسب، ومن جهة اخرى نحن لا نستبعد اختراق المخابرات الاسرائيلية لبعض قادة الفصائل الصومالية في الجنوب. ومن المؤسف ان بعض الاجهزة العربية لم تكتف بالتعتيم على قضيتنا، انما عملت للاساءة الينا سواء بقصد او من دونه، ولكننا نعتزّ بأننا البلد العربي الذي ليست له أي اتصالات مباشرة او غير مباشرة مع اسرائيل، في الوقت الذي فيه نحو ست دول عربية لها شكل من اشكال التمثيل مع اسرائيل ومنهم اصحاب تلك الدعايات. ماذا لو طلبت اسرائيل اقامة علاقات معكم مقابل الاعتراف بكم؟ - قلت لك نحن لا نساوم بمبادئنا وقضيتنا وهويتنا، وحتى الدول العربية لو وضعت شرطاً يمسّ هذه المقدسات الثلاثة فلن نرضخ مطلقاً، ناهيك ان تأتي هذه الدعوة من كيان نعتبره عدواً للأمة العربية والاسلامية جمعاء، ونحن لسنا الذين نستعمل ورقة اسرائيل لابتزاز الدول العربية لتقديم مساعدات لنا او الاعتراف بنا حتى لو استمرت كل هذه الدول والى ما شاء الله في موقفها المتجاهل لقضية شعبنا وتقرير مصيره. وفي الوقت نفسه لا نكذب اخباراً كهذه من اجل ارضاء احد، خصوصاً الدول العربية ، لانه يهمنا في الاساس ان يكون موقفنا منسجم وقناعاتنا الخاصة. ظاهرة الاصولية زحفت الى بعض بلدان القرن الافريقي وقيل انها وصلت اليكم عبر تنظيم ما يسمى بالاتحاد الاسلامي ما صحة ذلك؟ - اولاً تندهش اذا قلت لك ان كلمة "الاتحاد" هذه اصبحت تثير حفيظة شعب ارض الصومال… ضاحكاً… هذا التنظيم قد يكون له وجود في الصومال الجنوبي، اما عندنا فالامر لا يتعدى افراد بعدد اصابع اليد، فالدين لم يكن قضية في تاريخ الصومال لان شعبه مسلم 100 في المئة وجميعهم ينتمون الى المذهب الشافعي، ولا يحتاجون الى من يعلّمهم اصول دينهم. ولكن هذا العدد الصغير ربما اصبح ظاهرة يصعب التعامل معها؟ - لا، نحن نرى ان القمع دائماً ما يكون سبباً اساسياً في انعاش اي ظاهرة . لكن اذا سمحت لها ان يتصرفوا بشكل طبيعي فلن تجد رواجاً. خاصة في مثل مجتمعنا الذي ذكرت خصائصه. قيل ان لهم ارتباطات اقليمية وتمويل خارجي ما حقيقة ذلك؟ - ربما يكون هذا وارداً في الجنوب… اما نحن فلا نهول الامر، ننظر اليهم بحجمهم الطبيعي ولم يشكلوا اي خطر على الامن، ودستورنا يؤمن على الحريات الاساسية. وهل هذا الدستور فيه ما يشير الى التعددية الحزبية؟ - هذا منصوص عليه فعلياً، ونزمع اجراء استفتاء على الدستور بعد انتهاء الفترة الانتقالية الحالية اي بعد 3 سنوات ونلحق ذلك بقانون الاحزاب، ونظراً لوجود القبلية والعشائرية كواقع في مجتمعنا فإن الملامح العامة للاحزاب تفترض قوميتها، بمعنى ان يكون للحزب على الاقل وجود في 4 محافظات من 6 محافظات ويفترض ان لا يقوم اي حزب على أسس دينية او قبلية او عرقية. وسنطلب من الاممالمتحدة الاشراف على الاستفتاء. هل لديكم أي معتقلين سياسيين؟ - نحن نفتخر بأننا البلد الوحيد في المنطقة الافريقية الذي ليس لديه معتقلون سياسيون. علمنا انكم عينتم لجنة لحصر ضحايا نظام سياد بري ما الهدف من ذلك؟ - هذه لجنة تقصي تبحث ملفات اكثر من خمسين الفاً كانوا ضحايا ذلك النظام، وحالياً هناك لجنة من الاممالمتحدة تتعاون معنا في هذا الامر، ونهدف في النهاية الى تقديم المسؤولين عن هذه المجازر الى المجتمع الدولي كمجرمي حرب لمحاكمتهم على غرار ما يحدث في رواندا والكونغو والبوسنة.