ظلت أسمرا تحافظ على هدوئها حتى اذاعة نبأ اسقاط اول طائرة عسكرية اثيوبية في الغارة الجوية الثانية على المطار. وعلى رغم خطورة الوضع خلال الغارات، لم يلجأ سكان اسمرا الى اتباع الاجراءات المعروفة في مثل هذه الحالات، كالتزام عدم مغادرة المنازل والاستماع الى تعليمات الأمن والسلامة التي يمكن ان تبثها اجهزة الدفاع المدني. على عكس ذلك، خرج سكان أسمرا البالغ عددهم حوالى 400 ألف، رجالاً ونساء من كل الاعمار، يرقصون ابتهاجاً باسقاط الطائرة. بل اتجه عشرات الآلاف منهم نحو الطريق الغربي المؤدي الى المطار في محاولة للوصول الى موقع سقوط الطائرة. واللافت ان كثيرين صعدوا خلال الغارات، الى سطوح المنازل والمباني العالية لرؤية كيفية تعامل المضادات الجوية مع الطائرات المغيرة. وبات مألوفاً منظر التجمعات الكبيرة في الطرق العامة تردد الأناشيد الوطنية والحماسية. ويبدو ان الاريتريين ألفوا مثل هذه لاجواء، بعد معاناة حرب السنوات الثلاثين التي خاضوها من اجل الحرية واستقلال بلادهم عن المستعمر الاثيوبي. ويشعر كثيرون من المواطنين من كبار السن تحدثت اليهم "الحياة" بالاعتزاز لأن ابناءهم موجودون في جبهات القتال يدافعون عن "سيادة بلادهم". ويقولون ان الحرية التي دفعوا ثمنها غالياً لن يفرطوا بها، خصوصاً ان "عدو اليوم هو عدو الأمس". ومنذ بداية الازمة، ظل الاريتريون يترددون على مراكز التطوع، الى جانب الذين استدعتهم الحكومة، ومن دون ان يطلب منهم ذلك. وبدأ بعضهم يستعيد ذكريات الكفاح المسلح على رغم ما فيها من مرارة. وأمس طافت سيارة صغيرة بالطيار الاثيوبي الأسير شوارع اسمرا فاصطف المواطنون على جنبات الطرق وهم يطلقون صيحات الفرح بصورة هستيرية. وتكرر المشهد عندما جاءت سيارات اخرى محملة قطعاً من حطام الطائرة. في الدوائر الرسمية تختلف الصورة، اذ يبدي معظم المسؤولين الاريتريين هدوءاً شديداً في التعامل مع الحدث. وتكتفي اجهزة الاعلام الرسمية ببث البيانات الحكومية والمؤتمرات الصحافية، من دون ادنى اشارة الى التصعيد في الازمة. وعلى مستوى الحياة العامة في أسمرا لم يظهر بعد اي مؤشر الى ازمات محتملة. فالحياة تسير بنمطها المعهود، والمحلات التجارية والمقاهي والأسواق تؤدي خدماتها المعتادة. وبعد نحو سبع سنوات لم يظهر فيها اي اثر لرجال الشرطة في شوارع اسمرا، ظهر هؤلاء بزيهم الرسمي، وهم يشددون الحراسة على بعض المواقع الحساسة، الى جانب المتطوعين من جهاز الخدمة الوطنية الالزامية. وربما يكون هذا الاجراء تحسباً لظهور "طابور خامس" من قومية التيغراي الاثيوبية الذين يعيشون بالآلاف في العاصمة ومدن اخرى اريترية.