أسفرت الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في الاكوادور، أفقر دول أميركا اللاتينية عن فوز مرشح الديموقراطية الشعبية اللبناني الأصل الدكتور جميل معوض بالمركز الأول بنسبة 36.68 في المئة من مجموع أصوات الناخبين، بينما احتل تاجر الموز ورجل الأعمال المليونير الفارو نوبوا، مرشح الرئيس السابق "المجنون" عبدالله بوكرم الذي حصل على نسبة 29.75 في المئة من مجموع الأصوات. ويلتقي المرشحان من جديد في الجولة الثانية التي تجرى في 12 تموز يوليو المقبل، بعد أن فشل الرئيس السابق للاكوادور رودريغو بورخا في المنافسة ولم يحصل سوى على 14.66 في المئة، وجاء بعده المخرج التلفزيوني الشهير فريدي الهيرز الذي احتل المركز الرابع بنسبة أصوات لا تتعدى 12.97 في المئة، ليخرجا معاً من تلك المنافسة. ويشترط الدستور نسبة لا تقل عن 50 في المئة من مجموع أصوات الناخبين المشاركين في التصويت للفوز، وفي حال عدم حصول أي من المرشحين على هذه النسبة تجرى جولة ثانية بين أول وثاني المرشحين الحاصلين على أعلى نسبة من الأصوات، ويفوز من يحصل منهما على نسبة أعلى خلال الجولة الثانية. فاز جميل معوض بغالبية كبيرة في المناطق الجبلية التي يقطنها هنود من سكان البلاد الأصليين، وكان يتوقع ان ينال المرشح المليونير النسبة الأعلى في مناطق الشواطئ والمدن نظراً لشعبيته بين التجار، لكنه لم يتمكن من الحصول على دعم سكان العاصمة كيتو التي يتولى منصب العمدة فيها جميل معوض. يقول المراقبون ان فشل المرشح الثاني الفارو نوبوا في الحصول على نسبة أكبر من التي حصل عليها على رغم نفوذه المالي الواضح، فهو من أغنى أثرياء البلاد وتزيد ثروته على البليونين من الدولارات في بلاد أكثر سكانها من الفقراء، يعود الى العلاقة التي تربطه بالرئيس المعزول عبدالله بوكرم، الذي تم عزله من منصب الرئاسة عام 1997 لاتهامه بالجنون، نظراً لإدارته الغريبة التي دفعت البلاد الى حافة الخطر المالي. وكان الفارو نوبوا من أقرب الأصدقاء للرئيس المعزول، واعترف أثناء الحملة الانتخابية انه لا يزال على علاقة به ويدعمه مالياً في منفاه الاجباري في بنما، وان الرئيس المعزول عبدالله بوكرم دعا الناخبين من خلال رسائل اذاعية وتلفزيونية لصالح الفارو نوبوا، ويتهمه منافسوه بأنه استفاد من تلك العلاقة خلال الفترة التي تولى فيها بوكرم رئاسة البلاد، وحاول تعطيل عزله على رغم السخط الشعبي. الى هذا يفتقر نوبوا الى برنامج انتخابي واضح، ورفض ايضاً المشاركة في أي مواجهة تلفزيونية مع جميل معوض، ولم يعقد سوى مؤتمر صحافي واحد خلال 45 يوماً مدة الحملة الانتخابية، وكانت ردوده على اسئلة الصحافيين غامضة وملتبسة، أحياناً يتهرب من الرد بطلب توجيه هذه الأسئلة الى المرشح لتولي منصب نائب الرئيس، واحياناً يحول الأسئلة الى مستشاره الاقتصادي أو السياسي، والنقطة الوحيدة التي ركز عليها خلال دعايته الانتخابية إعادة إعمار منطقة الشاطئ وتحويلها الى منتجع عالمي يجذب السائحين، لذلك كانت الأصوات التي حصل عليها في تلك المنطقة أعلى بكثير من الأصوات التي حصل عليها في المناطق الأخرى. وتؤكد المؤشرات الأولية ان فرصة معوض الذي يتولى منصب عمدة العاصمة الاكوادورية كيتو أكبر في الفوز بمقعد الرئاسة، نظراً للقبول الشعبي الكبير الذي يحظى به هذا الاستاذ الجامعي. فمعوض حفيد أسرة لبنانية مهاجرة الى الاكوادور، درس إدارة الأعمال في جامعة هارفارد الأميركية، وتولى في حكومات سابقة منصب وزير العمل، وتعتبر ادارته لبلدية العاصمة خلال فترتين انتخابيتين من أفضل الإدارات التي رفعت مكانة المدينة ووضعتها بين أفضل عشر مدن في أميركا الجنوبية والكاريبي. ولا يجد منافسوه طريقة لانتقاد ادارته لتلك المدينة سوى انتقاد مشروع "التروللي باص" الذي عممه في المدينة لتوفير وسيلة مواصلات شعبية ورخيصة، مما وضعه في مواجهة مع سائقي التاكسي وأصحاب سيارات الاجرة، الذي فقدوا سيطرتهم على السير في شوارع المدينة. ومن الانجازات التي يعتمد عليها معوض دوره الكبير في عزل الرئيس السابق عبدالله بوكرم. فقرار العزل السياسي الذي وقعه البرلمان كان نتيجة تحركات معوض الذي قاد حركة العصيان المدني الشعبية واستطاعت ان تجمع أكثر من مليوني مواطن في أكبر مظاهرة شعبية تشهدها عاصمة الاكوادور طوال تاريخها، ونجاحه في التوفيق ما بين البرلمان والقيادة العامة للقوات المسلحة والسفارة الأميركية للحصول على تأييدهم لعزل الرئيس "المجنون". وتعتبر علاقته بالسفارة الأميركية من الضروريات للحصول على أي منصب سياسي في أي دولة في أميركا اللاتينية. ويؤكد المراقبون في العاصمة الاكوادورية ان معوض سوف يحصل على نسبة كبيرة من الأصوات خلال الجولة الثانية، نظراً لتضمن برنامجه نقاطاً تجذب أصوات يسار الوسط. اضافة الى دعوته الى تشكيل حكومة اتحاد وطني موسعة في حال فوزه بمنصب الرئاسة، تضم مختلف القوى لوضع حلول للمشاكل الخطيرة التي تتهدد البلاد، خصوصاً في مجال الاقتصاد. ويتضمن برنامجه الاقتصادي فتح المجال أمام القطاع المالي الخاص للمشاركة في تحديث الخدمات الأساسية، ورفع زيادة نسبة النمو الى 4 في المئة خلال العام المقبل، وزيادة نموها لتصل الى 6 في المئة خلال عام 2002، وتوفير 900 ألف فرصة عمل لتخفيف حدة البطالة، واقامة خطوط أنابيب نفط جديدة، واقامة 7 آلاف كيلومتر من خطوط الحديد لتوفير وسيلة مواصلات سهلة ومريحة للتنقل بين مدن الاكوادور، ومطاردة المتهربين من الضرائب من رجال الأعمال، منهم منافسه نوبوا الذي يؤكد معوض انه متهرب من دفع ضرائب للدولة تقدر بحوالي 800 مليون دولار.