أصدرت إحدى محاكم العاصمة التركية أنقرة الأسبوع الماضي حكماً بسجن الصحافي التركي رجيب دوغان الملقب بموسى أقدمير، وهو مراسل لصحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية، سبعة أشهر ونصف الشهر، بسبب مقابلته الزعيم الكردي عبدالله أوجلان. ونشرت المقابلة أيضاً في صحيفة "أوزغور غوندم" المقربة من حزب العمال الكردستاني، اعتبرت السلطات أن هذه المقابلة بمثابة "ترويج دعائي لصالح منظمة انفصالية"! وقد طالت هذه التهمة عدداً من الصحافيين والمثقفين الأتراك، أبرزهم يشار كمال. وحسب تقديرات منظمة "مراسلون بلا حدود" يبلغ عدد سجناء الرأي في تركيا 130 سجيناً، منهم من أمضى قرابة 15 سنة في المعتقل ومنهم من هو قيد الاختفاء. ولا يأخذ الاحصاء في الاعتبار الأشخاص الذين طالتهم التصفية في ظروف غامضة. ويناضل رجيب دوغان البالغ من العمر 44 سنة، والحائز على جائزة هيلمان هاميت لحرية الرأي، منذ سنوات لايجاد حل سياسي للمسألة الكردية: "لا سبيل لأية ديموقراطية في غياب هذا الحل" يقول رجيب دوغان. فعسكر تركيا الذي يتباهى بدفاعه عن التنوير والعلمانية مستنفراً لذلك القوانين القسرية، لا يختلف سلوكه في العمق عن السلوك العشائري لعسكر الجزائر الذي يطبق من حديد فلسفة "إما نحن وإما هم"، ولا زالت الجزائر تجرب مفاعل هذا التنافي الاستئصالي. وعلاوة على الحساسية الاستئصالية للجيش التركي تجاه المسألة الكردية، فإن اعتقال رجيب دوغان بمثابة عقاب رمزي لفرنسا، وذلك في إطار سياسة شد الحبل بين أنقرة وباريس بعد أن اعترفت هذه الأخيرة وبشكل رسمي بأن الأرمن تعرضوا لإبادة جماعية على يد الأتراك. اعتقال رجيب دوغان، المتزامن مع صدور التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية، هو بالكاد عثرة سياسية خطيرة، لأنه سينقلب سلباً على تركيا، وذلك باستعداء المؤسسات الصحافية والمنظمات المراقبة لحرية الرأي والصحافة، وايصاد الباب أمام رغبتها في الاندماج في المنظومة الأوروبية بحكم الطينة التوتاليتارية للنظام وعجينته الاستبدادية. ويشير رجيب دوغان إلى أن ثمة ثلاثة طقوس لا بد لأي تركي ان يمثل لها وهي: الختانة، الخدمة العسكرية والسجن. فهل ستبقى الدولة العلمانية في زمن العولمة أسيرة دائمة لبعض مظاهر هذه القدرية