في لحظة ذهول تسبق انتباهة مفاجئة، يمكن للشخص العائد الى بيته، رجلاً او امرأة، ان يتوجس من اصطدام كرة ركنية او رأسية برأسه وهو يهم بدخول البيت. اذ ان غيابه في الخارج وعودته المبكرة او المتأخرة، ستجعله غافلاً عن الاتجاه الذي تتجه اليه الكرة. لم يلعب لاعبو الفرق والمنتخبات والنوادي على عشرة ملاعب في تسع مدن فرنسية فقط، بل لعبوا كذلك في بيوت الناس. وبالطبع بواسطة وبفضل التلفزيون. ولذلك يشعر المتفرج القابع على مقعده ان بيته ليس ضيقاً الى تلك الدرجة، وإلا لما اتسع لعشرات اللاعبين يصولون ويجولون على مدى خمس ساعات يومياً. لم تخرج الكرة من الشاشة ولم تصب احداً بأذى، بمن في ذلك من يدخل البيت ساهماً، ولكن البيت امتلأ بنقلاتها وتقاذفها ورياحها. وقلة من الناس لم تشعر بهذا التغيير الطارئ الذي دخلت فيه الكرة ولاعبوها الى البيت. وفي وسع المتفرجين ان يتبادلوا مشاعر الحسد والرضا الذاتي. فمتفرجو البيت يرون الكرة اوضح وأقرب، ومتفرجو الستاد يرونها حية رأي العين. ومتفرجو البيوت بالملايين بينما متفرجو الستاد بالآلاف. لكنهم كلهم متفرجون ويحظون بالفرجة نفسها، اذ يتابعون الكرة وتطورات اللعب وتحقيق النتائج اولاً بأول وهو ما لا يحدث في أية مناسبة دولية اخرى. ومن سوء حظ معارك اثيوبيا وأريتريا وجنوب السودان، انها وقعت وتواصلت مع المونديال وهذه ساحة معارك تستهوي الصغار والكبار وتجذب اليها البنات والنساء رغم ان من يلعبون هم من الرجال فقط، وإن كان هناك من رأوا في المونديال فرصة سانحة كرئيس الحكومة الاسرائيلية الذي قام بتوسيع حدود بلدية القدس مراهناً على ان الناس في المونديال. وإذا كان للسياسة تأثير ملحوظ وضمني احياناً يشبه تأثير العوامل الجوية على الألعاب والجمهور، فان ذلك تبدى في اللعب بين اميركا وإيران، حيث دخل اللاعبون الاميركيون الى بيوت الايرانيين، فيما دخل الفريق الايراني بيوت الاميركيين دخولاً انخفضت فيه حدة العداء، وارتفعت قيم اللعب وعلى الأقل قبل حسم النتيجة، وذلك في أول حرب مستحبة بين البلدين. وإذا كان الصيف موسماً للاجازات والرحلات واستقبال الزوار اللطفاء او الثقلاء، فقد تكفلت الكرة في بواكير هذا الفصل وحتى قبل ان يبدأ، بتغيير البرنامج ومخالفة التوقعات. فالذي سافر اكتشف ان الكرة النطاطة تسبقه وتطارده، ومن اعتصم في بيته تسنى له استقبال الكرة كضيف من ضيوف الأمر الواقع، وهي ضيافة اقل كلفة وأخف وطأة من زوار يكسرون هدأة ليالي الصيف بضجيجهم وتطلباتهم. فقد لاحظ من لاحظ ان اعداء الكرة على شاكلة اعداء المرأة والغناء والكومبيوتر، كانوا في موقف اقرب الى الحياد في هذه المسابقة. لم ترتفع اصواتهم هذه المرة ولم يرددوا مقولتهم الدائمة ان عقول الناس باتت في اقدامهم، بل ان الكرة كسبت اصدقاء جدداً في البيوت، وهو تغيير ليس هيناً. فمن يقلّ عداؤه للكرة تضعف كراهيته لأشياء اخرى. فدخول الكرة الى البيوت بهذه الصورة الأخاذة والملحوظة، جعل الواحد يثق بأن الزمن بعد الأرض يدور فعلاً. فقد بدأ الواحد حياته يتعلم ان الأرض التي يقف عليها هي مجرد كرة ارضية. وها هو بعد تراخي الزمن يدرك ان الكرة ليست مجرد وسيلة ايضاحية يدرك الحقائق بواسطتها، بل هي كذلك وسيلة تسلية تبعث الفضول والحماسة. وهذا هو شأن المتفرجين العرب الذين تشبثوا بمقاعدهم لمتابعة العاب السعوديين والمغاربة والتوانسة. ويشعر المتفرج ان من واجبه "حضور" المباراة لتشجيع الفريق العربي. وليس في الأمر هراء. فاللاعبون في الملعب في بلاد الفرنسيين يدركون لا شك اننا نتفرج عليهم ونتابع اداءهم وينالون تشجيعنا عن بعد. ولهذا اوقف اللاعبون الآخرون حديثهم عن مؤتمر قمة ايام المونديال. فالمتفرجون العرب منصرفون الى لعبة اخرى مكشوفة تقع امام اعينهم ويتعرفون على نتائجها اولاً بأول، ويمارسون تأثيراً خفياً عليها، خلافاً لألعاب السياسة التي يبطل فيها كل تأثير لجماهير المتفرجين