في فبراير 2002م بدأت وزارة العدل الإسرائيلية حملة ضخمة لتسجيل الأملاك الخاصة والعامة التي تركها اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل من الدول العربية سواء قبل إعلان الدولة الصهيونية أو بعدها والذين زعمت الوزارة أن عددهم يتجاوز 900 ألف يهودي ، وأنهم تركوا وراءهم ثروات طائلة تقدر بعشرات المليارات ، سواء في شكل ممتلكات خاصة كأرصدة البنوك والعقارات والعمارات والمزارع وسندات ديون على الغير، أو في شكل ممتلكات عامة مثل أسهم المؤسسات العامة الحكومية والشركات والبنوك . الغريب آنذاك أن المذكرة التي أعدتها وزارة العدل الإسرائيلية واتهمت فيها العرب بسرقة أموال اليهود المهاجرين إلى إسرائيل تضمنت اتهام الدول العربية كلها بلا استثناء ، غير أن المحامي العام الإسرائيلي لاحظ أن هناك دولاً عربية لا علاقة لها باليهود المهاجرين ، مما أدى إلى تعديل مذكرة الاتهام لتشمل المغرب ومصر والعراق واليمن فقط . وعلى الفور شرعت الوزارة الإسرائيلية في فتح سجل ضخم تحت مسمى حملة إعادة أموال اليهود المسلوبة من الدول العربية ، وذلك تمهيدا للمطالبة بها من خلال الأممالمتحدة أو بواسطة الولاياتالمتحدة الأمريكية ، على أمل أن تكرر واشنطن الدور الذي لعبته في قضية ذهب اليهود ببنوك سويسرا في قضية أموال اليهود التي خلفوها وراءهم حسب المزاعم الصهيونية عند هجرتهم من الدول العربية . ولم يتوقف الأمر عند وزارة الخارجية الأمريكية ، ولا على الحملات الشرسة التي تخوضها المنظمات الصهيونية في أمريكا والدول الغربية لاستعادة أملاك اليهود ، بل تعدى ذلك علناً في مناقشات الكنيست الصهيوني ، الذي قرر تشكيل لجنة من بين أعضائه برئاسة إفراهام هيرشسون لوضع الخطط اللازمة لإنشاء مركز لتسجيل الوثائق وإفادات الشهود حول ثمن الأملاك المزعومة التي تركها يهود البلاد العربية وراءهم عندما قرروا الاستيطان في الكيان الصهيوني . مهمة لجنة الكنيست ستمتد أيضا إلى التنسيق مع المجلس اليهودي العالمي ، الذي يتخذ من نيويورك مقرا دائما لنشاطه ، والذي يملك فروعا في 70 دولة ويتمتع بعضوية الأممالمتحدة ومنظمة اليونسكو بصفتها هيئة غير حكومية ، والأهم أن هذا المجلس اليهودي هو نفسه الذي قاد الحملة على المصارف السويسرية . الهولوكست .. دجاجة تبيض ذهبا !! قصة الحملة على البنوك السويسرية ترجع إلى مايو عام 1995 حين قدم الرئيس السويسري اعتذارا رسميا لليهود عن منع سويسرا لهم من اللجوء إليها خلال فترة الهولوكوست النازي .. وقبل أن ينتهي هذا العام شن المجلس اليهودي العالمي حملة ضارية ضد البنوك السويسرية بزعم المطالبة بذهب اليهود الذي استولت عليه تلك البنوك ، كما أثار مسألة أملاك اليهود التي وضعت في حسابات ببنوك سويسرا قبل وخلال فترة الحرب ، وواجهت البنوك السويسرية ضغوطا اقتصادية كبيرة من الولاياتالمتحدة ، بدءا من الرئيس كلينتون ومرورا بإحدى عشرة وكالة حكومية فيدرالية ، وانتهاء بمجلسي الكونجرس وحكومات الولايات الأمريكية المختلفة ، التي استخدمت سلاح الحظر الاقتصادي من أجل كسر مقاومة سويسرا ، فسحبت مدينة لوس أنجلوس في مايو عام 1997 مئات الملايين من الدولارات من بنك سويسري ، ثم تلتها نيويورك وولايات ماساشوسيتس والينوي وكاليفورنيا .. وتصاعدت الحملة إلي أن رضخ السويسريون في منتصف شهر أغسطس 1998 ووافقوا علي دفع مليار وربع المليار دولار . والمثير للدهشة أن الولاياتالمتحدة الأمريكية أيضا ارتكبت كل تلك الجرائم ، فمنعت دخول لاجئين يهود إليها قبل وأثناء الحرب ، ورغم اختلاف حجم ومساحة الولاياتالمتحدة وسويسرا ، فإن الأخيرة استقبلت نفس العدد الذي سمحت به الولاياتالمتحدة وهو نحو20 ألفا فقط ، إلا أن المنظمات الصهيونية لم تجرؤ على مطالبة الولاياتالمتحدة بدفع أية تعويضات مثلما فعلت مع سويسرا . ولأن الشيء بالشيء يذكر ، فينبغي أن نشير هنا إلى أن سابقة الحملة الصهيونية لابتزاز سويسرا تحت زعم ما يسمى استيلاؤها على ممتلكات اليهود وذهبهم وأموالهم لم تكن الأولى من نوعها ، إذا سبقتها وتلتها عدة حملات أخرى لابتزاز العديد من الدول الأوربية المختلفة ، بحيث أصبحت هذه الحملات المنظمة على حد تعبير الكاتب الأمريكي نورمان فينكلشتاين في كتابه (صناعة الهولوكوست: تأملات حول استغلال آلام اليهود) عملية ابتزاز كاملة وبدون أية تحفظات. فرغم أن الحكومة الألمانية مثلا قد قامت في الخمسينيات بالتفاوض مع المؤسسات اليهودية من اجل تعويضهم عن جرائم النازية ، وسددت منذ ذلك الحين وحتى منتصف التسعينيات نحو60 مليار دولار كتعويضات ، غير أن المنظمات الصهيونية لم تكد تفرغ من ابتزاز سويسرا في أغسطس 1998 إلا وكانت ألمانيا هي المحطة التالية بعد أقل من شهر ، ففي سبتمبر عام 1998 قام المجلس اليهودي العالمي ويسمى أيضا الكونجرس اليهودي العالمي برفع عدة دعاوى قضائية ضد الصناعات الخاصة الألمانية يطالبها بعشرين مليار دولار علي الأقل كتعويضات عن ممتلكات اليهود ومعاملتهم كالعبيد في ألمانيا ، ومع نهاية العام رضخت ألمانيا ووافقت علي دفع تلك التعويضات . وتواصلت الحملة الصهيونية لتحط سهامها هذه المرة في النمسا ، ففي مارس عام 2000 أكد إسرائيل سينجر وجود وثائق أمريكية جديدة تكشف أن لدى النمسا ممتلكات لليهود تقدر بنحو عشرة مليارات دولار ، وبدأ اللوبي الصهيوني في إثارة مسألة الذهب والحسابات البنكية التي صادرها النازي من البنوك النمساوية ، كما بدأ فتح ملف إعادة الممتلكات اليهودية التي صادرتها الكنيسة النمساوية خلال الحرب العالمية ، ليستمر بذلك مسلسل الابتزاز اليهودي ضد النمسا. وفي الوقت الذي قدرت فيه الحكومة النمساوية قيمة هذه الممتلكات بمبلغ يقترب من مليارين ونصف المليار شلن كتعويض كامل ، فإن المنظمات اليهودية اعتبرت هذا المبلغ الدفعة الأولى من التعويضات ولم يتم الاتفاق بعد على قيمة هذه المبالغ النهائية . يهود أمريكا .. رأس الحربة وإذا كان هذا هو حال الحملات الصهيونية لابتزاز الغرب بدعوى التعويض عن الممتلكات التي تركها اليهود حينما غادروا تلك البلاد ، فربما كان من نافلة القول هنا أن نشير إلى أن المزاعم والمطالبات المماثلة بشأن الممتلكات اليهودية في الدول العربية ليست وليدة اليوم أو اللحظة ، إذ ان هذه المزاعم طرح قديم تمّت بلورته على مدار الصراع العربي الإسرائيلي ، فقد حرص السياسيون والمفكرون الإسرائيليون طوال الخمسين عاما الماضية على ترسيخ هذه الفكرة ، حتى تظهر إسرائيل أمام الرأي العام في المجتمع الإسرائيلي واليهودي المنتشر في مختلف أنحاء العالم مدى الحرص والاهتمام اللذين توليهما للجاليات اليهودية المقيمة في مختلف الدول ،وبخاصة في الدول العربية . في هذا الإطار لم يكن غريبا أن تقوم إسرائيل بتشكيل لجان من يهود الولاياتالمتحدة ، مهمتها تلقى التقارير من اليهود الذين عاشوا في الدول العربية وتركوا ممتلكاتهم وهاجروا ، سواء أولئك الذين هاجروا إلى إسرائيل أو إلى غيرها من الدول .. وانتهت هذه اللجان إلى تقدير تلك الممتلكات بما يزيد على ستة مليارات دولار ، إلا أن منظمة تدعى (اللجنة الدولية ليهود الدول العربية) رفضت هذا التقدير ، وقامت بإعداد استبيان مقسم إلى ثلاثة أجزاء : الأول يتصل بالمعلومات الشخصية كالاسم والعنوان في دولة المنشأ وعدد أفراد العائلة اليهودية إبان الهجرة ، والثاني يطلب إعطاء تفاصيل كثيرة قدر المستطاع حول الأملاك التي كانت تعود للجالية اليهودية التي انتمى إليها الشخص ، مثل الكنيس والمعاهد الدينية والمدارس والمستشفيات والمطاعم ، بينما ركز القسم الثالث على طلب معلومات عن الأملاك الخاصة ، بما فيها حسابات البنوك والعقارات والأموال والمجوهرات وغيرها .. وقد طلبت المنظمة من جميع اليهود أن يرفقوا بالاستبيان قدر الإمكان الوثائق والمستندات التي توثق كلامهم عن ممتلكاتهم. ولم يلبث رئيس تلك المنظمة عميرام إيتاس أن زعم أن هناك مليون يهودي غادروا الدول العربية تاركين خلفهم ما لا يقل عن 200 ألف بيت ، وأنه من الصعب الآن تقدير قيمة تلك الأموال المتروكة .. ورغم ذلك إلا أنه شدد على أن يهود العراق كانوا يسيطرون في الأربعينات على 80 في المائة من اقتصاد البلاد ، أي ما يقارب 100 مليار دولار حسب تقدير اليوم ، بينما كانت أملاك اليهود في مصر تقدر بحوالي 60 مليار دولار. الرسالة الوقحة وبالفعل شكلت إسرائيل جمعية أمريكية بنيويورك أطلق عليها اسم (الجمعية التاريخية ليهود مصر)، قامت قبل ثلاثة أعوام بإرسال خطاب إلى سفير مصر في واشنطن تطالب فيه بنقل السجلات المدنية الخاصة بالطائفة اليهودية التي كانت تعيش في مصر إلى معهد يهودي أمريكي .. وكانت الرسالة عبارة عن التماس مقدم للرئيس حسني مبارك للموافقة على الطلب اليهودي ، غير أن السفير المصري رد برفض الطلب الذي تقدمت به هذه الجمعية الصهيونية . وإزاء هذا الرفض ، قام اليهود بإرسال رسالة أخرى للسفير أشد هجوما على مصر ، وتضمنت المطالبة بتعويضات عن ممتلكات وتعذيب اليهود في مصر ، مشيرة إلى أن مصر يجب أن تلتفت جيدا إلى هذه الرسالة ، وإلا حرض اليهود الدنيا عليها .. وكان من بين مزاعم تلك الرسالة الوقحة التي بثت على شبكة الإنترنت (أن يهود مصر المهاجرين إلى الولاياتالمتحدة لم تكن أبدا لديهم النية في مغادرة البلاد لولا المعاناة التي لاقوها منذ عام 1948 على يد الحكومات المصرية التي قادت حملة ضدهم لتطفيشهم وجعلهم يعيشون في رعب ، وأنكرت عليهم حقوقهم كمواطنين مصريين ، وليس ذلك فحسب بل قامت بمصادرة جميع أموالهم وألقي بالعديد منهم في السجون دون ارتكاب أية جريمة تذكر غير أنهم يهود. دعونا نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية فالحكومة المصرية سرقت من اليهود ممتلكاتهم التي تقدر ببلايين الدولارات دون أي وجه حق ، ولم تترك لنا شيئا يساعدنا على بناء حياة جديدة في أرض غريبة عنا. كيف لم ترد مصر لليهود المصريين ممتلكاتهم المصادرة كما فعل باقي العالم مع جميع الطوائف اليهودية ؟! وكيف لم تعتذر عن معاملتها الوحشية ليهودها ؟! وكيف لا تزال مصر لا تعترف بفضل اليهود العظيم عليها وتنسى ما فعلوه من أجلها؟!). واختتمت المنظمة اليهودية رسالتها بأنه لا توجد فائدة تعود على مصر من إبقائها على ذلك التراث اليهودي مهملا في الخزائن ، وأن تجنب استمرار أي تدهور في العلاقة بين اليهود المصريين ومصر لن يأتي إلا باجتماعهم مع الرئيس مبارك في أسرع وقت ممكن ، إلا أن مصر رفضت الاجتماع بهذه اللجنة الصهيونية أو حتى الرد على رسالتهم الوقحة . وقبل تلك الواقعة قدم موردخاي بن بورات دراسة إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب عام 1992 ، زعم فيها أن السبب في وجود ما يعرف ب (تكتل المهاجرين اليهود في العالم العربي) يرجع إلى (رفض العرب الاعتراف بإسرائيل عام 1948 ، مما أدى إلى وجود لاجئين فلسطينيين ويهود في- الوقت نفسه .. كما أن تهديد مندوب مصر في الجمعية العامة إثر صدور قرار التقسيم أدى إلى حصول مجازر جماعية ضد اليهود في الأقطار العربية ، ونتج عن هذه التهديدات حالة من الذعر أدت إلى هروب 850 ألف يهودي خلال عشرين عاما .. فمن سوريا غادر 45 ألفا ولم يبق منهم سوى 4500 غادروا خلال السنوات الثلاث الماضية ، ومن اليمن هاجر إلى إسرائيل 71 ألف يهودي عام 1949 ولم يبق فيها أكثر من 1200 ، ومن العراق غادر 125 ألف يهودي عام 1951 ، ومن ليبيا هرب 40 ألفا ، ومن لبنان هاجر 20 ألفا إثر اندلاع حرب 1967 ، ومن الجزائر رحل 150 ألف يهودي ولم يتركوا وراءهم سوى 5 آلاف فقط ، أما تونس فقد هاجر منها 110 آلاف ولم يتبق سوى 3500 استمروا حتى عام 1987 ، ومن المغرب هاجر 300 ألف واستمرت الجالية اليهودية بعدد لا يزيد على سبعة آلاف .. وعام 1948 كان عدد اليهود في مصر 76 ألفا ولم يتبق منهم سوى 200 فقط). وقدر موردخاي في دراسته الأراضي والمنازل التي تخلى عنها اليهود في الدول العربية بأنها تعادل مساحة فلسطين تقريبا ، وأن الأموال والمجوهرات التي صودرت يقدر ثمنها في تلك الفترة بعشرة مليارات مارك ألماني . كما زعمت دراسة أخرى أجرتها المنظمة العالمية لليهود في الأقطار العربية (WOJAG) واللجنة الأمريكية أن هناك نحو 88.10 مليار دولار ( قيمة الدولار عام 1986) قد أنفقت خلال الفترة بين عامي 48 و 86 على خدمات نقل واستيعاب وإسكان وتشغيل المهاجرين اليهود الذين قدموا إلى إسرائيل من الدول العربية هربا من العنف والإرهاب . وفي عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو ، بدأ الفلسطينيون يجمعون معلومات حول الأملاك التي تركها فلسطينيو عام 1948 تمهيدا للاستعداد لمفاوضات التسوية الدائمة ، فقرر الصهاينة بدورهم شن حملة مضادة للمطالب الفلسطينية ، وتبنى نتانياهو فكرة التبادل السكاني بين اليهود والعرب الفلسطينيين ، وطرح هذه الفكرة في كتابه (مكان تحت الشمس) ، زاعما أنه لا يمكن معالجة مسألة اللاجئين العرب عام 1948 دون أن نأخذ بالحسبان العدد المماثل من اللاجئين اليهود الذين طردوا في ذلك الوقت من الدول العربية ، وأن الدولة اليهودية التي كانت آنذاك في مهدها قد أنفقت مبلغ 2.1 مليار دولار لاستيعاب مئات الآلاف من اللاجئين اليهود الذين قدموا من الدول العربية ، وبالتالي فإن ما حدث في حقيقة الأمر لا يخرج عن كونه مجرد عملية تبادل سكاني بين الدول العربية ودولة إسرائيل على حد زعمه !! ولم ينس نتانياهو أن يشدد على أن العرب هربوا خوفا من الحرب بينما طرد اليهود من الدول العربية في أعقاب تلك الحرب ، وأنه قد حدث تبادل سكاني مرات عديدة خلال القرن الحالي ، حيث تم تبادل ملايين الناس بين بلغاريا وتركيا عام 1919 وبين اليونان وتركيا عام 1922 وبين الهند وباكستان عام 1948 . تاريخ اليهود العرب والملاحظ أن الجهود الإسرائيلية العديدة في المطالبة بالاستحقاقات التاريخية المترتبة على هجرة اليهود إلى فلسطين في أواسط القرن الماضي سعت بالدرجة الأولى إلى عرض الرؤية الإسرائيلية والتعامل معها على أنها حقيقة تاريخية لا ترقى إليها الشكوك ، والأهم محاولة ترسيخ هذه الرؤية وتعميقها في أذهان صانعي القرار في الحكومات الغربية ، وبصفة خاصة لدى صانع القرار الأمريكي . وإذا ما تجاوز المرء تلك الأكاذيب الصهيونية في محاولة لقراءة التاريخ الحقيقي للجاليات اليهودية في المنطقة العربية ، فإن أول ما يطالعه في هذا الصدد هو أن تاريخ الجالية اليهودية في بلاد المغرب العربي يرجع إلى أواخر القرن الخامس عشر ، حين نزح اليهود من إسبانيا عام 1492 هربا من محاكم التفتيش التي كانت تطارد المسلمين واليهود آنذاك ، وقطن عدد كبير من اليهود في المدن المغربية ومارسوا نشاطهم (التجاري) والتحقوا بأنواع مختلفة من الحرف والمهن الحرة ، مما أدى إلى تعاظم نفوذهم لفترات تاريخية طويلة .. وحين استعمر الفرنسيون الجزائر والمغرب وتونس أقام اليهود علاقات قوية مع الفرنسيين وانحازوا بالكامل إلى القوات الفرنسية وكانوا من أوائل المرحبين بهذه القوات ، وصور اليهود أنفسهم للفرنسيين على أنهم كانوا ضحايا للمجتمعات العربية التي كانوا يعيشون بينها . ومنذ البدايات الأولى للثورة الجزائرية ، دعت جبهة التحرير الجزائري يهود الجزائر في رسالة مؤرخة بتاريخ 2/5/1956 إلى الالتحاق بالثورة ووصفتهم بالمواطنين الأعزاء .. وعلى الرغم من تورط عدد كبير من اليهود مع إرهابيي المنظمة السرية المسلحة المعروفة ب (سود) وقيام هذه المنظمة بعمليات عنف ضد السكان الجزائريين ، إلا أن الثورة بعد إعلان الاستقلال عام 1962 فتحت صفحة جديدة مع اليهود وطالبتهم بالبقاء باعتبارهم مواطنين جزائريين ، غير أن اليهود أخذوا يجمعون حاجياتهم وممتلكاتهم لكي يرحلوا مع القوات الفرنسية . أما في المغرب حيث كانت تعيش اكبر جالية يهودية فقد اتبع اليهود نفس النهج في تعاملهم مع المجتمع المغربي بعد دخول القوات الفرنسية إلى المغرب ، وعندما تشكلت في فرنسا حكومة موالية للنازيين عرفت باسم حكومة فيشي ، طلبت هذه الحكومة من اليهود المغاربة تقديم قوائم بممتلكاتهم بغية مصادرتها ، إلا أن الملك المغربي محمد الخامس احتج لدى الحكومة الفرنسية وطالبها بإلغاء تلك الإجراءات التعسفية ، وتدخل شخصيا لحماية الجالية اليهودية ضد الإجراءات الفرنسية. وشهد شاهد من أهلها ومن المغرب العربي إلى العراق ومصر واليمن ، يتكرر نفس السيناريو مع اختلافات طفيفة للغاية .. بيد أن كتاب الباحث اليهودي البارز جدع جلادي وعنوانه (إسرائيل .. نحو الانفجار من الداخل) يفضح أكذوبة اضطهاد اليهود في العالم العربي واضطرارهم للجوء المزعوم إلى إسرائيل ، ويثبت أن يهود العالم العربي الذين يسميهم يهود الإسلام ظلوا جزءا حيا ومقدرا في مختلف الأقطار العربية ، وان الدافع الرئيسي لاستجلاب أولئك اليهود إلى إسرائيل هو أن قادة الحركة الصهيونية وكلهم من اليهود الغربيين (الاشكيناز) كانوا يبحثون عن أيد عاملة رخيصة لدفع عجلة الإنتاج في المستوطنات والكيبوتسات ، حتى يجني الاشكيناز ثمرة ذلك الجهد ، ومن ثم فإن المنظمة الصهيونية كانت توفد عملاءها إلى بعض الدول العربية لانتقاء القادرين علي العمل وحدهم من بين اليهود وتهجيرهم إلى إسرائيل ، فلجأ هؤلاء العملاء إلى استخدام وسائل الضغط والتحريض والرشوة والتآمر لتهجير اليهود ودفعهم في اتجاه إسرائيل ، وهو ما كشفه إسحاق مناحيم أحد عملاء الصهيونية بالخارج حين قال في إحدى رسائله : (لا يمكن ان تتدفق على البلد هجرة واسعة النطاق إلا في ظل المحنة .. وعلينا أن ندرس إمكانية افتعال المحنة بأنفسنا وأن نكون من عناصرها: دوافعها ومسببيها في مختلف الجاليات اليهودية في الخارج.. ثمة يهود يجب دفعهم رغما عنهم إلى مغادرة أماكن إقامتهم). ويؤكد (جلادي) أن الدول الغربية صاحبة النفوذ الأكبر في العالم العربي إبان مرحلة تأسيس إسرائيل قد استجابت لرغبات قادة الحركة الصهيونية ومارست ضغوطها من خلال ممثليها في عواصم المنطقة علي الساسة العرب الذين كانوا مخلصين لها لإشراكهم في مخطط تهجير اليهود وحثهم علي الذهاب إلى إسرائيل ، وأن مصادرة أموال اليهود في العراق مثلا كانت جزءا من ذلك المخطط الشيطاني الذي نفذه أعوان رئيس الوزراء نوري السعيد المعروف بولائه للإنجليز. ويروي جلادي كيف أن الحكومة العراقية عندما سمحت عام 1950 بهجرة اليهود لم يقبل العرض سوي أربعة آلاف شخص من مجموع 130 ألف يهودي عراقي ، فأخذ عملاء الصهيونية يستخدمون الإرهاب لإثارة الهستيريا بين اليهود وإرغامهم علي الهجرة ، فانفجرت عدة قنابل في أماكن تجمعاتهم وبعض شركاتهم ( في وقت لاحق ألقي القبض على أولئك العملاء وأعدم اثنان منهم ) ، وعقب تلك التفجيرات وزع العملاء منشورات في بغداد تدعو اليهود للهجرة إلى إسرائيل. يوم الخلاص وبالتوازي مع هذا الإرهاب الصهيوني ، أنشأت المؤسسة الصهيونية منظمة خاصة تدعي (موساد لعليا) أي مؤسسة الهجرة لتهريب اليهود إلى فلسطين ، وبالفعل تم تهريب الصهاينة اليهود من المغرب إلى الجزائر، ومن ليبيا إلى مالطا ، ومن اليمن إلى عدن ، ومن العراق إلى إيران ، فضلا عن عمليات التهريب الواسعة النطاق من سورياولبنان في مارس 49 عن طريق بيروت ، ومنها بالسيارات إلى منطقة الحدود الجبلية ، ثم مشيا على الأقدام إلى مستعمرة كفار جلعادي . وركزت الدعاية الصهيونية على تخويف اليهود من خطر الإبادة الجماعية إذا ما استمروا في أوطانهم .. وفي بعض البلدان كاليمن وزعت رسائل على وجهاء اليهود تبشرهم بيوم الخلاص أو القيامة وتدعوهم إلى الذهاب إلى عدن ومنها إلى إسرائيل التي وعد الجميع بالسعادة والرفاهية فيها.. وقبيل الثورة الإسلامية في إيران وزع عملاء الصهيونية منشورات في البلاد تهدد اليهود بالقتل إذا هم بقوا في إيران ، وحملت تلك المنشورات توقيع الثوار المسلمون !!. كل تلك الوقائع والشواهد تدحض تماما الأكاذيب الصهيونية بأن اليهود كانوا مضطهدين في العالم العربي وأنهم طردوا من ديارهم فاضطروا للجوء إلى اسرائيل .. ويلفت النظر في هذه الأكاذيب والأضاليل كما لاحظ الكاتب والمفكر الإسلامي فهمي هويدي عن حق أن الدوائر الإسرائيلية اعتبرت أن اليهود العرب وحدهم هم الذين جاءوا إلى اسرائيل لاجئين ومطرودين ، بينما المليون يهودي الذين جاءوا من الاتحاد السوفيتي قدموا طائعين ومختارين ، وأن اسرائيل تتمسك في بياناتها الإحصائية بأن اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا بلادهم عام 1945 لا يتجاوز عددهم 550 ألفا بينما اليهود الذين هاجروا من الدول العربية يصل عددهم إلى 580 ألفا ، وكأن إسرائيل تحاول أن تزعم أن عدد اللاجئين الفلسطينيين يقارب عدد اليهود الذين طردوا من الدول العربية ، وبالتالي فإن الطرفين تبادلا السكان في حقيقة الأمر . حينما قال السادات لا وإذا كانت فكرة تعويض المهاجرين اليهود عن الممتلكات التي يزعمون أنهم قد تركوها وراءهم في البلاد العربية قد طرحت على الرئيس السادات في قمة كامب ديفيد الأولى ، ورفضت مصر رفضا حاسما مناقشة المسألة من الأساس ، فإن حماس الصهاينة لم يفتر يوما في المطالبة بتلك الممتلكات المزعومة .. ومن الملاحظ أن حملات استرداد هذه الأملاك كانت ترمي إلى تحقيق عدة أهداف ، من بينها إظهار إسرائيل أمام الرأي العام اليهودي المنتشر في مختلف أنحاء العالم بوصفها حامية مصالح الجاليات اليهودية المقيمة في مختلف دول العالم ، وبخاصة في الدول العربية ، بالإضافة وهذا هو الأهم لاستخدام قضية المهاجرين اليهود بكل خلفياتها وحيثياتها التاريخية المفتعلة في مرحلة مستقبلية كوسيلة لإسقاط حقوق الفلسطينيين في التعويضات المادية وفي المطالبة بحق العودة إلى الأماكن التي طردوا منها عام 1948 . المخطط الإسرائيلي يهدف إذن في المحصلة النهائية إلى الاستحواذ على أملاك الفلسطينيين التي تساوي 92% من مساحة إسرائيل مجانا أو مقابل مبالغ تافهة ، وأن يتم تسليمها هذه الأراضي بموجب صك شرعي موقع عليه من أصحاب الحق أنفسهم .. بيد أن قصة هذه الأراضي الفلسطينية التي استولى عليها الصهاينة منذ عام 1948 ، وحيثيات عشرات القوانين التي سنتها سلطات الاحتلال للاستيلاء على هذه الأراضي تحتاج إلى معالجة مستقلة. (عن شبكة المعلومات العربية) وهذا الفلسطيني من يعوضه عن أملاكه