رحل الحاكم العسكري لنيجيريا الجنرال ساني اباشا الذي توفي فجر الاثنين الماضي إثر سكتة قلبية، فيما حل محله في اليوم التالي جنرال آخر من اعضاء الزُمرة الحاكمة اياها هو عبدالسلام ابوبكر. وكانت المجموعة العسكرية عجَّلت في تعيين ابوبكر لتجنب حصول اي فراغ في السلطة ربما كان سيؤدي الى انقسام داخل الجيش او الى اضطرابات داخلية بذورها موجودة في البلاد. يوسف خازم يستعرض: لم يخفِ كثيرون داخل نيجيريا وخارجها ارتياحهم لرحيل اباشا، حتى لو كان خليفته نسخة تكاد تكون طبق الاصل عنه. وعلى رغم ان نظام الجنرال الراحل لم يكن اسوأ بكثير من انظمة الحكم العسكرية السبعة التي سبقته منذ استقلال نيجيريا عام 1960 واعلانها جمهورية عام 1963، إلا ان الفترة القصيرة التي قضاها في الحكم منذ 1993 لم تترك مجالاً للترحم على نظامه. إذ عندما يُذكر إسم الجنرال أباشا، يمر في الذاكرة اولاً مشهد الانتخابات الديموقراطية التي طالما انتظرها النيجيريون وفاز فيها مشهود ابيولا الذي كان يُفترض ان يذهب الى القصر الرئاسي، لكن الجنرال اعتقله إثر إعلان فوزه وزجه في السجن ليحكم مكانه. ومذاك كرت مسبحة الاجراءات التي لم تكن غريبة عن اي حكم عسكري، فاعتقل الرئيس السابق اوباسنغو، واعدم الكاتب المعروف دولياً الناشط في مجال حقوق الانسان كين سارو ويوا مع ثمانية من زملائه. وتبعت ذلك عمليات إعتقال شبه متواصله لمئات من المعارضين السياسيين وعدد كبير من الصحافيين، وهو ما رافقه تردٍ في الاوضاع المعيشية داخلياً ومقاطعة شبه شامله دولياً، خصوصاً من دول الاتحاد الاوروبي والولايات ومجموعة دول الكومنولث التي تضم افارقة. وقبل وفاته باشهر عدة رضخ اباشا للضغوط المحلية والدولية وقرر إجراء انتخابات أسماها "ديموقراطية" وحدد موعدها في آب اغسطس المقبل. لكن تبين لاحقاً ان احداً لم يجرؤ على ترشيح نفسه لهذه الانتخابات، وحتى الاحزاب الرئيسية الخمسة المسموح لها بمزوالة نشاط سياسي في البلاد رشحت اباشا نفسه للرئاسة. وقررت حكومة الجنرال انه طالما هو المرشح الوحيد فلا ضرورة للانتخابات، واستعاضت عنها باستفتاء يقرر فيه النيجيريون "نعم او لا" لبقاء الجنرال على رأس الحكم. ومن يجرؤ على قول لا؟ الجنرال الجديد ابوبكر 55 سنة كان رئيساً لجهاز الاستخبارات في عهد الجنرال ابراهيم بابنغيدا ورئيساً لهيئة اركان الجيش في عهد اباشا، وبات الرجل الثاني في النظام بعد زج اباشا الرجل الثاني اولاديبو دياي في السجن بتهمة التآمر ضده. ومعروف عن ابو بكر ابتعاده عن الاضواء حتى عندما كان يمارس مهمات اباشا في بعض الاحيان. وعلى رغم تجنبه التطرق الى توجهه السياسي منذ تأديته اليمين الدستورية كرئيس للبلاد الثلثاء الماضي، الا ان مُقربين منه اعلنوا ان نيجيريا ستعود الى الحكم المدني كما كان مقرراً في الاول من تشرين الاول اكتوبر مع ان موعد الانتخابات في آب ربما يتغير. لكن التصريح بالعودة الى الحكم المدني لا يعني بالضرورة انتخابات ديموقراطية حرة. إذ ان اباشا كان سيحكم بعد الانتخابات كرئيس مدني لو قُدر له البقاء بعد آب المقبل. والحكام العسكريون النيجيرييون السابقون بمن فيهم اباشا مشهورون بمناوراتهم السياسية التي اكسبتهم السمعة بانهم سياسيون متنكرون في زي عسكري. وإذا كان اباشا لعب قبل وفاته دور المرشح الاوحد الذي اختارته الاحزاب بارادتها! فان ابوبكر ربما يلعب دوراً آخر يؤدي الى النتيجة نفسها. حتى كتابة هذه الاسطر لم يظهر اي مؤشر الى إحتمال إعادة تسليم الحكم الى المدني مشهود ابيولا او الى النية في إجراء انتخابات تعددية حرة. ذلك على رغم اتساع الضغوطات الغربية الخجولة في هذا الاتجاه، الا ان الضغط الحقيقي يبقى من المعارضة السياسية في الداخل، فهل تنجح مع الجنرال ابوبكر في ما فشلت في تحقيقه مع الجنرال اباشا