كانت التفجيرات الهندية والباكستانية الأخيرة مناسبة جديدة مثيرة لبعض الدعاة العرب المتحمسين للتبشير بخيار القنبلة النووية بحجة "تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو". هؤلاء ينسون ان أسلحة اسرائيل لم تكن العامل الأول لتراجعنا وعدوانيتها التوسعية، وان افتقارنا الى السلاح النووي ليس عامل ضعفنا الرئيسي في مواجهتها. إن عوامل ضعفنا الاساسية تتمثل في البنى والتوجهات السياسية العربية، والتخلف الحضاري العام، وفي التشرذم وتفاقم الحساسيات والخلافات القطرية، وفي احتقار وتهميش المواطن وهضم حقوقه، وتغييب المجتمع المدني، واحتقار المرأة بخاصة واضطهادها. ورغم كثرة دولنا، وعدد سكان العالم العربي، فإن القرارات الحاسمة تتخذ في غياب المؤسسات أو تغييبها، ومن وراء ظهر الرأي العام. فضلاً عن استفحال الأمية والجهل. ان اسرائيل، والى جانب الدعم الاميركي الكاسح، وعقدة التبكيت الغربية المصانِعة لها استطاعت اقامة مؤسساتها، وقواعد دولتها، وان تمنح مواطنيها الحد الأدنى من حرية الرأي والتعبير والانتخاب، حتى عندما تسيطر على الحكم الفئات الأكثر عدوانية وتعصباً دينياً، واسطورياً. والأقطار العربية التي كثيراً ما نادى من نادى فيها بشعارات الوحدة والتحرير، تزداد تشرذماً وانقسامات حتى باتت تعجز عن عقد قمة عربية موسعة - فيما تتأجج تيارات التطرف، والتكفير، والتأثيم لمحاصرة الفكر، والتقدم الحضاري، بل ان منطقتنا العربية تراجعت عقوداً من السنين في ميادين الثقافة والفكر، والسلوك، والمفاهيم، وكأنها ليست هي التي أنجبت سلامة موسى، وطه حسين والعقاد، واسماعيل مظهر وعلي عبدالرازق وقاسم أمين وأمثالهم من رواد الثقافة والحضارة منذ العشرينات أو حتى قبلها. وينسى دعاة "القنبلة النووية العربية" فيما ينسون، كما كلفنا هوس سباق التسلح، وكم دفع المواطن العربي، ولا يزال يدفع من ثمن باهظ في عيشه ولقمة أطفاله وصحته وتعليمه، علماً بأن كل هذا التسلح المفرط حوالى 11 - 14 في المئة من النتاج القومي لم يزد المنطقة إلا تبعية اقتصادية وسياسية، وضعفاً فوق ضعف. والغريب حقاً ان يأسى من يأسون على الأسلحة العراقية المدمرة والتي تُدمر بالمال العراقي بالذات متنكرين للحقائق الرهيبة عما جنته أحلام "العراق - بروسيا العرب"، وعما يدفعه ابناء شعبنا من أثمان باهظة جداً جراء الانسياق وراء أمثال تلك الاحلام. هم يبكون على أسلحة دفعت أثمانها عشرات المليارات وعشراتها على حساب التنمية، والتعليم والصحة، ولا يبكون عراقاً فقد معظم أركان سيادته، وراح عشرات الآلاف من أطفاله يتركون مدارسهم ويتسولون أو يجنحون، سرقات وجرائم. إن المطلوب هو أولاً "قنابل" تغيير فكري وسياسي واجتماعي، وبرامج انمائية جديدة، والاتفاق على الحدود الدنيا من دواعي الاتفاق العربي. والمطلوب اعادة الحرية والكرامة للمواطن العربي، ورد كامل حقوقه اليه. والمطلوب اعادة النظر في السياسات العربية من "الوسيط" الاميركي بما يضمن الضغط عليه، لكي يستخدم امكاناته وهي موجودة وكبيرة لكسر أنف الغطرسة المنفلتة لأمثال نتانياهو. والمطلوب تشديد وتكثيف المساعي الديبلوماسية وبلا توقف، وبمثابرة وصبر من أجل جعل الشرق الأوسط منطقة خالية تماماً من كل أنواع أسلحة الدمار الشامل، فهذا هو الهدف الذي يجب التركيز عليه ديبلوماسياً. إن المهللين للقنبلة الهندية أو الباكستانية لا يشرحون لنا كيف تساعدنا القنبلتان في مهمات الانماء و"التحرير" العربيين، وكيف مثلاً نهلل لقنابل "اسلامية" هي في أيدي تيارات التعصب المعادية للديموقراطية، والمرتبط نظامها بالأميركان لا غير! ربما بين المهللين أطراف تهلل لكي تبرر لدول اسلامية اخرى غير عربية سعيها الحثيث لامتلاك هذا السلاح! أما أنظمتنا العاجزة حتى عن عقد قمة، بالأجدى بنا دعوتها الى بدائل اخرى للخروج من الضعف العربي المزمن غير خيار القنبلة النووية إياها...