في دراسة اكاديمية تُعد الاولى من نوعها في المكتبة العربية، اعدها الباحث محمد الغيطي عن "اسرائيل ودراما الاغتصاب للهوية والتاريخ والحضارة والابداع"، أكد في مقدمها "ان الصراع العربي - الاسرائيلي تحول الى صراع وجود لا حدود، وان وجودنا يتوقف على مدى الوعي بهويتنا، وان اسرائيل وما تفعله حالياً يدخل في عداد النهب العلني والسرقة مع سبق الاصرار والترصد للهوية العربية. وان المخطط امتد الى التراث وتشويهه في أبشع صوره، وان المشهد الاخير يؤكد استمرار المأساة لتمتد الى كل فروع الثقافة والفكر". والمخطط الاسرائيلي لنهب التراث العربي لم يبدأ حديثاً بل انطلق قبل نصف قرن. فقد تحولت الاوركسترا الفلسطينية الى الاوركسترا الفلهارمونية العام 1936 بقيادة اليهودي ارتونوسكاتنبي. واستمر بعد هذا التاريخ - كما يؤكد الباحث - المخطط الرسمي للسرقات الاسرائيلية للموسيقى العربية، ومنها فرقة اوركسترا القدس السيمفونية واوركسترا الحجرة في بئر سبع، وتغيرت اسماء الفرق الى حيفا ونتانيا ورامات. وكل هذه الفرق تعزف الموسيقى العربية المسروقة. ولم تكتف اسرائيل بذلك بل امتد النهب الى أغاني فريد الاطرش وام كلثوم. وسرَّح الاسرائيليون كورال اطفال فلسطين. وانشأوا كورال تل ابيب. كما نهبوا مبنى اوبرا فلسطين، وسحبوا اعضاءها بعد عرض اوبرا عايدة العام 1961. وتم تشييد دار اوبرا اسرائيل خصوصاً عقب حريق اوبرا القاهرة. ولكن لعدم وجود يهود مؤهلين للفن الاوبرالي في اسرائيل، اغلقت الاوبرا الاسرائيلية في اوائل الثمانيات. ومع ظهور بوادر اوبرا مصرية جديدة، عادت الاوبرا الاسرائيلية لتحتل مسرح فلسطين القومي في القدس الذي جرى تحويله الى دار الاوبرا الاسرائيلية، واعتمدت على اللائحة القديمة للاوبرا المصرية التي وضعها الفنان سليمان نجيب المدير الاول لدار الاوبرا المصرية. ثم دعت اسرائيل فناني الاوبرا في العالم مع شخصيات اوروبية لحضور افتتاح الدار الجديدة. وجاءت المفاجأة في حفلة الافتتاح، اذ عرضت مرويات عربية واسلامية من مصر واليمن والمغرب وتونس ولبنان وسورية! ويضيف الباحث محمد الغيطي في دراسته عن تفاصيل السيناريو الاسرائيلي الكامل لنهب التراث العربي ان السطو الاسرائيلي امتد من سرقة الالحان الى سرقة الاستعراضات، ومنها رقصة الريكه التي حرفها الاسرائيليون الى موسيقى شبابية تقدم في حفلات فاضحة. ويؤكد الباحث ان سرقة اسرائيل للتراث وصلت الى حد الاستيلاء على الاساطير العربية ومنها علاء الدين والف ليلة وليلة والسندباد البحري وايزيس واوزوريس ونسبتها الى "كفاح الشعب اليهودي" في الشتات. وصورت شركة "كانون" الاميركية هذه الاساطير. واعدتها للاطفال على شكل رسوم متحركة ومسرح عرائس، وهي توزع مجانا على العائلات اليهودية. ولوحظ ان النهب الاسرائيلي للتراث كان يبدأ بعد العمليات العسكرية، كما تم في العام 1967. ومسرح السرقة كان في سيناء، إذ ارسلت اسرائيل بعثات لجمع الاغاني والرقصات والموسيقى الشعبية. وسجلت 20 ساعة من الفولكلور الشعبي لبدو سيناء جرى بيعها لاحقاً لمؤسسة اميركية. ولم تكتف الدراسة بعرض الاتهامات فقط، بل سجلت مجموعة من الادلة الدامغة ومنها: في العام 1982 بثت اذاعة تل ابيب حديثاً لمؤلف اغاني اسرائيلي من مواليد القاهرة قال فيه ان عدداً من الملحنين المصريين اقتبسوا مقاطع كاملة من لحن الموسيقار اليهودي المصري داود حسني "قولوا لعين الشمس" من دون ان يشيروا الى مصدر الاقتباس. وعلى الفور رد المؤرخ الموسيقي فرج العنتري على الاذاعة الاسرائيلية قائلا ان لحن "قولوا لعين الشمس" نغم فولكلوري، وان داود حسني استوحاه من التراث الشعبي اذ اثبت ان اللحن كان شائعاً بين بحارة السفن العاملة ما بين تونس والاسكندرية. وعن اسباب الاهتمام الاسرائيلي غير العادي بالموسيقار الراحل فريد الاطرش، يقول الباحث ان اليهود يعتبرون الموسيقار فريد الاطرش الاب الروحي للمدرسة الموسيقية العبرية - الشرقية، بينما يعتبرون داود حسني الملحن اليهودي المصري هو الجد. ولا نعلم بالفعل العلاقة بين فريد الاطرش واليهود الذين يدعون ان جذوره يهودية لجدته بالاضافة الى انهم يدرسون جميع اغانيه ومؤلفاته في المعاهد والكليات اليهودية المتخصصة! ولم تكتف اسرائيل بذلك، بل اعلنت اذاعتها رسمياً عن حملة لتجميع تراث فريد الاطرش في تل ابيب، وخصصت الاذاعة سهرة كاملة عن تراثه الفني والغنائي، واخذوا يؤكدون على عبارة رددها شقيق فريد الاكبر فؤاد الاطرش في احد الاحاديث الاذاعية: "ان اليهود يقدرون تراث فريد الاطرش ويقولون ان تراث فريد يساوي الكثير، وهم يحرصون دائما على اخذ صور تاريخية من مقتنياته للاحتفاظ بها". ويضيف الباحث ان المتتبع لإذاعة اسرائيل سيلحظ انها تذيع لفريد الحاناً عدة على العود سجلها خلال البروفات، ولم تظهر الا بعد وفاته عبر اذاعة اسرائيل فقط... فكيف تسربت اليها شأنها شأن مكتبة اسمهان الغنائية النادرة؟ ولم تكتف اسرائيل بأغاني فريد الاطرش، بل وصلت الى اغاني المطرب الشعبي أحمد عدوية. وتم افتتاح ديسكو باسمه في قلب القدس. وحققت البومات عدوية اعلى المبيعات اذ يجد فيها اليهود الحكم والمواعظ التي تحولت الى امثال شعبية يهودية. وتستمر اسرائيل في مسلسل النهب من الاغاني العاطفية الى الشعبية واخيراً الشبابية التي ظهرت في بداية الثمانينات، اذ قام المطرب اليهودي يعقوب سغيف بعملية سرقة منظمة للانتاج المصري الغنائي ونقله الى العبرية. كما سرقت شركة اسرائيلية اغاني محمد منير وعمرو دياب وايهاب توفيق ومصطفى قمر وهاني شاكر وحسن الاسمر. وادعى احد الموسيقيين اليهود ان اغنية "قارئة الفنجان" ملكه وسجلها في هولندا وتقاضى عنها حقوق الاداء العلني. كما اعلنوا ان تراث ليلى مراد ومنير مراد وزكي مراد الفني ملك لهم على اعتبار ان عائلة مراد عائة يهودية الاصل، وبالتالي يحق لهم ترجمتها الى العبرية من دون ادنى خوف! كلام الصورة - فريد الاطرش: اهتمام خاص. - أحمد عدوية: ديسكو باسمه. - فرقة فولكلورية مصرية... سرق فنها الاسرائيليون