في الوقت الذي ينشغل فيه المتابعون للمشهد الفني بإصدار لوائح متعددة توزع فنانين على «قوائم عار» وتشغل المتلقي بما لا يضيره الجهل به تتسلل أم كلثوم إلى قلب «تل أبيب» بأنغام «أنت عمري» التي لحنها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الموسومة ب «لقاء السحاب»، إذ تتغنى بها المطربة «الإسرائيلية» زهافا بن بلغتها العبرية وفي أكثر من لقاء فني عالمي، وتتناقلها العديد من وسائل الإعلام المختلفة «مقروءة ومرئية ومسموعة» على الطريقة الإسرائيلية الكلاسيكية في الاستيلاء على أجزاء من العالم العربي أرضاً أو موروثاً وسط تغاضي شركة روتانا صاحبة الحق الحصري في إذاعة وبث هذه الأغاني عن ملاحقتها. كما تسوق جهات مختلفة لهذه الأعمال من خلال موقع «يوتيوب» وفي أكثر من قناة فنية دولية. ووسط الانشغال الإعلامي العربي، وجدت زهافا بن المساحة «فضفاضة» على طريق انتشارها، ففي أقل من يومين شاهد الأغنية «المنسوخة إسرائيلياً» على الموقع 44,367 زائراً، في حين بلغ عدد زوار المقطع نفسه بصوت أم كلثوم 14,863 فقط. الناقد الفني المصري طارق الشناوي علق على الموضوع في حديثه ل «الحياة» بالقول: «هذه السرقات لابد من مواجهتها بضراوة، وقد تابعنا في مصر أخيراً قضية ضد المطربة شيرين عبدالوهاب، رفعها المنتج محسن عبدالجابر، بتهمة أدائها جزءاً من أحد أغاني وردة في برنامج تلفزيوني، من دون العودة لصاحب الحق الحصري، وصدر ضدها حكم قضائي، وغرامة مالية، ومن باب أولى أن نرفع مثل هذه القضايا ضد من يسرقون تراثنا وينسبونه إلى أنفسهم، وليس ضد مطرب أو مطربة غنوا من دون قصد الإساءة أو السرقة مقطع لفنان أو فنانة كبيرة أخرى حباً وتقديراً له» مضيفاً: «لنا تجربة سابقة في السرقات الإسرائيلية مع مطربين وموسيقيين سابقين مثل محاولتهم سرقة أعمال المصري اليهودي داود حسني، والفنانة ليلى مراد، والادعاء بأن هذه الأعمال جزء من تراثهم، على رغم أن أصحابها من أعمدة الموسيقى العربية، إضافة إلى أن كثيراً من أغانينا التي تذاع عبر الإذاعات الإسرائيلية، من دون رادع «مشيراً إلى أن اهتمام الإسرائيليين بأغنية أنت عمري» ليس جديداً «أتذكر أن كاتب كلمات الأغنية الشاعر الراحل أحمد شفيق كامل، عرضت عليه إحدى الشركات الإسرائيلية، عام 2007 عن طريق جمعية المؤلفين والملحنين المصرية، مبالغ ضخمة، ليوافق على طرحها في إسرائيل، إلا أنه قال لرئيس الجمعية وقتها الشاعر عمر بطيشة (يغوروا همه وفلوسهم) على رغم أن المبلغ كان متروكاً له تقويمه وتحديده، ومن الممكن مراجعة عمر بطيشة في هذه الواقعة». الشناوي أوضح أن «المثقفين المصريين ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وطوال ال 30 عاماً الماضية، رفضوا التواصل مع الإسرائيليين، وغرفة صناعة السينما المصرية تمنع التعامل معهم بأي شكل من الأشكال، ولم يتبق لنا كمثقفين عرب وبخاصة الفلسطينيين سوى تراثنا الفني والثقافي، الذي يجب المحافظة عليه، وعدم التفريط فيه» مقترحاً أن إثارة موضوع السرقات على مستوى المحاكم الدولية، مشيراً إلى أن صاحب الحق في إثارة هذه القضايا هم «الورثة، والنقابات الفنية، والشركات الحاصلة بموجب اتفاقات قانونية على حق بث وإذاعة هذا التراث، ومن الممكن رفع هذه القضايا كذلك عن طريق الأفراد العاديين أو الجهات الرسمية المختلفة، لإغلاق كل نوافذ الاتصال مع إسرائيل، التي لا تتوقف عن محاولة اختراق الثقافة العربية عموماً». فيما طالب الناقد ب «مؤسسة التحرير» مصطفى الكيلاني «روتانا وهي المسؤولة قانوناً عن حماية هذا المحتوى بسرعة التحرك» مؤكداً أن «عملية السرقة لا تقف عند هذا الحد، فهم يستولون أيضاً على التراث الفلسطيني بتفاصيله كافة، والأغرب انهم لا يتورعون حتى عن سرقة المطبخ اللبناني والادعاء بأن أهم أكلاته هي إسرائيلية». الكيلاني قال إن «عملية السرقة تتم منذ فترة زمنية طويلة، وهناك شبهة تقاعس وجهل في مواجهتها، فمتابعة المسؤولين عنها لا توحي إلا بذلك، والجهل لأنهم على ما يبدو لا يعرفون أهمية ملاحقة ووقف مثل هذه السرقات» مدافعاً عن دور الصحافة في توضيحها بقوله: «الصحافة لا تملك سوى إثارة القضية فقط، وليست لها أي صفة قانونية لوقفها أو مواجهتها قضائياً». من جانبها، حاولت «الحياة» الاتصال بمدير شركة روتانا سالم الهندي إلا أنه رفض الرد على كل الاتصالات ما اضطرها إلا إرسال رسالة نصية تفيد بموضوع الخبر الذي ترغب منه الإفادة بشأنه أو التعليق عليه لكنه لم يرد أيضاً وحين حاولنا الاتصال مرة أخرى قطع الاتصال.