للمرة الاولى يصدر عن قمة لبنانية - سورية بيان يشير الى مناقشة مفصّلة لاسباب ما "تعرّضت له الساحة اللبنانية في المرحلة الاخيرة"، وذلك في اشارة الى الخلاف بين الرؤساء الثلاثة الهراوي وبري والحريري على موضوع الزواج المدني، ويؤكد البيان انه "جرى الاتفاق الشامل على كل ما من شأنه تعزيز مسيرة السلم الاهلي ودعم صمود الشعب اللبناني". لقد تمّ الاتفاق في هذه القمة على موضوعين أساسيين: 1- وجوب اجراء انتخابات بلدية واختيارية في المواعيد المحددة لها لانها من الامور الحيوية للبنان. 2- وجوب التصدي بموقف موحد للعرض الاسرائىلي لتطبيق القرار 425 بشروط نظراً لاستهدافات هذا العرض ومخاطره على لبنان وسورية معاً. وتمّ تشكيل لجنة سورية - لبنانية لوضع خطة تحرّك مشترك لمواجهة التحرك الاسرائىلي. اما المواضيع الخلافية فقد تمّ الاتفاق على طيها في الوقت الحاضر او تجميد البحث فيها مثل موضوع الانتخابات الرئاسية. وتعديل المادة 49 من الدستور واي تعديل آخر، وانه فتى حان موعد الانتخابات، فالقيادة السورية سوف تتعاون مع السلطة اللبنانية على تجاوز تجاذبات الاستحقاق الرئاسي بما يخدم المصلحة العامة. والسؤال المطروح هو: لماذا اعتبر المشاركون في قمة اللاذقية ان الانتخابات البلدية والاختيارية هي حيوية وينبغي اجراؤها، وليست من المواضيع الخلافية التي ينبغي تجنبها في الظروف الدقيقة الراهنة لئلا تثير الحدة والانقسام على مستوى السلطة وعلى مستوى الشعب اكثر من اي انتخابات اخرى. الواقع ان القيادة السورية حثت على اجراء انتخابات بلدية واختيارية في لبنان قبل اشهر من انعقاد قمة اللاذقية ودعت الى تشكيل لوائح وفاقية او توافقية خصوصاً في المدن والقرى والبلدات المختلطة يراعى في تشكيلها التوازن الطائفي، وان لم ينص قانون انتخاب المجالس البلدية على ذلك، حرصاً على تحقيق الانصهار الوطني وديمومة العيش المشترك فيها وان يراعى ايضاً في تشكيلها الوفاق السياسي والوطني حيث أمكن ذلك، بحيث تضم اللوائح ممثلين عن مختلف الفئات السياسية والحزبية لتفادي حصول خلافات وانقسامات حادة في المدن والقرى والبلدات، لا سيما المختلطة منها، من شأنها ان تعرقل تنفيذ المشاريع الانمائية فيها، فيما المطلوب توافق بين مختلف الفئات تسهيلاً لتنفيذها بحيث تحقق من خلال الانتخابات البلدية ما لم يتحقق في الانتخابات النيابية لجهة الوفاق والانصهار الوطني. وقد انعكس هذا الموقف السوري على سلوك عدد من الزعماء السياسيين، فانفتح الوزير جنبلاط على القيادات المسيحية. وعقد لقاءات معها بهدف خلق اجواء توافقية ومناخات صافية للانتخابات البلدية تساعد على تشكيل لوائح وفاقية يراعى فيها التوازن الطائفي والتمثيل الشامل. وأجرى الرئيس الحريري اتصالات بالزعامات البيروتية من اجل الاتفاق على تشكيل لائحة ائتلافية في العاصمة لتفادي المواجهات والانقسامات، حتى انه قام بالمسعى نفسه بالنسبة الى صيدا. واتفق "حزب الله" وحركة "امل" على ان يظلا خارج التدخل في تأليف اللوائح الانتخابية وترك الحرية للناخبين في اختيار المجالس البلدية. واذا كان من تدخل تحقيقاً للتوافق، فان التدخل يكون ايجابياً. وعكس وزير الداخلية المهندس ميشال المر هذا التوجه بدعوة الجميع الى المشاركة في الانتخابات بروح ديموقراطية مؤكدا انها ستجرى 500 في المئة في المواعيد التي صار تحديدها دحضاً لاي تشكيك في احتمال عدم اجرائها والغى نسبة الواحد في المئة التي كان قد أشار اليها في تصريح سابق تحسباً لأي طارىء. وللمزيد من الجدية والحرص على توفير الحرية والنزاهة في الانتخابات البلدية بعيداً من اي تدخل وضغط، قرر دعوة نقابتي الصحافة والمحررين الى الاشراف على التحضيرات الجارية وعلى سير العملية الانتخابية والتحرك مع اللجنة المكلفة تلقي الاعتراضات والشكاوى، لتكون هناك رقابة خارجة عن سلطة الدولة، وللتأكد من ان الانتخابات جرت في جوّ من الحرية والديموقراطية والنزاهة. وتمنى الوزير المر ان تتمثل كل التيارات والفئات في المجالس البلدية حيث أمكن ذلك، واكد ان السلطة هي على الحياد وليس لديها مرشحون او لوائح... والسؤال الذي يبقى مطروحاً هو: لماذا الاصرار على اجراء انتخابات بلدية واختيارية مع ما قد يرافقها من خلافات حادة وانقسامات سياسية وحزبية وعائلية، رغم اقتراب موعد استحقاق آخر مهم هو الانتخابات الرئاسية الاولى ورغم احتمال حصول توترات سياسية وربما امنية مع اسرائيل نتيجة رفض شروط انسحابها من الجنوب ومن البقاع الغربي تنفيذاً للقرار 425. وليست سورية وحدها هي التي تدعو الى اجرائها، بل سفير الولاياتالمتحدة الاميركية في بيروت ريتشارد جونز الذي حضّ الشباب على المشاركة فيها "كي تكون لهم فرصة تغيير النظام في المستقبل" وذلك في كلمة القاها في جامعة سيدة اللويزة حول العلاقات اللبنانية - الاميركية. الاجوبة عن هذا السؤال تختلف باختلاف المصادر ومن هذه الاجوبة: 1- ان اهل السلطة لا سيما الرئىس الهراوي يفضلون اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية وهم في الحكم، من اجرائها وهم في خارجه لكي يستطيعوا الفوز باكبر عدد من المجالس البلدية، وللتأكيد من جهة اخرى ان نتائج الانتخابات البلدية لم تختلف في شيء عن نتائج الانتخابات النيابية وان غالبية الناخبين هي مع السلطة والموالين لها، وليست مع المعارضين وادعاءاتهم ان هذه الغالبية هي معهم. 2- ان اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية قبل نهاية عهد الرئيس الهراوي يعني ان لا تمديد مرة ثانية له، والا لكان صار تأجيلها بحيث تجرى خلال السنة الاولى من التمديد الثاني له، وتعويضاً عن ذلك، تقرر اجراؤها قبل نهاية ولايته لكي يضمن الفوز بالمجالس البلدية في منطقته لا سيما في بلدة زحلة حيث يشتد التنافس السياسي والحزبي بينه وبين زعامة آل سكاف التقليدية والتي انتقلت بالوراثة من المرحوم جوزف الى نجله ايلي وانه يخشى ان يخسر الفوز في انتخابات بلدية زحلة وفي غيرها في المنطقة، اذا ما جرت بعد انتهاء ولايته واصبح خارج السلطة. 3- اهتمام الدول الصديقة لا سيما الولاياتالمتحدة الاميركية وفرنسا باجراء انتخابات بلدية واختيارية لانها تعبر تعبيراً صحيحاً عن ممارسة الديموقراطية على وجه أفضل من الانتخابات النيابية التي يسهل تدخل السلطة فيها سواء في عملية الاقتراع او في تأليف اللوائح، في حين يكون هذا التدخل محدوداً في الانتخابات البلدية، فتعكس نتائجها حقيقة اتجاه غالبية الناخبين، هل هي مع السلطة والموالين لها، أم مع المعارضين. كذلك تمنى الرئيس الاميركي بيل كلينتون في رسالته الى الرئيس الهراوي في ذكرى الاستقلال اجراء انتخابات بلدية ورئاسية في لبنان هذا العام، وهذا التمني عكسه السفير الاميركي جونز بتوجيهه دعوة الى الشباب للمشاركة في الانتخابات البلدية والاختيارية لانها سوف تحصل وعليهم ان يتحضروا لها... اضافة الى التمني الفرنسي والوعد الذي قطعه اهل الحكم للرئيس شيراك باجراء هذه الانتخابات، ما يؤكد الرغبة الدولية في ذلك. 4- ان اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية يشكل بداية مرحلة جديدة في لبنان قد تقود الى التغيير انطلاقاً من القواعد الشعبية، وهذا التغيير الذي يبدأ من هذه القواعد في تطبيق اللامركزية قبل ان يوضع قانون لها، قد تنعكس على اوضاع السلطة التنفيذية والسلطة الاشتراعية وتكشف غربتهما عن الشعب اذا ما جاءت نتائج الانتخابات البلدية مخالفة لنتائج الانتخابات النيابية. 5 - حرص سورية على وحدة البجهة الداخلية في مواجهة الاخطار الاسرائىلية المحتملة، جعلها تدعو الى تأليف لوائح وفاقية او توافقية في الانتخابات البلدية يراعى في تأليفها التوازن الطائفي حفاظاً على العيش المشترك، وتمثيل كل الفئات تحقيقاً للوفاق الداخلي وكي لا يكون غالب ومغلوب داخل كل مدينة وقرية وبلدة، ولا تظهر بالتالي نتائج الانتخابات انتصار موالين على معارضين او انتصار معارضين على موالين لئلا يصير استغلال ذلك على كافة الصعد. وعوض ان تكون الانتخابات البلدية والاختيارية مصدر اتفاق ووفاق، فانها تكون مصدر خلاف وانشقاق، وهذا غير مقبول في الظروف الدقيقة الراهنة. والاهتمام بالتحضير للانتخابات البلدية والاختيارية من شأنه ان يسحب الملفات المثيرة للخلاف، ويتحول اهتمام كل مسؤول نحو الوضع الانتخابي الذي سينشأ في منطقة نفوذه وانصرافه كالآخرين الى عقد تحالفات انتخابية ليكفل نتائج تحفظ له موقعه وحصته في ضوء المتغيرات التي ينتظر ان تؤدي اليها نتائج الانتخابات والتي اذا حصلت في ظروف معقولة ونزيهة، تشكل تحدياً جدياً للسلطة نظراً الى تعاظم الخطر الذي يمثله انخراط المعارضة المتعددة الاتجاه في المعركة الانتخابية. وستفضي هذه الانتخابات التي تسبق الانتخابات الرئاسية باربعة اشهر، الى قيام مجالس محلية تمثل الى حد بعيد الواقع السياسي العام في البلاد والذي بات الجميع يقرون بانه يعاني انفصاماً خطيراً بين الاتجاهات الرسمية والشعبية، ومن شأن ذلك ان يصحح الى حد ما، هذا الوضع الشاذ وان يكون لها دور مؤثر في رسم الاتجاهات اللاحقة التي ستشكلها التطورات الداخلية.