هناك مسألتان تهددان بحرف عملية السلام في ايرلندا عن مسارها ان لم يتفق الفرقاء بشأنهما في اسرع وقت، وهما: نزع سلاح منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي IRA ومسيرات البروتستانت الاحتفالية في مناطق الكاثوليك في موسم الصيف المقبل. الا ان المواجهة الحقيقية التي سيخوضها الفرقاء في الأيام القليلة المقبلة هي معركة التحالفات السياسية الجديدة لخوض الانتخابات التشريعية في 25 حزيران يونيو المقبل. مصطفى كركوتي يتناول ذلك في هذا التقرير: أوساط سياسة شاركت في مفاوضات السلام الايرلندية في قلعة "ستورمونت" في بلفاست اكدت لنا ان فرقاء النزاع الايرلندي قرأوا "اتفاق الطائف" اللبناني للاسترشاد به قبل بدء المفاوضات. وقالت هذه الاوساط ان رئيس لجنة المفاوضات السناتور الاميركي السابق جورج ميتشيل اكتشف ان رؤساء الاحزاب الايرلندية كانوا قد اطلعوا على "اتفاق الطائف" عندما طلب منهم ان يفعلوا ذلك في احدى جلسات التفاوض الأولى. ولكن يبدو ان فرقاء النزاع الايرلندي، مثلهم في ذلك مثل فرقاء الحرب اللبنانية، يختلفون الآن حول تفسير اتفاق السلام الذي صوت عليه الايرلنديون بأغلبية كبرى يوم الجمعة في 22/5/1998. فقد قالت "نعم" نسبة 71.12 في المئة من المقترعين في ساحة الصراع الدامي في ايرلندا الشمالية اقليم الستر، من بينهم حوالى 54 في المئة من البروتستانت، وصوتت نسبة 94.40 في المئة من المقترعين في جمهورية ايرلندا لصالح اتفاق السلام. ومن المفيد ملاحظة ان نسبة المقترعين من بروتستانت الاقليم لصالح الاتفاق بلغت 54 في المئة، وهي نسبة عالية تعزز موقع زعيم حزب الستر الاتحادي البروتستانتي ديفيد تريمبل الذي نبذته الاحزاب البروتستانتية المتطرفة الاخرى لقراره الدخول في المفاوضات. وتزداد اهمية هذه النسبة اذا ما علمنا ان نسبة البروتستانت من سكان الستر 1.6 مليون نسمة تبلغ حوالى 56 في المئة وبقية السكان من الكاثوليك. ويذكر ان نسبة كاثوليك الاقليم الذين صوتوا في الاستفتاء لصالح الاتفاق بلغت 96 في المئة. ولكن بعد ساعات من الاعلان عن نتائج استفتاء السلام، بدأت مواجهة من نوع آخر يخوضها فرقاء النزاع الايرلندي من اجل لملمة الصفوف وصياغة التحالفات الجديدة لخوض معركة الانتخابات التشريعية في حزيران يونيو المقبل. فها هو ترمبل يفتح ملف نزع السلاح من ميليشيات الجيش الجمهوري، ويطالب زعيم حزب "شين فين" الايرلندي الكاثوليكي جيري آدامز بالالتزام بهذا المبدأ قبل السماح لممثلي "شين فين" دخول المجلس التشريعي المرتقب في الستر. وفي المقابل طرح آدامز ملف موسم المسيرات الاحتفالية التي ينظمها بروتستانت الاقليم سنوياً في ذكرى انتصارهم الدموي على كاثوليك ارلندا قبل اكثر من 200 عام. ولعل اخطر هذه المسيرات هي تلك التي ينظمها تيار ما يعرف هناك باسم "النظام البرتقالي" ORANGE ORDER لحمل عناصرها رايات الحملة البروتستانتية البرتقالية اللون، بعد خروجهم من كنائسهم في شهر تموز يوليو من كل عام وقبل اختراقهم مناطق الكاثوليك لتذكيرهم بأمجاد البروتستانت الغابرة. الأيام المقبلة ستشهد الكثير من التلاسن بين آدامز وتريمبل حول موضوع نزع السلاح الذي يعتبره "شين فين" موضوعاً منتهياً بعد التوقيع والتصويت على اتفاق السلام. ولكن تريمبل يجد في هذا الموضوع سلاحاً سياسياً يستطيع استخدامه للتعبئة بين صفوف البروتستانت قبل موعد الانتخابات التشريعية في المواجهة مع الاحزاب البروتستانتية المتطرفة التي قاطعت الاستفتاء بقيادة زعيم "حزب الستر الديموقراطي" القس ايان بايزلي. فعلى رغم تصويت الاغلبية لصالح الاتفاق، فان بايزلي لا يزال يبشر بأن "يد الله والروح القدس" تقف معه ومع البروتستانت المعارضين للسلام. وقال بايزلي في عطلة يوم الأحد الماضي ما يلي: "ابشروا يا قوم ضعوا ثقتك بالرب المنقذ، فاننا الفائزون. اقول لكم اننا سنرى يداً مقدسة تتدخل لتفتح لنا ابواب النصر" في الانتخابات المقبلة. وفي المقابل، هناك تطرف آخر على الجانب الكاثوليكي تمثله فصائل منشقة عن الجيش الجمهوري، مثل "الجيش الجمهوري المستمر" و"جيش التحرير الوطني الايرلندي". ووجود هذا الاستقطاب المتطرف سيدفع من الآن سياسيي احزاب الوسط البروتستانتية والكاثوليكية الى البحث عن نقاط مشتركة للتحالف في ما بينها والاتفاق على نقل الاصوات من مرشح الحزب البروتستانتي الى مرشح الحزب الكاثوليكي، او العكس، في الدوائر الانتخابية التي لا تتمتع فيها هذه الاحزاب بأغلبية واضحة. وهذا قد يفسّر قريباً التقارب بين البروتستانتي تريمبل وزعيم الحزب الديموقراطي الاجتماعي والعمال الايرلندي الكاثوليكي جون هيوم. فالحزبان معاً يمثلان الوسط في الطائفتين المتنازعتين، وتحالفهما التكتيكي هو ما سيحد من تقدم حزب "شين فين" بزعامة آدامز و"حزب الستر الديموقراطي" بزعامة بايزلي. وإذا سارت الأمور حسب المخطط السلمي، فانه من المتوقع ان يعين البروتستانتي تريمبل رئيساً لوزراء ايرلندا الشمالية، والكاثوليكي هيوم نائباً له.