شهدت بلفاست في الساعات ال 24 الاخيرة مفاوضات ماراثونية مع اقتراب منتصف ليل الخميس - الجمعة، موعد المهلة التي حددها الوسيط الاميركي جورج ميتشيل امام طرفي النزاع في ايرلندا الشمالية للتوصل الى اتفاق سلام. وعلى رغم ان الحكومتين البريطانية والايرلندية وضعتا ثقليهما لتذليل العقبات التي تعترض الاتفاق ظل العائق الرئيسي متمثلاً في رفض البروتستانت الموالين للحكم البريطاني في الاقليم تقديم تنازلات تنتقص من وضعهم كغالبية في ايرلندا الشمالية. وتجسد موقف البروتستانت في معارضتهم الشديدة لكل الصيغ المقترحة لتشكيل مجلسين تمثيليين احدهما محلي تشريعي يتقاسمون فيه السلطة مع الاقلية الكاثوليكية في الاقليم. اما المجلس الثاني المقترح فيضم شخصيات من شطري ايرلندا بهدف ايجاد تواصل بين الشمال والجمهورية الايرلندية جنوباً، في مقابل تخلي الاخيرة عن مطلبهماالدستوري اعادة ضم ايرلندا الشمالية. وقدم ميتشيل، وهو سناتور اميركي سابق كلفه البيت الابيض مهمة التوسط، مسودة اتفاق تتألف من 65 صفحة تتضمن اقتراحات لتنظيم عمل المجلسين وتحديد دور المجلس الايرلندي - الايرلندي الذي ينظر اليه البروتستانت على انه يفتح الباب لتدخل محتمل من قبل دبلن في شؤون الحكم في بلفاست. وتتبع المراقبون طوال نهار امس التصريحات المتضاربة التي راوحت بين تفاؤل حذر وتشاؤم بامكان التوصل الى اتفاق. وحرص رئيسا الوزراء البريطاني توني بلير والايرلندي بيرتي اهيرن على اشاعة اجواء التفاؤل فيما اشار الزعيم الايرلندي البروتستانتي ديفيد تريمبل الى وجود صعوبات هائلة. والقى الزعيم الكاثوليكي جيري ادامز وزملاؤه الكرة في ملعب البروتستانت معتبرين ان على هؤلاء "القبول بالجلوس معنا على طاولة المفاوضات من اجل ايجاد الحلول". وحذر بعض القادة البروتستانت من مغبة انهيار المحادثات فيما رفض البعض الآخر منهم اي اتفاق مع الكاثوليك حول تقاسم السلطة أو المشاركة في مجلس ليمثل شطري ايرلندا. وأعربت مصادر قريبة من المحادثات عن اعتقادها بأن المفاوضات قد تستمر بعد انتهاء مهلة منتصف الليل أو قد يتم تأجيلها الى ما بعد اعياد الفصح، عوضاً عن اعلان فشلها. لكن التأجيل يعرض الجهود التي بذلها الوسيط الاميركي على مدى الاشهر ال 21 الماضية ذلك ان هذا الوقت في السنة يشهد عادة توتراً يترافق مع موسم تظاهرات ومسيرات كاثوليكية يتم خلالها احياء ذكرى ضحايا الانتفاضات الايرلندية ضد الحكم البريطاني التي شهدها النصف الاول من هذا القرن. وشدد امس رئيس الوزراء البريطاني على ضرورة الابقاء على المهلة المحددة لابرام الاتفاق على رغم "المسائل الصعبة" التي كانت لا تزال عالقة. وقال ان "شعب ايرلندا الشمالية ينتظر". وأكد بلير لدى وصوله الى مكان المفاوضات في ستورمونت قرب بلفاست انه "جاء للتأكد من تصميم المشاركين ولتشجيعهم على انجاز عملهم". وأضاف: "ما زالت هناك مسائل تحتاج الى حل وعلينا ان نسعى لايجاد حلول لها، شعب ايرلندا ينتظر ويريد ان يتحقق ذلك". ووصل الى ستورمونت ايضاً رئيس الوزراء الايرلندي بيرتي اهيرن لاجراء جولة جديدة من المحادثات المكثفة مع الاحزاب. وقال رئيس الوزراء الايرلندي: "ما زالت امامنا بعض النقاط التي يتعين حلها لكن اذا كان الاخرون يتمتعون بالقدر ذاته من التصميم فإننا سننجز عملنا اليوم" امس. وكان تريمبل الذي يمثل ابرز الاحزاب البروتستانتية المشاركة في المفاوضات طلب ادخال "تعديلات جذرية في نقاط عدة" من اقتراحات التسوية. وقال الزعيم الجمهوري الايرلندي المعتدل جون هيوم ان "على رئيس الوزراء البريطاني ان يقنع الوحدويين الموالين لبريطانيا بالقبول بمجلس التعاون بين الشمال والجنوب" الذي يعطي دبلن حق التدخل في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في ايرلندا الشمالية. وقال ان القضية "يمكن اختصارها بذلك". اما وزيرة الدولة البريطانية لشؤون ايرلندا الشمالية مو مولام فأشارت الى تحقيق "تقدم على كل الجبهات"، معربة عن اعتقادها ان "الناس باتوا يعتبرون ان المهلة المحددة للتوصل الى اتفاق قابلة للتنفيذ". وقالت: "ينبغي عدم التقليل من أهمية تصميم الأحزاب على ايجاد حل". وأصر ترمبل الذي يواجه انتقادات من رفاق له أكثر تشدداً على الا تعطي دبلن أي صلاحيات تنفيذية في ايرلندا الشمالية والا تطبق اجراءات "تتيح لأشخاص من خارج المملكة المتحدة بالتحكم بالحياة في ايرلندا الشمالية وبتحديد وجوهها". ورد زعيم "شين فين" جيري ادامز على ذلك قائلاً: "نحن أيضاً علينا ان نضحي الكثير من اجل السلام. لقد ارجأنا اهدافنا الجمهورية الاتحاد مع ايرلندا لكن الأمر ليس سوى مرحلة في نضالنا".