على سبيل التذكير: بيل كلينتون يحبّ اسرائيل. التذكير ضروري لأن الخلاف بين الادارة الاميركية ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو قد يُنسي بعض العرب ان الرئيس كلينتون اكثر رؤساء اميركا تأييداً لاسرائيل في التاريخ. الاسبوع الماضي ذكّرتنا مجلة "جيروزاليم ريبورت" الاسرائيلية بحب كلينتون اسرائيل الى درجة العشق والوله والهيام، في موضوع غلاف عنوانه "صداقة كلينتون مع اليهود". الحاخام مناحيم غيناك، الذي جمع التبرعات لحملة كلينتون الانتخابية قال: "لو كان بيل كلينتون يهودياً لكان طالب توراة" هناك وجه شبه في هذا الكلام فات الحاخام، فكلينتون فرّ من الخدمة العسكرية، وطلاب التوراة في اسرائيل يرفضون الخدمة العسكرية، ويصرّون ان يموت غيرهم في سبيل خرافاتهم الدينية. سارة ايرلمان، مستشارة كلينتون في شؤون اليهود خلال حملتيه الانتخابيتين، زعمت ان كلينتون يحفظ العهد القديم من التوراة عن غيب، وكذلك العهد الجديد هذه مبالغة، فالعهد القديم طويل جداً، ولم نسمع ان احداً استطاع حفظه عن ظهر قلب. أما نيتي غروس، مراسلة المجلة الاسرائيلية، فأجرت معه مقابلة يهودية خالصة تغنى فيها بحبه للشعب اليهودي في كل زمان ومكان. وقصة واحدة من المقابلة تغني عن كل شرح، فهو قال للمراسلة انه زار اسرائيل مع زوجته وكاهن رعيته قبل انتخابه رئيساً في حجه الى الاراضي المقدسة، ووقع في غرام اسرائيل. وعندما مرض الكاهن بعد ذلك وأشرف على الموت أوصى كلينتون قائلاً: اذا تخليت عن اسرائيل فإن الله لن يغفر لك. الله غفور رحيم، ورحمته واسعة بما يكفي ليغفر ذنوب كلينتون الاخرى، من المخالفات المالية الى الجنس. لكن نبقى مع اسرائيل، فمشكلة الرئيس كلينتون في حبها انه حب من طرف واحد، لأن بنيامين نتانياهو لا يسمح له بالتعبير عن هذا الحب كما يريد. نتانياهو حوى من التطرف والعنصرية الى حدّ النجاسة ما حرم الرئيس كلينتون فرصة مطارحة اسرائيل الغرام، كما فعل بكل غانية وسكرتيرة عبرت طريقه. وعندما كان نتانياهو في الولاياتالمتحدة في مناسبة احتفال اسرائيل بالذكرى الخمسين لتأسيسها، قضى وقته في إثارة مجلسي الكونغرس على الرئيس، وفي حشد تأييد اليهود الاميركيين من اصحاب الولاء المزدوج لاسرائيل، وضد مصالح بلدهم. ورأينا بعد ذلك زعيم الغالبية في مجلس النواب الاميركي نيوت غينغريتش ومعه زعيم الاقلية ريتشارد غيبهارت، يؤيدان في القدس نتانياهو ضد رئيس بلدهما في انتهازية سياسية تهبط الى درك الخيانة العظمى في أي بلد غير الولاياتالمتحدة. ومع وجود هذا الحجم من التأييد فإن نتانياهو استطاع خلال زيارته واشنطن ان يسمع باضطرابات هي الأسوأ منذ سنتين في الاراضي المحتلة فيقول انها "تكتيك ضغط". ويضيف: "ان من السهل شحن مشاعر الكره وإثارة العنف". وهذا ما يفعل نتانياهو بالضبط، وما يجعله يرى اضطرابات يُقتل فيها ثمانية مدنيين، بينهم طفلان، فيدين الضحية، ويتحدث بصفاقة لا يقدر عليها إلاّ من كان مثله، عن الضغط والكره والارهاب، ويسقط في يدي الرئيس الاميركي الذي يزيد من احباطه ان العتب، في حاله، على قدر المحبة. على كل حال، كلينتون ليس اول رئيس اميركي يختلف مع اسرائيل، ولن يكون الاخير. موقف دوايت ايزنهاور من اسرائيل خلال العدوان الثلاثي معروف. ووزير خارجيته جون فوستر دالاس قال في السنة التالية انه يحاول انتهاج سياسة خارجية مستقلة، بغضّ النظر عن العواطف لاسرائيل. وجاء ريتشارد نيكسون فقال لزميل لي بعد سقوطه "… اليهود. لقد طعنوني في ظهري". وقال جيمي كارتر بعد ان أغضب اليهود الاميركيين بسبب كامب ديفيد: "اذا أُعيد انتخابي رئيساً فسأ... اليهود". ولم ينتخب كارتر لولاية ثانية فجاء بعده رونالد ريغان، أفضل صديق لاسرائيل في البيت الابيض قبل كلينتون، وهو اختلف معها ومع اليهود الاميركيين بسرعة بسبب صفقة الطائرات للمملكة العربية السعودية. وفترت همّته… تجاه اسرائيل وغيرها. وينسب الى جيمس بيكر، وزير خارجية جورج بوش، قوله "… اليهود. انهم لا ينتخبوننا على أي حال". وكما يلاحظ القارئ فقد استعضت بنقط في مكان شتيمة مقذعة في السطور السابقة. وهي شتيمة يرددها اليهود الاميركيون انفسهم كدليل على اللاسامية ضدهم. ولا يعقل ان يكون كل الناس لاساميين وانما المنطق هو ان غطرسة القوة الاسرائيلية، كما يمثلها بنيامين نتانياهو تغذي مشاعر الكره عند الناس العاديين، والسياسيين، وتترك كثيرين من العرب يلاحظون ان اسرائيل تمارس اليوم ما مارس النازيون بحق يهود اوروبا، وثمة نقطة سيكولوجية معروفة عن تحوّل الضحية الى جلاد اذا واتته فرصة. ولكن يبقى ان نقول ان نتانياهو لا يمثّل كل يهود العالم، بل لا يمثّل اسرائيل كلها. وهناك يهود في اميركا واسرائيل يريدون سلاماً عادلاً مع العرب، فلعلهم يوقفون نتانياهو والمتطرفين أمثاله عند حدّهم، قبل ان يقودوا المنطقة الى حرب جديدة، يُقتل فيها الابرياء من الطرفين.