ما كدت أعود من دمشق حيث اشتركت في ندوة للبنك الدولي بصفتي مستشاراً، حتى وجدت أمامي موضوعاً أبعد من المستشارية الاقتصادية عن اختصاصاتي هو المعلوماتية، فدمشق ستستضيف قرب نهاية السنة مؤتمر الشام الدولي الثاني، وموضوعه "التحديات المستقبلية لتكنولوجيا المعلومات في الدول النامية" بحضور خبراء دوليين من أميركا وأوروبا. شخصياً واجهت كل تحد بالاستسلام، وأنا بالتالي أبعد ما أكون عن الاقتصاد والمعلوماتية، وعن السياسة السورية نفسها بما عرف عنها من عناد ونفس طويل. وتذكرت هذا النفس الطويل وأنا أجلس مع الدكتور بشّار الأسد جلسة استغرقت أكثر من ثلاث ساعات، ففيه من أبيه الرئيس حافظ الأسد تلك القدرة العجيبة على الكلام ساعة والاستماع ساعتين، ثم العودة الى المتكلم برد واضح على النقاط المثارة واحدة واحدة. ولم أذهب الى دمشق لأسمع نفسي أتكلم وانما لأسمع المسؤولين فيها. وهكذا فقد استمعت الى نائب الرئيس السيد عبدالحليم خدام، ووزير الدفاع العماد الأول مصطفى طلاس، ووزير الخارجية السيد فاروق الشرع، ووزير الإعلام الدكتور محمد سلمان، والناطق الرئاسي السيد جبران كورية، والدكتور بهجت سليمان، والسفير الايراني الشيخ حسن أختري، وغيرهم. وكانت جلستي الأخيرة مع الدكتور بشّار الاسد مسك الختام، عشية عودتي الى لندن. وأبدأ بالتكنولوجيا من جلستي مع الدكتور بشّار لا لأنها الأهم، بل لأنها الأقرب الى قلبه، ثم أكمل بما اعتبر شخصياً أنه أهم. الدكتور بشّار يرأس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، وهو يسعى الى ادخال الانترنت تدريجياً الى البلاد، وبلّغني أنه بعد وزارات معينة ومؤسسات في الدولة، ربطت الجامعات وبعض المستشفيات بشبكة الانترنت، وسيتم التوسع في الاستعمال تدريجياً، مع اقامة خدمة موازية للبريد الالكتروني داخل البلاد. وهو يشرف عبر "الجمعية المعلوماتية" على "البرنامج الوطني لنشر المعلوماتية" الذي يعمل لنشر مراكز تعميم هذه التكنولوجيا بشكل مجاني في المحافظات السورية كافة، خصوصاً تشجيع الطلاب على الاقبال على تعلّم ذلك، لأن منهم ستأتي الكوادر التي تبنى البرامج عليها ولها. وربما اعتقد الدكتور بشّار الاسد ان هذا أهم جزء من نشاطه الوطني الآن، وهو مهم ولا جدال، إلا أنني وجدت نفسي مهتماً أكثر بنشاطه في محاربة الفساد مع تحديث مؤسسات الدولة، وفكره السياسي. قال الدكتور بشّار الأسد أنه أعطي هالة لا يستحقها، والناس تتوقع منه تحقيق أشياء كثيرة، لذلك يجد نفسه أمام معادلة صعبة، فهو من ناحية لا يريد أن يحبط الناس أو يخيب آمالهم، وهو من ناحية أخرى لا يريد أن يرفع توقعاتهم الى درجة غير عملية أو غير ممكنة. وإذا كان الدكتور بشّار الأسد يواجه "امتحاناً" الآن، فهو اختار لنفسه أن تكون الأسئلة صعبة، وبما يناسب قدرته وطموحات الشباب فيه. وهو يرى أن وضعه العائلي يستطيع ان يوصله الى نقطة معينة، إلا أنه بعد ذلك عليه أن يعتمد على نفسه إذا كان يريد تحقيق المزيد. لذلك فهو يعمل ويتعلّم، وإذا كانت محاربة الفساد وادخال المعلوماتية عملاً، فإن اجتماعاته مع السياسيين اللبنانيين تعليم ضروري للنفس يجب أن يسبق أي عمل. والمعروف في سورية وخارجها ان الدكتور بشّار الأسد طبيب عيون، وما هو أقل ذيوعاً في الخارج هو أن بشّاراً عسكري قبل كلية الطب وبعدها. وفي المقابل فأنا مدني مئة في المئة، ومع ذلك وجدتني أفكر وأنا اسمع حديثه عن الجبهات العديدة التي يحارب عليها، ان العسكر يفضلون ان يخوضوا معركة واحدة في المرة الواحدة. غير أن الدكتور بشّار الأسد لا يحارب وحيداً، فله تأييد قوي عمودياً، وتأييد واسع أفقياً، وقد جمع حوله شباباً مثله، يدركون ان المشاكل كثيرة، إلا أنهم، بعزم الشباب وحكمة الكهول، في سورية وفي أي بلد عربي، واثقون من وجود حل لكل مشكلة، ومن يعش يرَ.