بعد التعادل التاريخي من دون اهداف بين منتخبي انكلترا والسعودية على ارض ويمبلي، استعداداً للمونديال الفرنسي، راح كل معسكر يغني على ليلاه. الليل السعودي "الأخضر" كان حلواً بالطبع، وأحلى من هجمات سامي الجابر العنترية وردّات محمد الدعيع الفدائية، والليل الانكليري كان قصيراً جداً خلافاً لما كان متوقعاً لان انصار المنتخب "الأبيض" توجهوا الى غرف نومهم باكراً ونهضوا صباح الاحد كأنهم عاشوا كابوساً. ولا يماثل الحذر السعودي في بداية المباراة، شدة، الا تصريحات المسؤولين واللاعبين قبل المباراة. كان هناك خوف طبعاً، وهذا ما شعر به الكثيرون ممن وطأت أقدامهم أرض ويمبلي على مدى عقود عدة من الزمن، للملعب الاشهر في المعمورة حرمته، ثم ان المنتخب الانكليزي كان دائماً اسداً على ارضه اين منه الاسد المرسوم على قمصان اللاعبين. والوعد الوحيد من الاطراف السعودية هو بذل كل الجهد للخروج بنتيجة تشرف الكرة السعودية والعربية. تزييت! وهناك مباريات كثيرة يصفها المدربون والمشجعون وكأنها لمجرد تزييت مفاصل لاعبيهم لا اكثر ولا اقل بانتظار المباريات "الثقيلة". والحقيقة ان السؤال عند معظم الانكليز قبل المباراة كان منصباً على: "كم هو عدد الاهداف التي سنسجلها"؟ والحقيقة ايضاً ان السعودي اقلق راحة الانكليزي اكثر من مرة حتى كاد السؤال ينقلب رأساً على عقب. وقطع محمد الخليوي وعبدالله سليمان الماء والهواء عن الن شيرر، المرشح لان يكون احد هدافي المونديال لانه هداف بطولة اوروبا 1996، وعن تيدي شيرينغهام، ولولا ذلك لما اخرجهما مدربهما غلين هودل من الشوط الثاني، وشارك الظهيران محمد شلية وحسين عبدالغني في شن الهجمات من الجانبين وإن شكلت المرتدات الانكليزية بعض الخطورة في اواخر الشوط الثاني مكن جهة شلية تحديداً. اما الحارس الدعيع فإنه استحق لقب افضل حارس في آسيا 1997، حيث صد اكثر من كرة خطيرة لشيرر وإيان رايت. ومجرد وجوده بين الخشبات الثلاث للمرمى حتى لو كانت معدنية في عدد من الملاعب ينزل برداً وسلاماً على رباعي خط الظهير وعلى لاعب الوسط المتأخر خميس العويران. والمركز الذي يشغله الاخير يجعل منه جندياً مجهولاً دائما وابداً. شلية: تطورنا طبيعي ونوّّه هودل بعد المباراة بالدفاع السعودي القوي، وعن هذا الموضوع قال الظهير الايمن محمد شلية ل "الحياة" : "انها اشادة لافتة نعتز بها من مدرب عالمي، وقد يكون السبب في قوة هذا الخط ان افراده يلعبون جنباً الى جنب منذ سنوات عدة في المنتخب الاولمبي في المنتخب الاول". واضاف شلية "لن تقع الكرة السعودية في الفراغ بالتأكيد واذا ما اعتزل لاعب سدّ لاعب آخر الفراغ الذي خلّفه، فعملية التفريخ مستمرة والامكانات المتاحة للاندية مثالية وكذلك المتابعة من المسؤولين. هذا كله رفع من مستوى بطولة كأس خادم الحرمين الشريفين عندنا، وعندما يرتفع مستوى الدوري في اي دولة يرتفع مستوى منتخبها". اما عن مونديال فرنسا فقال: "نأمل في تشريف الكرتين العربية والسعودية". فؤاد انور... والهالة ويرتبط عطاء اي منتخب عموماً خلال المباراة الواحدة بعطاء خط وسطه لانه المحور، وقائد هذا الخط سعودياً هو قائده فؤاد انور الذي احسن ربط الدفاع بالهجوم وهندسة التحركات ككل، والى جانبه لعب خالد مسعد وهو اشهر "اعسر" عربي ومهاراته مضرب الامثال وكذلك سعيد العويران صاحب القدم الطرشاء. ولم يصل سعيد بعد الى كامل لياقته البدنية، وفي حال تم له ذلك فسيكون له شأن آخر. ولن ينسى احد الكرة الصاروخية التي اطلقها على مرمى الحارس ديفيد سيمان في الشوط الاول. وعموماً فان الاداء السعودي هبط قليلاً في اواخر الشوط الثاني لأن اللياقة البدنية غير مكتملة والامر منطقي جداً لان هذا اللياقة يفترض الا تكتمل الا مع بداية كأس العالم. وقال فؤاد انور ل "الحياة": "احيطت المباراة بهالة اعلامية غير عادية من قبل الانكليز، اما نحن فخضناه كأي مباراة اخرى لاننا قادرون على التعامل معها بفضل الخبرة والاستعداد. لقد سجلت هدفين في مونديال 94 واتمنى ان اسجل وان يسجل زملائي في المونديال المقبل". واضاف "كانت مباراتنا الاولى في ويمبلي فانفتحت شهيتنا وقد اثبتنا بالتأكيد اننا منتخب غير سهل. لا اهتمام لدي الا بالفوز في المونديال وكل فوز سيكون مفاجأة حلوة، سنثبت اننا قادرون على تحقيق نتائج جيدة كما في العام 1994 واكثر". الجابر... البصمة واضحة وخردق سامي الجابر الدفاع الانكليزي حتى شبع ولم ينس ان "يمرمغ" الارض بقائد الارسنال وقلب داع المنتخب طوني ادامس، ولو استغل العويران وابراهيم السويّد الكرتين اللتين صنعهما في الشوط الثاني لخرج "الاخضر" فائزاً. وقال الجابر لل "الحياة": "بصمة كارلوس البرتو علينا تتمثل بنتيجة المباراة، نحن متعاونون معه ونتشرب خططه ونتكيف معها. منتخب 98 افضل من منتخب 94 في المستوى لان الوجوه الشابة فيه قوية والوجوه المخضرمة اختيرت بعناية، ثم ان الخبرة باتت اوسع. وبفضل جميع هذه المعطيات نطمح الى تسجيل نتائج اعلى في المونديال المقبل مع ان مجموعتنا صعبة جداً ومباراتنا ضد الدنمارك ستكون منعطفاً. انا متفائل جدا ًويشاركني معظم زملائي في هذا التفاؤل". وأضاف "اعتقد اننا احرجنا المنتخب الانكليزي كثيراً حتى في الدقائق الاخيرة واهدرنا فرصة الفوز في الوقت بدل الضائع". امتعاض انكليزي وبدت الابتسامة واضحة على جميع الوجوه السعودية في حفل عشاء اقيم بعد المباراة في حضور عدد من المسؤولين امثال وزير الرياضة طوني بانكس واللاعب الدولي السابق السير بوبي تشارلتون ورئيس الاتحاد السعودي لالعاب القوى عضو الاتحاد السعودي لكرة القدم الامير نواف بن محمد. لكن ضحكة نائب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم الامير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز كانت "العرض". وفي الجهة المقابلة ابدت الصحف الانكليزية امتعاضها من العرض الذي قدمه منتخبها وهي التي كانت تأمل باكثر من هدف في شباك الدعيع، وبدت غير مطمئنة على منتخبها ولم تنوه بأي من لاعبيه. تحت عنوان "هودل يواجه مخاوف عربية" كتبت صحيفة "ذي اوبزرفر": "اذا كان هناك فريق مصاب بالاحباط فهو منتخب انكلترا الذي خرج مرتبكاً في آخر عرض له على ملعب ويمبلي قبل كأس العالم... من الخطورة المبالغة في تقييم المباريات التجريبية لكن يبدو ان المشكلات التي يواجهها هودل اكبر بكثير وهذا ما اتضح امام منتخب سعودي حسن التنظيم". وكتبت صحيفة "صنداي تلغراف" تحت عنوان "انتهت بصيحات ساخرة والسعودية تفسد حلفلة الوداع لمنتخب انكلترا": "ودع منتخب انكلترا ملعب ويمبلي أداء لم ينعش الامال بامكانية تألقه في مونديال فرنسا الشهر المقبل، والتعادل مع منتخب مغمور ! جعل اي تفكير بامكان الفوز فعلاً بكأس العالم يبدو محض خيال الى أبعد حدّ". وابدت صحيفة "إندبندنت أون صنداي" مخاوفها من عدم فاعلية هجومها وقالت: "المهم في كرة القدم ليس كيف تبدأ الهجمة وانما كيف تنهي الهجوم ومن واجب هودل ان يتنبه لذلك قبل المباراة الاولى امام تونس". وقالت صحيفة "صنداي تايمز": "خلقنا الفرص لكن لم نقتنصها، كانوا منتخب السعودية فريقاً قوياً يصعب سحقه، ولو نجحنا في التسجيل مبكراً لاختلفت الحكاية. لكن المقلق اكثر هو عدد الفرص التي سنحت للسعودية فيما جاهدت انكلترا لتحقق تماسك في خط دفاعها". وكتبت صحيفة "ذي اكسبرس إون صنداي": "رغم ادعاء هودل بان السعوديين لم يخلقوا فرصاً كثيرة فان مراجعة سريعة لشريط اللعبة يبيّن ان اللاعب المجرب سعيد العويران اضاع فرصتين معقولتين في الشوط الاول، واوشك السعوديون على تحقيق الفوز في الدقيقة الاخيرة عندما مرر الجابر كرة ممتازة اضاعها ابراهيم السويّد".