حمّل رئيس وزراء كندا جان كريتيان على قمة برمينغهام لفشلها في اتخاذ موقف موحد يعاقب الهند على التفجيرات الذرية الأخيرة ويعطي باكستان حافزاً للإحجام على المشاركة في تصعيد سباق التسلح النووي في المنطقة لكنه تعرض لحملة انتقادات واسعة بسبب "الدور السري" الذي لعبته كندا في برنامج التسلح النووي للبلدين وتغاضيها عن ترسانات الدول الصناعية. وكان كريتيان قال في مؤتمر صحافي عقده بعد اختتام اجتماعات مجموعة الثمانية "ان زعماء الدول الصناعية المشاركة خذلوا العالم حين امتنعوا عن فرض عقوبات اقتصادية على الهند اسوة بما فعلته الولاياتالمتحدة واليابان وكندا" واعتبر العقوبات الجماعية حافزاً يشجع باكستان على عدم مجاراة الهند في خطوة يمكن أن تشعل حرباً باردة في آسيا. لكن إحدى المنظمات الكندية قالت ان دعوة كريتيان لفرض العقوبات تتجاهل الدور الذي لعبته اوتاوا في بناء القدرات النووية الهندية، وذكرت أن المساعدات الفنية وتقنيات تصميم المفاعلات الذرية التي قدمتها كندا الى الهند شكلت الأساس الذي بنت عليه نيودلهي صناعتها النووية ومكنتها من تطوير قدراتها الذاتية على انتاج المكونات اللازمة لصناعة القنبلة الذرية. وذكرت اليزابيث مي رئيسة الجناح الكندي لمنظمة "سييرا كلوب" المناهضة للتسلح النووي أن الهند انتجت مخزونها من غاز التريتيوم اللازم لتفجير القنابل الهيدروجينية باستخدام مفاعلات ذرية تجارية من تصميم كندي، وفجرت قنبلتها التجريبية الأولى منتصف السبعينات باستخدام البلوتونيوم الذي أنتجته بواسطة مفاعل أبحاث حصلت عليه من كندا هدية. وشارك في حملة الانتقادات غوردن ايدواردز رئيس التحالف الكندي ضد التسلح النووي قائلاً "ان الهند لم تنتج قنبلتها منعزلة"، وأضاف في حوار مع "الحياة" في مونتريال أول من أمس "ان كندا تمارس نوعا من النفاق حين تطالب الهند بالامتناع عن اجراء التجارب النووية وتحجم في الوقت نفسه عن مطالبة كل الدول النووية بالتخلص من ترساناتها". وكان غوردن كشف جوانب مهمة من الملف النووي الهندي في دراسة ناقدة تستعرض مبيعات المفاعلات الذرية الكندية المستخدمة في توليد الكهرباء الى عدد من الدول من بينها رومانيا وتايوان والارجنتين وكوريا الجنوبية وتركيا الى جانب باكستانوالهند التي حصلت على أول مفاعل أقامته كندا خارج حدودها. وتعود الصفقة الى عام 1956 وتدخل في اطار برنامج كندي سمح للهند بالحصول على مفاعل ذري مخصص للأبحاث، وشمل اتفاقها بعض التسهيلات اذ بلغت كلفة انشاء المفاعل آنذاك نحو 17 مليون دولار كندي ما يعادل نحو 90 مليون دولار أميركي بالأسعار الجارية لكن الحكومة الكندية قدمت نسبة 56 في المئة من المبلغ على شكل مساعدات. وتم بناء المفاعل الذي أطلق عليه اسم "سايروس" وفق التصاميم الهندسية لمفاعل تجريبي أنشأته وكالة الطاقة الكندية عام 1947 وتميز عن المفاعلات الغربية عموماً باستخدام "الماء الثقيل" الذي يعتبر أحد أفضل الوسائط الفعالة لانتاج البلوتونيوم المستخدم في صناعة القنبلة الذرية، علاوة على انتاج غاز التريتيوم بفضل تقنيات طورها علماء الهند في وقت لاحق. وجاءت الخطوة التالية في مسار التعاون الكندي - الهندي بعد ثلاثة أعوام من تشغيل مفاعل "سايروس" عام 1960 اذ عقدت وكالة الطاقة الكندية اتفاقاً لبيع الهند مفاعل متطور بطاقة 200 ميغاواط ما يعادل خمسة أضعاف سابقه وبلغت كلفة بناء المفاعل الجديد بالأسعار الجارية نحو 350 مليون دولار وأدخل الخدمة الفعلية عام 1972. وطبقاً ل غوردن منح الاتفاق الأخير الهند المعطيات التصميمية والتقنية اللازمة لبناء مفاعل بطاقة 200 ميغاواط من دون مقابل. وشمل في الوقت نفسه تسهيلات ائتمانية تغطي نسبة 45 في المئة من القيمة الاجمالية للصفقة بحيث يتم سدادها على مدى 15 سنة بفترة سماح تصل الى ست سنوات وفائدة 6 في المئة. وفي عام 1966 توصل البلدان الى اتفاق مماثل لبناء مفاعل ثان بطاقة 200 ميغاواط، وارتفع حجم التمويلات الكندية لكلا المفاعلين الى زهاء 500 مليون دولار، لكن نسبة مساهمة وزارة الطاقة الذرية الهندية في عمليات الانشاء والتشغيل ارتفعت في المقابل الى 75 في المئة مقارنة بنسبة 55 في المئة في المفاعل السابق علاوة على تصنيع كميات صغيرة من الوقود الذري. وذكر غوردن ان الولاياتالمتحدة قدمت من جانبها مساهمات مهمة في المراحل الأولى مثل توريد الماء الثقيل لمفاعل "سايروس" وتدريب أطقم الفنيين الهنود على تقنيات معالجة اليورانيوم وقيام شركة "جنرال اليكتريك" ببناء مفاعلين بطاقة 160 ميغاواط وتقنية "الماء المغلي" تم ادخالهما الخدمة عام 1969. وأشار الى أن التعاون الكندي - الهندي تعرض لامتحان صعب حين أجرت نيودلهي تجربتها النووية الأولى في صحراء راجستان في 18 أيار مايو عام 1974 اذ استنتجت كندا ان الهند استخدمت البلوتونيوم الناتج عن معالجة وقود اليورانيوم في مفاعل "سايروس" لصنع قنبلة بقوة 12 كيلوطن، ما اعتبرته اوتاوا خرقاً لبنود الاتفاق القائم بين البلدين. ونقلت كندا احتجاجها الى الحكومة الهندية ورئيستها آنذاك السيدة انديرا غاندي إلا أن نيودلهي رأت أن عملية التفجير عمل مشروع يدخل في اطار "استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية" ولا يشكل بالتالي خرقاً لاتفاقها مع اوتاوا التي قررت على رغم ذلك وقف مساعداتها للهند وسحب أطقم العمل الكندية التي كانت تشارك في بناء المفاعل الأخير ما أدى الى تأخير تشغيله حتى 1981. لكن غوردن يعتقد أن الخطوة الكندية جاءت "فارغة" اذ لم تعد الهند حينئذ بحاجة الى مساعدات خارجية بل أقامت ستة مفاعلات جديدة وفق التصاميم والتقنيات الكندية المعتمدة على استخدام الماء الثقيل، وادخلتها الخدمة تباعاً في الفترة بين 1984 و1993، كما تخطط لتشغيل أربعة مفاعلات اضافية في السنة المالية المقبلة. وقال غوردون: "بغض النظر عما إذا كانت الهند استمرت في استخدام مفاعل "سايروس" لانتاج البلوتونيوم فالمؤكد أنه توافرت لديها خلال العقدين الماضيين مصادر أخرى لانتاج ما يكفي لصناعة مئات القنابل، اذ أن كل مفاعل من المفاعلات المبنية وفق التصميم الكندي قادر على انتاج بين 50 و60 كيلوغراماً من البلوتونيوم المخصب سنوياً في حين يحتاج المرء بين 5 و8 كلغ لصناعة قنبلة بسيطة". والى جانب امتلاك القدرة على صناعة القنبلة الذرية يؤكد الخبراء أن الهند حققت اختراقاً مهماً باتجاه صناعة القنابل النووية الحرارية مثل القنابل الهيدروجينية حين تمكن علماء الذرة الهنود من تطوير تقنيات اقتصادية لاستخلاص التريتيوم من الماء الثقيل المستخدم في المفاعلات الكندية. ويذكر أن احدى القنابل التي فجرتها الهند الاسبوع الماضي كانت من النوع النووي الحراري. وبالمقارنة تنحصر مبيعات المفاعلات الذرية الكندية الى باكستان في مفاعل واحد بطاقة 137 ميغاواطاً وذلك بموجب اتفاق عقد بين الحكومة الباكستانية والفرع الكندي لشركة "جنرال اليكتريك" الأميركية عام 1964، وتم اقامة المفاعل في منطقة ساحلية تقع على مسافة 30 كلم الى الغرب من كراتشي وبدأ تشغيله عام 1971. وبلغت كلفة اقامة المفاعل نحو 180 مليون دولار وساهمت الحكومة الكندية في تمويل نحو 80 في المئة من قيمة العقد مناصفة بشكل مساعدات خارجية بفائدة رمزية وفترة سماح تصل الى 10 سنوات، وتسهيلات ائتمانية بفائدة 6 في المئة وفترة سماح مدتها خمس سنوات وراوحت فترة السداد بين 40 سنة للمساعدات و15 سنة للتسهيلات الائتمانية. وذكر غوردن ان غالبية المراقبين تعتقد أن باكستان تملك القدرة على صناعة القنبلة الذرية منذ عام 1976 على رغم احجامها عن اجراء تجارب في هذا المجال. وأشار الى أن الحكومة الكندية سعت الى اقناع المسؤولين الباكستانيين بقبول ضوابط مشددة بأثر رجعي لكن اسلام آباد اعتبرت ذلك مجحفاً في حقها ما دعا اوتاوا الى ايقاف التعاون بين البلدين في المجال النووي منذ 1977 .