مرة أخرى دخلت الجامعة الاميركية في القاهرة قفص الاتهام، ودخلته هذه المرة ليس بسبب تنظيم شبابي يرقص على موسيقى ال"هارد ميتال"، ولا بسبب فتيات يلبسن البنطلونات الجينز الضيقة، ولكن بسبب عمود صحافي للكاتب صلاح منتصر اضطرّ وزير التعليم العالي الدكتور مفيد شهاب لإلقاء بيان أمام مجلس الشعب البرلمان. إذ عبّر منتصر في زاويته الاسبوعية في "الاهرام"، تحت عنوان "كتاب يجب وقفه"، عن استيائه الشديد من استاذ في الجامعة "يصرّ على ان يضيف الى المقرر كتاباً جديداً هو كتاب "محمد" للكاتب الفرنسي مكسيم رودنسون. وأوضح: "... على رغم ان الطلاب الذين افزعهم ما قرأوه في الكتاب حاولوا الاحتجاج، الا ان ادارة الجامعة بكل أسف لم تتخذ اي اجراء". واستشهد منتصر بفقرات مترجمة الى العربية من النسخة الانكليزية المترجمة عن النسخة الفرنسية. وما لبثت الجامعة الاميركية ان التقى الوزير شهاب وقدم له اعتذاراً رسمياً، كما ابلغه ان الجامعة سحبت الكتاب من برامجها. وكان الوزير اضطر الى الاجابة عن تساؤلات اعضاء، خلال جلسة للجنة التعليم في مجلس الشعب، ومما قال ان هذا الكتاب المسيء الى الرسول الكريم مطروح في المكتبات منذ زمن، وانه ليس من صلاحيات وزارته ان تمنع تداوله إذ يحتاج ذلك قراراً من مجلس الوزراء. "الحياة" استطلعت ادارة الجامعة الاميركية عن حقيقة ما جرى، وتبين ان الكتاب المذكور لم يكن يوماً ضمن "المناهج المفروضة" في الجامعة، لكن استاذ مادة تاريخ المجتمع العربي - وهي مقررة لجميع طلاب الجامعة وتدرس في فصول عدة على ايدي اساتذة عديدين في الموسم الدراسي الواحد - طلب من طلابه إعداد بحث نقدي عن هذا الكتاب. ومعروف ان أسلوب التدريس في الجامعة الاميركية لا يقتصر على الكتب المقررة في كل مادة - وهي تخضع لإشراف حكومي مصري - لكن للاستاذ حرية اختيار كتب خارجية يقرأها الطلاب بغرض اعداد ابحاث او المناقشة في الفصل او غير ذلك. ومن جهة اخرى، فإن الكتب المعروضة للبيع او المطروحة في المكتبات للاطلاع خضعت لشكل من اشكال الموافقة الحكومية، المطبوع منها في الداخل او في الخارج. اما تفاصيل ما حدث - كما يشرح مصدر مسؤول في الجامعة - فهو ان فرداً واحداً تقدم بشكوى الى ادارة الجامعة مما ورد في الكتاب قبل اقل من اسبوع من نشر عمود "كتاب يجب وقفه". واوضح المسؤول ان الشكوى قدمت يوم خميس، وتلا ذلك يوما الجمعة والسبت، وهما العطلة الاسبوعية، مع العلم ان مثل هذه الشكاوى تستغرق وقتاً لانجاز الاجراءات. وتقول استاذة في الجامعة الاميركية ل"الحياة": "اعبر عن كل اساتذة الجامعة حين اقول اننا مستاؤون مما حدث". وهي تقصد مصادرة الكتاب، وليس طرحه على الطلاب. وتشرح وجهة نظرها كالآتي: "حين نطلب من الطلاب ان يقرأوا كتاباً معيناً، لا يكون ذلك لأن ما ينص عليه حسناً او سيئاً، لكن ليعرف الطالب الآراء المختلفة للباحثين". وتضيف: "نحن لا ندرس الكتب باعتبارها الحقيقة الوحيدة، لكنها نوع من الروايات التاريخية". وعلمت "الحياة" من اوساط الطلاب ان طالبة واحدة فقط استاءت من الكتاب، وانها هي التي فجرت الازمة. اما بقية الطلاب في هذا الفصل فيحترمون استاذهم ورأيه: "انه لا يفرض علينا رؤية تاريخية بعينها". أما ادارة الجامعة ففرضت سرية كاملة على هوية الاستاذ خوفاً مما قد تقدم عليه احدى الجماعات الاسلامية او المتطرفين، لكن "الحياة" علمت انه يحمل جنسية مؤلف الكتاب، أي أنه فرنسي، ونقل عنه رئيس الجامعة قوله أنه يكنّ كل الاحترام للدين الاسلامي ولم يقصد باعتماد الكتاب في ابحاث الطلاب ان يسيء الى الاسلام أو الى رموزه. المحامي ممدوح اسماعيل، الامين العام المساعد لرابطة المحامين الاسلاميين، بدأ حديثه ل"الحياة" عن ازمة الجامعة الاميركية، بتشبيه اسلوب الكتاب "محمد" بأسلوب الكاتب الراحل فرج فودة الذي اغتالته ايد من داخل "الجماعة الاسلامية". ويستطرد: "الكتاب يهدف الى التشكيك في الاسلام في داخل بلاد المسلمين". ويتهم اسماعيل العلماء المسلمين بالتقصير في اداء مهمتهم بقوله: "الازهر مؤسسة رسمية، وعلماؤه موظفون ولم يعد لهم دور يلعبونه". ويحاول اسماعيل تحليل ما حدث في الجامعة الاميركية بقوله: "في ظل الظروف التي نعيشها، وبعد تقليص دور الدعاة النشطين، ظهرت قوى مناوئة للمسلمين، ونحن نطالب علماء المسلمين بأن يقوموا بدورهم في درء هذا الخطر، وتكفي الشعب المسلم مشاكله اليومية". هذه قصة كتاب أثار ازمة ساخنة، زادت من سخونتها جنسية ابطالها، على رغم ان الكتاب متداول في مصر منذ السبعينات.