يعد الناقد السينمائي علي ابو شادي، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية في مصر، واحدا من ابرز المدافعين عن حرية المبدع والفنان وخاض معارك كثيرة في هذا الشأن قبل توليه رئاسة الرقابة، ولهذا تفاءل كل المعنيين بشؤون الفن والسينما حين اسندت اليه المسؤولية الرقابية. وعلى رغم نجاح ابو شادي في إحداث الارتياح والتوازن بين الفنانين والمبدعين من جهة وبين الرقابة من جهة اخرى وكسب رضا واحترام الجمهور لتصديه للاعمال المبتذلة ودفاعه عن الدين والاخلاق، الا ان هذا الارتياح لم يسعد التيارات الاسلامية المتطرفة، اذ تقدم قبل مدة المحامي ممدوح اسماعيل الامين العام المساعد لرابطة المحامين الاسلاميين التي تضم اعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين في قضايا العنف الديني ببلاغ الى النائب العام يطلب تحريك دعوى قضائية ضد ابو شادي لانه سمح بتصوير فيلم "العري" لايناس الدغيدي بحجة انه يحوي مشاهد ساخنة. "الحياة" التقت الناقد علي ابو شادي في مكتبه في دار الاوبرا المصرية وسألته عن البلاغ الذي قدمه المحامي الاسلامي ضده فقال: - هؤلاء قدموا بلاغا للتحقيق معي لسماحي بتصوير فيلم يحمل اسم "العري" مع انه لا وجود لفيلم بهذا الاسم، ولكن هناك سيناريو قدم بهذا الاسم، غير اني طلبت تغييره فأصبح "كلام الليل". والفيلم لم ينته تصويره بعد، اما الموافقة النهائية فتكون قبل العرض على الجمهور. هل هذه القضية تشير الى ان التيار المتطرف يريد قانونا يفصّله حسب هواه؟ هؤلاء افترضوا انهم هم فقط المسلمون وان الباقين كفار. وهذا تصور غير صحيح وغير عادل. فنحن مسلمون نعمل وفقا لما تمليه علينا ضمائرنا وفهمنا لسماحة الدين. كل شيء في هذا الوطن يحكمه القانون. وعملي كرقيب يحكمه قانون الرقابة الذي يحافظ على المجتمع ومصالح الدولة العليا. يبدو ان مسألة مساندتك لحرية الابداع جعلتك تلغي لافتة "للكبار فقط"؟ - لافتة "للكبار فقط" موجودة، وهي حاليا على فيلم "المرأة والساطور" للمخرج سعيد مرزوق. والفيلم في الى جانب عشرات الافلام الاجنبية. لم نلغ "للكبار فقط" وانما نحاول ان نقلل منها لكي يكون الفيلم لجميع الأعمار. ونحن نضع هذه اللافتة في الافلام التي يزيد فيها العنف، وليست مرتبطة بالمشاهد الساخنة فقط التي اصبحت نادرة في السينما المصرية مقارنة بالستينات والسبعينات. لكن فيلمي "البطل" و"دانتيلا" اللذين يعرضان حاليا فيهما مشاهد ساخنة، ولم توضع عليهما لافتة "للكبار فقط"؟ - فيلم "البطل" لا يوجد فيه اية مشاهد تضطرنا الى وضع لافتة "للكبار فقط"، اما فيلم "دانتيلا" فاننا حذفنا عددا من المشاهد وخففنا عددا آخر... وبعد الحذف اصبح الفيلم صالحا لكل الاعمار. تردد ان ضغوطا فرضت عليك لعدم التشدد مع "دانتيلا" حرصا على عدم تشويه الفيلم؟ - لا احد يقبل على نفسه ان يفعل ذلك، خصوصا في مسألة تخص القانون، ولم تحدث اية ضغوط وإنما محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه من براثن الرقابة او الرأفة بالفيلم ذلك وليس تجاوزاً للقانون. واجازة الفيلم تمت بعد مناقشات طويلة مع الرقباء ولم يكن رأيا فرديا. ومع ذلك فإن مخرجة الفيلم ايناس الدغيدي اعلنت في حفلة العرض الخاص الذي حضره السيد فاروق حسني وزير الثقافة انها، على رغم تشدد الرقابة مع فيلمها، سعيدة بما حدث لأن الحذف تم بعد حوار طويل من اجل مصلحة الفيلم والفن والمجتمع. بين حين وآخر يثار جدل حول عرض احد الافلام ذات الصبغة اليهودية، فما ابرز تلك الافلام؟ - لسنا ضد أية ديانة، لكن متى تحولت الى مسألة ايديولوجية سياسية فنحن ضدها. نحن ضد الممارسات الصهيونية، فهي عدونا الاول والاخير. ولقد رفضت عددا من الافلام رأيت فيها توجها صهيونا ومنها فيلم "اكاذيب حقيقية" لان فيه دعاية للصهيونية، وطلبت من التي أحضرته عدم عرضه على الرقابة نهائيا لانني لن اوافق عليه، لان ضميري وتوجهاتي الوطنية لا تسمح بذلك ولا تسمح بخروج اموال من مصر لمن يسب العرب. ماذا يحكم قراراتك؟ - مصلحة الوطن العليا هي التي تحكم قراري الذي استمده من القانون الذي أقره النظام، فانا لست في جزيرة منعزلة بل مسؤول في هذا البلد ولا بد ان تتوافق قراراتي وتوجهات الدولة. انا اعمل داخل السلطة وجزء منها، والسلطة مع الديموقراطية والحرية ولا احد يستطيع ان ينكر ان هناك قدرا هائلا من الديموقراطية واتاحة مساحة هائلة من النقد وأدير كل ذلك بالحوار المستمر مع المبدعين وكلهم على قدر من المسؤولية. والحمد لله لم تحدث اية مشاكل منذ اسناد المسؤولية لي لاننا جميعا في مركب واحد، وهذه الديموقراطية اتاحت للسادة المحامين ان يقدموا البلاغ المذكور ضدي ولولا الديموقراطية لما استطاع اي منهم ان يفعل ما فعل. ولهذا فلست منزعجا وانما مندهشا من اسلوب وطريقة صياغة البلاغ الذي امتلأ بالمبالغات وتفسير العبارات تفسيرا مراوغا.