جاكرتا، واشنطن - رويتر، أ ف ب، أ ب - بدا أن الرئيس الأندونيسي سوهارتو لم يستطع تجاهل الاحتجاجات التي تعمّ البلاد وتطالب باستقالته والقيام باصلاحات سياسية جذرية فأعلن أمس قبوله مبدئيا هذه المطالب معتبراً في الوقت نفسه ان بقاءه في الحكم ضروري "لتجنب حرب أهلية". وأكد وزير شؤون البيئة جوونو سودارسونو أن انتخابات عامة ستُجرى في غضون ثلاثة الى ستة أشهر "وسيكون هناك رئيس جديد بحلول نهاية السنة الجارية". لكن هذه الخطوات المفترضة لم ترض زعماء المعارضة وآلاف الطلاب الذين واصلوا احتجاجاتهم أمام البرلمان وطالبوا بتنحية سوهارتو "فوراً" عشية "يوم الصحوة" ضد الاستعمار الهولندي الذي يتوقع أن يشهد اليوم تصعيداً لحملات الاحتجاج المناهضة له. وانتشرت في جاكرتا امس قوات وتمركزت دبابات في مواقع استراتيجية فيها. وتجنبت الادارة الاميركية اتخاذ موقف صريح من الرئيس سوهارتو واكتفت بحض حكومته على "فتح حوار" مع الشعب. واعتبر الناطق باسم البيت الأبيض إريك روبين أن "أهم خطوة يمكن الحكومة الأندونيسية أن تتخذها هي أن تفتح فوراً حواراً مع جميع عناصر المجتمع الأندونيسي على إساس إصلاحات سياسية ومصالحة، إضافة إلى الاستمرار في تنفيذ إصلاحات إقتصادية أساسية". وأشار الى تصريحات سابقة للرئيس بيل كلينتون قال فيها ان "الشعب الأندونيسي هو الذي يجب أن يقرر مَن يحكمه وشكل مؤسساته السياسية". في غضون ذلك استمرت عمليات اجلاء الأجانب من اندونيسيا، ودعت بريطانيا رعاياها الى مغادرتها "خلال 24 ساعة"، في الوقت الذي ذكرت وكالة الانباء الرسمية "انتارا" ان قائد القيادة المركزية لوسط جاوا أمر بإطلاق النار على مثيري الشغب، ونقلت عن الجنرال تياسنو سودارتو انه "في مواجهة اعمال الشغب يجب الا نناقش، بل علينا ان نقاتل". وطلب من المواطنين مساعدة الشرطة. الى ذلك أوضح وزير البيئة جوونو ان سوهارتو أقر خطة التخلي التدريجي عن الحكم بعد اجتماع عقده صباح أمس مع تسعة زعماء اسلاميين نافذين قبل ان يوجه عبر شبكات التلفزيون خطاباً الى الأمة وعد فيه بإجراء انتخابات عامة على أساس قانون انتخابي جديد "في أسرع وقت ممكن". وأضاف جوونو في اتصال هاتفي أجرته معه وكالة "رويترز" ان القانون الموعود به سينجز خلال شهرين وينتظر ان يخلو من القيود التي يفرضها القانون الحالي على عدد من الزعماء السياسيين والاحزاب. وتابع ان المؤسسة العسكرية النافذة وافقت على الخطة، لكنها أعربت عن بعض الشكوك في ما اذا كانت الفترة المحددة لهذه التغييرات عملية. وجاءت ردود فعل المعارضين لسوهارتو سلبية، وأعلن الطلاب أنهم لا يصدقون أن الرئيس الذي يبلغ ال 76 ويواصل حكم البلاد بدعم الجيش سيتخلى عن الحكم. وأكد زعماء المنظمات الاسلامية، أبرزهم أمين ريس الذي يضم تنظيمه جماعة المحمدية نحو 28 مليون عضو ان خطط القيام بالتظاهرات الواسعة المقررة اليوم ستمضي قدماً. وقال ريس، الذي طرح نفسه بديلاً من سوهارتو، ان الرئيس الاندونيسي "سيُهزم قريباً جداً"، واتهمه "بأنه لا يعرف ماذا يجري في مجتمعه". ويتوقع ان تنطلق اليوم مسيرات في جميع أنحاء البلاد وينتظر أن يشارك في مسيرة جاكرتا عشرات آلاف المحتجين الذين سيتجمعون قرب النصب الوطني موناس الذي لا يبعد إلا قليلاً عن القصر الرئاسي. وقال ريس: "أعتقد أنهم المحتجون وصلوا الى نقطة اللارجوع". وأضاف بأن تنفيذ خطة سوهارتو سيستغرق سنتين يواصل خلالها حكمه الديكتاتوري المستمر منذ 32 سنة. وقالت اوساط "المحمدية" ان ريس "دعا السكان الى التوجه الى موناس غدا"، فيما دعت حركة طلابية مسلمة الاندونيسيين الى التوجه بهدوء الى ساحة جاكرتا وقالت انها تتوقع حشد مليون شخص. لكن جماعات اسلامية اخرى لم تشكك بخطط سوهارتو. فقد أعلن غوس دور، رئيس جماعة "نهضة العلماء" التي تعتبر أكبر هذه الجماعات ان "قرار الرئيس تشكيل لجنة للقيام بإصلاحات هو قرار ايجابي تماماً". وأعرب عن تفهمه لكون الاصلاحات ستأخذ وقتاً طويلاً. وكان قائد القوات المسلحة الجنرال ويرانتو حض الطلاب والمعارضة على إلغاء مسيرات الاحتجاج اليوم. ويتخوف كثيرون من تفجر أعمال عنف شبيهة بالتي نشبت قبل اسبوع ودمرت مناطق واسعة من العاصمة جاكرتا نتيجة مواجهات وأعمال سلب ونهب أسفرت عن سقوط أكثر من 500 قتيل.