الشارب الذي "يقف عليه صقر" لم يكن السمة الوحيدة للزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين . فهو يظهر في الكثير من الصور والافلام السينمائية حاملاً غليونه. ويقال انه فقد ذات مرة غليوناً مفضلاً لديه، فكلف وزير الأمن لافرينتي بيريا البحث عنه. وبعد ثلاثة ايام، قال ستالين لوزيره: "لا تتعب نفسك فقد عثرت على الغليون تحت الطاولة". ورد بيريا: "ولكن عشرات من الذين اعتقلتهم اعترفوا بأنهم سرقوا الغليون"! وهذه الطرفة تجسد حال العسف الذي كان سائداً في الاتحاد السوفياتي قبل الخامس من آذار مارس عام 1953 عندما توفي الزعيم الديكتاتور في ظروف غامضة وطويت صفحات كثيرة عن أعماله وقسوته. لكن جزءاً من المخفي في سيرة ستالين، سيكشف بعد إصدار الرئيس الروسي بوريس يلتسن قراراً برفع السرية عن عدد من الوثائق المحفوظة في أرشيف الرئاسة والتي كتب بعضها بخط ستالين أو يحمل توقيعه. واتخذ يلتسن قراره أول من أمس في ضوء مطالعة قدمتها لجنة إعادة الاعتبار لضحايا التعسف السياسي التي يقودها الكسندر ياكوفليف وهو عضو سابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي. وكان الأخير مسؤولاً عن الايديولوجيا ويعد "عراباً" للاصلاحات التي قام بها الرئيس السابق ميخائيل غورباتشوف. الا انه اصبح الآن من أكثر اعداء الشيوعية تزمتاً. وبناء على قرار يلتسن، ستكشف رسائل السجناء ومحاضر استجوابهم وسجلات المحاكم التي سيقوا اليها. ويذكر ان القضاء في سنوات التعسف خصوصاً عام 1937، كان شكلياً، وتمت من خلاله تصفية ملايين المواطنين. وما يمكن تسميته مجازاً محكمة، كان عملياً عبارة عن "ترويكا" تضم ضابطاً ومسؤولاً حزبياً وآخر أمنياً، تبت وضع "المشتبه به" في غضون دقائق ويرسل بعدها الى السجن أو الى غرفة مظلمة تنتظره فيها رصاصة الرحمة. وكان الستالينيون المتزمتون إدعوا مراراً ان "أبا الشعب" لم يكن على علم بالجرائم التي ترتكب وبخاصة التعسف. ومن المفترض ان تلقي الوثائق الضوء على هذا الأمر وتوضح دور ستالين في هذا المجال. ويحكى عن الامبراطورة كاترينا انها كانت تخط على هامش احكام الاعدام الصادرة عن المحاكمة عبارة "إعدام لا غفران". وتترك لمساعديها ان يضعوا الفاصلة، أما بعد كلمة "لا" أو قبلها بكل ما يترتب على ذلك من عقبات. وهل كان ستالين يتبع اسلوباً مماثلاً؟ هذا ما ستكشف عنه وثائق الأرشيف الرئاسي وهو في حقيقة الأمر الأرشيف السري للجنة المركزية للحزب الشيوعي والذي نقل الى ديوان الرئاسة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وكان كشف عن عدد من محتوياته بينها وثائق تتعلق بالصلات بين موسكو و"رفاق" اجانب. ونشرت "الحياة" في حينه وثيقة عن صلات بين عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية وديع حداد وجهاز الاستخبارات "كي.جي.بي". لكن المنشق المعروف فلاديمير بوكوفسكي الذي أمضى سنوات طويلة في السجون يقول ان القرار الرئاسي الأخير لن تكون له تبعات سياسية نظراً الى انه يقتصر على وثائق "ميتة" يزيد عمرها على 55 عاماً. أما ذوو الأموات، أو بالأحرى القتلى، فإنهم لا يشاركون بوكوفسكي الرأي، ورحب كثيرون منهم بقرار يلتسن، لأنه سيعيد الاعتبار الى ضحايا التعسف ويمكّن أبناءهم وأحفادهم من الحصول على تعويضات مالية تساعدهم في مواجهة "التعسف" الاقتصادي الجديد الذي يعانون منه اليوم.