ليس مطلوباً من الولاياتالمتحدة ان تكون منصفة، ذلك ان لكل قوة عالمية مصالحها التي تتحكم الى حد كبير بسياسات هذه القوة، فكيف اذا كان الأمر متعلقاً بالقوة العظمى الوحيدة على الكرة الأرضية. ولكن رغم ذلك يفترض ان تتعاطى الولاياتالمتحدة بحد أدنى من الواقعية مع مشاكل هذا العالم، بدءاً بالشرق الأوسط وانتهاء بافريقيا التي اختتم الرئيس بيل كلينتون جولة فيها اضطر خلالها الى الاستماع الى بعض الحقائق على لسان نلسون مانديلا. في مقدم هذه الحقائق انه ليس في استطاعة أميركا ان تؤمن الاستقرار في القارة الافريقية عبر اقتراح انشاء قوة افريقية لحفظ السلام فقط. ذلك ان مثل هذه القوة التي لا يمكن ايجاد تفسير لانشائها غير ايجاد اداة افريقية تحارب باسم اميركا من اجل الاستقرار، تظل غير ذات معنى في غياب انفتاح أميركي حقيقي على كل دول القارة الراغبة فعلاً في التعاون مع الولاياتالمتحدة لدعم الاستقرار. من هنا لم يكن كلام مانديلا عن ضرورة فتح حوار بين كلينتون والعقيد معمر القذافي في غير محله، نظراً الى ان مانديلا الذي ينصح أيضاً بحوار بين كلينتون وفيديل كاسترو وبين أميركا وايران، يدرك ان لأميركا مصالحها في افريقيا وفي العالم، الا ان هذه المصالح لا يمكن ان تتعارض مع الاستقرار الحقيقي في القارة السمراء. وهذا يعني بالتالي انه لا يمكن للولايات المتحدة ان تسعى الى انشاء قوة افريقية لحفظ السلام، في وقت تحاول تجميع معارضين ليبيين من مشارب مختلفة لممارسة ضغط على تلك الدولة التي تتعرض لعقوبات دولية بسبب جريمة بشعة قد يتبين يوماً انها ليست هي التي اقترفتها. فالاستقرار في افريقيا لا يتجزأ، نظراً الى الترابط العضوي بين مشاكلها وهذا ما أظهره التدخل الأميركي في الصومال. مرة اخرى ليس في استطاعة أحد ان يتوقع ان تكون أميركا منصفة، الا ان بعض التواضع يبدو ضرورياً حتى لدولة في هذا الحجم. وأول ما يقتضيه هذا التواضع هو تفهم أوضاع افريقيا ومظالم شعوبها عن كثب، تماماً مثلما يفترض في أميركا ان تتعاطى مع أوضاع الشرق الأوسط بطريقة مختلفة، رغم ان ليس في امكان ادارة كلينتون ممارسة أي تأثير على حكومة بنيامين نتانياهو، حتى انها تفضل الحديث عن تقدم غير موجود على صعيد العملية السلمية كي لا تضطر الى الاعلان عن مبادرة ترفضها اسرائيل سلفاً! ليس متوقعاً ان تجترح أميركا معجزات، ولكن لتقل على الأقل ان الاستقرار في افريقيا يعني استقراراً في كل افريقيا وان السلام في الشرق الأوسط لا يعني سلاماً لاسرائيل وحدها بل يبدأ بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين كشعب وبأن الهدف هو تسوية شاملة وعادلة تضمن حقوق الجميع. هل كثير ان يطلب ذلك من أميركا… مع الاعتراف في الوقت نفسه بأن لديها مصالحها التي يفترض أخذها في الاعتبار