أكدت متغيرات التسعينات الأهمية الاستراتيجية للوطن العربي، وظهر ذلك من خلال ارتباط مصالح الدول الكبرى بما يجري في المنطقة وحرصها على إيجاد ترتيبات إقليمية تخدم هذه المصالح. فكان الحشد الكبير من المشاريع المطروحة على المنطقة، وقد فرزت هذه المشاريع أخطاراً على النظام العربي من مواقع مختلفة، إضافة للمخاطر الداخلية التي يترنح تحتها. ولكن أيا منها لم يأخذ الى الآن وضعاً مستقراً ويملك مؤسساته التنفيذية، مما يعني ان الفرصة - ومها كانت ضعيفة - لا تزال متاحة أمام الدول العربية لإعادة النظر بعلاقاتها البينية وبأداتها الجماعية وتفعيلها، بحيث يأخذ دورها المناسب لأهميتها الاستراتيجية التي لم تعد بحاجة الى تأكيد. اما البديل فان تبقى حالة الفوضى متحكمة بالوضع العربي، وبالتالي لا يتمكن من تحديد رؤية لدوره وموقعه في القرن المقبل. و بذلك يصبح مصير الوطن العربي في ذاك القرن متروكاً للظروف التي يصنعها الآخرون، أو لتحركات القوى الأخرى التي تعمل على ترتيب اوضاعها في كل العالم ومن بينها الوطن العربي. وهذه القوى ذات وزن عالمي ولها رؤية واضحة أو شبه واضحة لدورها في هذه المواقع، ومن ثم فرؤيتها ليست فقط لسياسات مجردة، وإنما بالنسبة الى الوضع المحدد في المناطق المختلفة، بما فيها الوطن العربي. وهنا تتنازع رؤى اميركية واوروبية واخرى لقوى إقليمية، كلها تصب في خندق واحد، وتأخذ مصالحها في الاعتبار دون مصالح الدول العربية، لا سيما وان الاخيرة لم تحدد مصالحها بشكل واضح بعد وتعمل على تحقيقها. وإذا ما أراد أطراف النظام العربي ان تكون لهم رؤيتهم التي تحدد دورهم، فإن ذلك لن يتم دون العمل الجماعي من اجل إحياء النظام العربي على اساس من سلطات حقيقية لمؤسساته. فعلى النظام العربي أن يثبت جدارته وأن يوجد لنفسه المبررات الجديدة لتأكيد موقعه وأهميته الاستراتيجية، وقدرته على ان يلعب دوراً أكثر فعالية يتناسب مع تلك الأهميته، ومع متطلبات التكيف مع المتغيرات السياسية والاقتصادية المتسارعة التي يجب ان تقام علاقاتها على اساس التكافؤ والتوازن، وهذا لا يمكن ان يتم إلا بوضوح في الرؤية والهدف.